الرئيسية / مقالات
النظام ليس عدوا للقمة العيش
تاريخ النشر: السبت 13/01/2018 15:22
النظام ليس عدوا للقمة العيش
النظام ليس عدوا للقمة العيش

في الوقت الذي أبدى كثيرون في مدينتنا نابلس ترحيبا بحملة تنظيم السوق الشرقي وإزالة التعديات، وعبروا عن مخاوفهم من أن تكون الحملة مؤقتة كسابقاتها بحيث تعود الفوضى من جديد، كان هناك فريق آخر رافض للحملة ومتعاطف مع أصحاب البسطات في سعيهم لكسب رزقهم بالحلال.
"قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق".. هذه العبارة الشهيرة التي يستخدمها من يدافعون عن بقاء فوضى البسطات على حالها، وهي العبارة التي تُلجم المسؤولين عن اتخاذ خطوات جريئة لتنظيم السوق الشرقي وبقية أسواق وشوارع المدينة.
يظن كثيرون أنه كلما تساهلت البلدية والجهات المسؤولة مع فوضى البسطات، وأقصد هنا البسطات التابعة للمحلات والبسطات المستقلة، فإنهم بذلك يساعدون المواطن على مواجهة البطالة، وبذلك يعززون من صموده على هذه الأرض، لكن لو درسنا الأمر بعمق أكبر سنجد أننا نحصد نتيجة مغايرة، دون أن نقصد.
ما يحدث يشبه إلى حد كبير حال الأم التي يدفعها حنانها الزائد على ابنها إلى تركه يعيش حياته على هواه، وعدم الضغط عليه لكي يجدّ ويجتهد، وتظن أنها بذلك تعمل لمصلحته، وفي الحقيقة إنها تدمر ابنها ومستقبله.
حال السوق الشرقي، وإلى حد مشابه السوق الغربي، وصل في الفترة الأخيرة إلى وضع لا يطاق، وأصبح السير فيه مهين لكرامة المتسوقين، بعد أن دخل أصحاب المحلات والبسطات في سباق مع بعضهم على كل سنتيمتر من الطريق، فهذا يُخرج بضاعته مترا إلى الشارع، فيخرج جاره مترا ونصف، فيعود الأول ليزيد المسافة المخصصة له إلى مترين، فيضاعف جاره مساحته إلى ثلاثة أمتار، وهكذا، حتى أُفرغت كثير من المحلات من البضاعة ووضعت في منتصف الطريق، وبات المتسوقون بحاجة لطلب إذن أصحاب البسطات والمحلات للسماح لهم بالمرور!
إن استمرار الفوضى من شأنه أن يجعل مدينتنا طاردة لزوارها وحتى لأبنائها، وهو ما سينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي المتردي أصلا، فضلا عن أنها تشكل بيئة خصبة للفلتان وفقدان الشعور بالأمان والسِلم الأهلي.
قد يقول قائل إن كلامي هذا مبالغ فيه، وأنا هنا أذكّرهم بأن أهل مدينتنا لم يفكروا بتركها في أحلك لحظات اجتياح عام 2002، لكن الكثيرين منا خرجوا مكرهين تحت وطأة الفلتان والفوضى عام 2006.


ومن يصرّ على الفصل بين الفوضى والفلتان فهو واهم، وعليه أن يراجع أرشيف الأخبار ليكتشف كم شخصا جرح أو أصيب خلال شجار وقع بين أصحاب البسطات بسبب نزاع على مكان الوقوف؟
وأنا اعتقد أن الكثير من التجار وأصحاب البسطات غير مرتاحين لعرض بضاعتهم وسط الشارع، وهم مستعدون لإزالة التعديات، لكنهم يريدون أن يكون ذلك بشكل جماعي حتى لا يكون ذلك على حساب أحد.
وأنا أجزم أن تنظيم الأسواق وإزالة التعديات -إذا استمر- فإن آثاره الإيجابية ستنعكس على التجار وأصحاب البسطات أنفسهم، خاصة إذا علمنا أن كثير من المواطنين قد هجروا السوق الشرقي ومجمل أسواق البلدة القديمة بسبب الزحام الشديد فيها والناجم عن الفوضى، وباتوا يفضلون شراء حاجاتهم من شوارع بعيدة، حتى لو كلفهم ذلك زيادة في السعر.
لذا، أرى أن على البلدية والمؤسسات المختصة بأن تمارس دور الأب الحازم الحريص على مصلحة ابنه، وأن تبادر منذ الآن إلى التأسيس لثقافة احترام النظام والقانون، والتