الرئيسية / الأخبار / أسرى الحرية
الأسير عمار الزبن 21 عاماً من الاعتقال، وما تزال الحرية أملاً لا يتوارى
تاريخ النشر: الجمعة 12/01/2018 11:58
الأسير عمار الزبن 21 عاماً من الاعتقال، وما تزال الحرية أملاً لا يتوارى
هو الأب الأول لسفراء الحرية

بقلم: تسنيم ياسين
مقابلة: مي الزبن
نابلس، أصداء-- هو اسمٌ صعب في سجلّات الاحتلال، واسمٌ أصعب في عقل كل فلسطيني باحث عن حرية مفقودة، ارتبط اسمه بثنائيتي الرعب الذي يهز الاحتلال، والصمود والابتسامة التي لا تختفي لتنشر نسيماً حراً وسط شعبٍ يتوق لكل ما له علاقة بالحرية، إنه الأب الأول لسفراء الحرية الأسير "عمّار الزبن".
المولد والنشأة
ولد عمار عام 1975 في مدينة نابلس، وتربى في مساجدها وخاصة مسجد عاشور في البلدة القديمة بنابلس، وبدأ فيه حفظ القرآن الكريم ودراسة السنة النبوية التي حرص على السير على نهج صاحبها عليه الصلاة والسلام.
نشأ وسط عائلة بسيطة فاضلة تنحدر من بلدة ميثلون وتسكن نابلس، مكونة من ولدين وبنتين، نمت فيه حب الوطن، لتنال العائلة شرف استشهاد ابنها بشار عام 1994 الذي قضى خمس سنوات في السجن ثم استشهد بعد خروجه.
متزوج وله من الأبناء أربعة: بشائر النصر, التي كانت ابنة عام ونصف لدى اعتقاله عام 1998 وهي الآن في السنة الجامعية الأخيرة, وبيسان التي وُلِدت بعد اعتقاله بثلاثة أشهر وتدرس الهندسة, كذلك رزق بمهند ابن الخمسة أعوام الذي كان أول سفير للحريّة, وتبعه صلاح الدين بسنتين سفيراً ثانياً للحرية.
رحلته مع كتائب القسام
تنشئته في بيئة لا تعرف ألعاب السياسة وأنصاف الحلول، وترى فلسطين، كلَّ فلسطين وطناً، جعلت منه شاباً أهلاً ليكون من قادة القسام في نابلس، يرافقه الشهداء القادة محمود أبو هنود، ومهند الطاهر، وأيمن حلاوة، الذين جعلوا من نابلس مركزاً لعمليات هزت الاحتلال.
شهداء لأجل الأسرى، هي إحدى الخلايا التي كان عمار عضواً سرياً فيها، وكانت إستراتيجيتها تقوم على تنفيذ عدة عمليات استشهادية ومحاولات خطف جنود إسرائيليين من أجل إجبار الاحتلال على الإفراج عن الأسرى.
عام 1997 هزت خمس عمليات استشهادية سوق محني يهودا وشارع بن يهودا حصدت 27 قتيلاً و300 جريح صهيوني، جعلت الاحتلال يتخبط بحثاً عن أي خيط يقوده لمن وراء العملية، بينما كان القسام الذي تكتم على العملية يجهز لما بعدها.
ولكن لم يطل الأمر حتى اكتشفتها أجهزة الأمن الصهيونية، فكان قائد الخلية الشهيد يوسف السركجي وإبراهيم بني عودة، وبعضوية الأسير عمار الزبن والشهداء محمود أبو هنود ومهند الطاهر وخليل الشريف.
ذاكرة الأسير عمار مازالت تحمل ذكريات الصحبة تحت جناح القسام، يحدثنا ببعض منها: "أبرز حدث ما زال في ذاكرتي, عندما كنّا ننتظر قدوم الاستشهادي الثالث في عمليّة شارع بن يهودا التفجيرية, وكانت تلك مهمة قائد القسّام في مدينة نابلس آنذاك المجاهد خليل الشريف, ولمّا حانت لحظة الصفر ونحن ومحمود أبو هنّود ومهند الطاهر على أعصابنا, تفاجأنا دون سابق إنذار أنّ الاستشهادي لم يكن غير القائد ذاته خليل الشريف ولم يفلح أحد بثنيه عن ذلك.
أمّا الحدث الآخر , فكان بعد اكتشاف هويّات الاستشهاديين وأربعة منهم من عصيرة الشمالية, حيث لم نكن نعلن عن أسماء الاستشهاديين, حينها أصرّ المجاهد محمود أبو هنود على دخول القرية ولم أفلح ومهند عن ثنيه, فدخلها من الطرف الشمالي الشرقي لجبل عيبال ومكث يوماً كاملاً, و حدثنا عن رؤية الاحتلال وهو يهدم البيوت ويحاصر القرية وعن لقائه بأحد المجاهدين المتخفين.
أمّا الحدث الثالث, فهو إصرار المهندس أيمن حلاوة على تنفيذ عملية استشهادية بعد معرفة أمر تنفيذ القائد خليل الشريف لعملية بن يهودا إلى جانب الاستشهاديين يوسف الشولي وبشار صوالحة لكنّنا رفضنا ذلك وكان القرار صائباً, لأنّ أيمن حلاوة المهندس الثالث في كتائب القسام قاد العمل العسكري بداية انتفاضة الأقصى بعد تحرّره من الأسر حيث لم يستطع العدو انتزاع الاعتراف منه".
على مر التاريخ الفلسطيني المقاوم، تمتاز كل مرحلة من المراحل بملامح تميزها عن غيرها، يوضح: "في الفترة الأولى التي عملت فيها مع الدائرة المحيطة بالشهيد المهندس يحيى عياش عام 1994 كنّا نواجه خطر شاباك العدو ولكن بعد اعتقالي الثاني إدارياً لستة أشهر وعودة الاتصال مع الشهيد خليل الشريف أواسط عام 1996 بعد الإفراج, كان هناك تغير بدخول السلطة، خاصة بعد عمليّات الثأر القسّاميّة للشهيد يحيى عياش.
لكنّنا رغم ذلك, استطعنا التكيّف وترتيب أنفسنا, حيث لم نكن في تلك المرحلة نعمل بطريقة مركزة ولمّا أردنا أواخر عام 1997 تشكيل جسم موحّد في الضفة الغربية مع الشهيد عادل عوض الله, بواسطة المجاهدين محمود ابو هنود ومعاذ بلال, فشلت المحاولة وتلقّى العمل العسكري فيما بعد ضربة قويّة أواخر عام 1998 بعد استشهاد المجاهد عادل عوض الله.
كما أنّ من أبرز ملامح العمل في تلك المرحلة, بناء الفعل الجهاديّ على ردّات الفعل من جهة, ومن جهة أخرى فتح المعركة دون وضع خطّة تفضي إلى نتيجة توازن عمليّة على الأرض, فقد كنّا نركّز على ترسيخ قاعدة تبادل الرعب من خلال نقل المعركة إلى كل شبر من فلسطين التاريخية وهذا الأمر استمرّ في انتفاضة الأقصى ولم يتم توجيه الجهد إلى التركيز التكتيكي في مستوطنات الضفة والقدس, على الرغم من الجهد المبارك الذي كانت تنفّذه الكتائب من شمال الضفة إلى جنوبها وبالتأكيد في المقدمة قطاع غزة الذي استطاع فيه المقاتلون- بحكم الجغرافيا- تركيز عملهم على المستوطنات وبالتالي دحروها عن القطاع".
الاعتقال والتحقيق
ثلاث مرات كان اعتقال عمار، أولها عام 1992، ثم عام 1994 بعد مشاركته في جنازة أخيه الشهيد بشار، ثم الاعتقال الأخير في كانون الثاني عام 1998.
يروي لنا تفاضيل اعتقاله: "تمّ اعتقالي لدى عودتي من الأردن, وكانت المرة الأولى التي أغادر فيها فلسطين مدّة خمسة أيّام فقط, ولم أكن أدري أنّ العدوّ قد أمسك بطرف خيطٍ يقود إليّ. التحقيق في تلك الفترة من عام 1998 كان يعتمد العنف الجسدي من كسر الظهر أو أسلوب الموزة والخنق دون قيود, إضافة إلى أساليب أخرى كالشبح وعدم النوم المتواصل لأيامٍ عدّة وصولاً للهلوسة حيثُ مكثتُ أنا وأخويّ المجاهدين معاذ بلال الذي يماثلني الحكم والأسر, والشهيد المهندس أيمن حلاوة الذي أطلق سراحه لاحقاً, مدة شهرين ونصف في زنازين التحقيق. ثم حُكِمتُ ستّة وعشرين مؤبداً وخمسة وعشرين عاماً, بتهمة المشاركة في التخطيط والتنفيذ لعدّة عمليات للمقاومة في إطار "كتائب القسّام".
"لم يخل السجن من لحظات قاسية، ولا يخلو، فالأسر بحد ذاته"-كما يصفه عمار- "حكاية حزن ممتدّة, لكنّ أحداثاً فارقة تترك أثرها عليك لزمنٍ بعيد كفراق الأحبّة, استشهاد الوالدة في إضراب عام 2004, ورحيل رفيق العمر "مهند الطاهر" و"محمود ابو هنود" و " أيمن حلاوة" و" الشيخ يوسف السركجي و" الجمالين" وغيرهم, ولكن أقسى اللحظات التي لا تُنسى عندما غادرنا رفقاء السجن وبقينا خلف الأسوار, فلا الانجاب أو أيّ أمر ممكن أن يُساوي الحريّة".
والد أول سفيرٍ للحرية
نفسه التواقة للحرية لم تستسلم لقضبان السجن وجبروته، ليصبح والد أول سفير للحرية، مهند عمار الزبن إثر تهريب نطفة كانت بداية تجربة خاضها بعده أكثر من 70 أسيراً.
يتحدث عن تجربته: "ذلك فضلٌ من الله ورحمة ثمّ عزيمة وإصرار من صاحبة المشروع الحقيقية, زوجتي التي ظلّت تطرح الأمر منذ عام 2002, فبدأنا الزراعة عام 2011 وبعد محاولتَين لم تتكلّلا بالنجاح, شاء المولى عز وجل, وحملت زوجتي المحاربة بعد صفقة وفاء الأحرار التي رفض العدوّ إطلاق سراحي بها, فجاء مهند وبعد عامين جاء صلاح الدين, أمّا الشعور فلا يُكتَب بالكلمات وحسبي أنّي لحظة تهريبي للنطفة قد حرّرتُ جزءاً من روحي وجسدي خارج الأسر".
حين يتحول السجن من محنة إلى منحة
الحر لا تقيده قضبان، ولا تحد من إبداعه كل محاولات السجان وجنوده، وهنا عمار مع إخوته عملوا لتحويل المعتقلات من محنة إلى منحة يظهر فيها إبداع الفلسطيني المقاوم.
فبعد اتفاق أوسلو تغيرت الكثير من المفاهيم لدى الشعب الفلسطيني وانعكس ذلك جلياً داخل المعتقلات، وهنا كان لا بد لعمار وإخوته داخل سجون حركة حماس أن وهذا يضاعفوا تركيزهم على إحياء الموروث الثقافي لقيم الثورة والجهاد وتطوير عناصرها, ولكن "مع تجديد أنماط التعليم وخاصة بعد دخول فضائية الجزيرة التي اختصرت الكثير من البرامج الثقافية والعلمية وغيرها".
كذلك نظمت الدورات في شتى المجالات, ثم دخل االتعليم الجامعيّ, يقول عمار:كنّا أوّل من أدخل برنامج الدبلوم والبكالوريوس إلى السجون, بعد أن أوقف الاحتلال الدراسة في الجامعة العبرية المفتوحة وكنت قد أنهيت عامين من الدراسة فيها, إلى أن توفّرت الظروف وأنهيتُ الدراسة في جامعة القدس أبو ديس بواسطة الدكتور مروان البرغوثي المحاضر السابق في ذات الجامعة.
أمّا عن الثقافة العامّة, فيعد الأسير عمار الأمر تراكميّاً, وينتج من جهد الأسير وكذلك من عدد الطاقات الهائلة التي تدخل إلى المعتقلات.
قلمٌ للأدب المقاوم
السجن كان فرصة سانحة كي يحقق الأسير عمار حلمه بأن يصبح كاتباً، فكانت تجربته الأولى مع رواية "عندما يزهر البرتقال", وهي "استفزازٌ نهاريّ لدى رؤية والدة الشهيد أسيل عاصلة من شهداء هبة أكتوبر بداية انتفاضة الأقصى وهي ترجو قُضاة الاحتلال الذين جاؤوا للتحقيق في ظروف استشهاد ابنها واخوانه, فلم يستمعوا لها , فحلمت ليلتها ونزفت الحلم بعد الفجر على الورق لتخرج الرواية الأولى بعد عدة أشهر من ذلك"
ثم جاءت الرواية الثانية "مِن خلف الخطوط" التي تحكي قصة أسر الجنديّ نحشون فاكسمان عام 1994, في ثوب ثقافة تحرير الأسرى.
وأخيرا رواية "الزُّمرة" التي تحكي قصة خمسة من نخبة القسّام مكثوا أربعة عشر يوما تحت الأرض في الحرب الأخيرة على القطاع عام 2014, في ظروف مُستحيلة, حتى حانت ساعة الصفر وأحدثوا مقتلة في العدو فاستشهد ثلاثة وأسر اثنان قد رويا الحكاية لي.
أمّا الروايات التي لم تُنشَر بعد فهي اثنتان, نترك الحديث عنهما عندما تلقيان طريقهما إلى النشر ولكن الأولى توثيقية لأمر غير طبيعيّ يحدث للمرة الأولى, أمّا الثانية فتشتغل في أمر يرفض الناس الغوص فيه".
ويرى الأسير عمار الزبن أنه لا يمكن الحكم على جميع الكتب التي خرجت من السجن بأنها أدبٌ مقاوم، أو من أدب السجون |فالأصح أن يُقال بحقّ مَن يكتب مِن الأسرى ولا تكون المقاومة أكبر همّه, أنّ كتابته تستظلّ بمظلة أدب السجون
ويشتكي الأسير الزبن من الافتقار لجهة تنقد الأعمال وتطورها إلّا في حالاتٍ فرديّة وهو الأمر الذي يقودُ إلى "أم المشاكل, النشر, فلا يوجد جهة تستطيع إيصال الكاتب إلى دار نشر مُحترمة, وتتابع جميع التفاصيل اللاحقة فيلجأ الكاتب منّا إلى النشر الحزبيّ, وفي أحيانٍ كثيرة تذهب الحقوق نتيجة جشع بعض الناشرين كما حدث معي عندما انبرت إحدى المكتبات التي تزعمُ رعاية أدب الأسرى في الضفة الغربية لنشر روايتي الثانية " من خلف الخطوط" قبل نشرها في مصر, حيث ساهمتُ في نصف تكاليف الطباعة, فلم أحصل على ذلك ولا غيره رغم إخباري أنّ الطبعة الأولى نفقت بسرعة , ورغم مرور ثلاث سنوات على النشر".
ويرى كذلك الناس إلى عدم النظر إلى أدب السجون بعين الشفقة.
رسائل
وفي رسائل متعددة وجهها الأسير عمار توجه للقدس معتذراً أما لترامب فشاكراً له على "إيقاظه البعض" وأما المقاومة فهي بعينه الأمل ورأس حربتها القسام.
أما غزة فتوجه إليها: "أطفالكِ سيبولون على رأس مَن يخذِلُكِ وفتيان الضفة رجال لا تخضع".
وإلى زوجه رفيقة الدرب واصفاً لها بأنها ـ"سيدة العالم"، طالباً من أبنائه السماح والعذر.
واليوم يدخل عمار الذكرى الحادية والعشرين في معتقلات الاحتلال، وما زال مع إخوته الأسرى ينتظر الأمل القادم الذي سيخرجهم رغم الاحتلال وعناده، مؤمنين بأن "السجن ليس للأحرار".
 

المزيد من الصور
الأسير عمار الزبن 21 عاماً من الاعتقال، وما تزال الحرية أملاً لا يتوارى
الأسير عمار الزبن 21 عاماً من الاعتقال، وما تزال الحرية أملاً لا يتوارى
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017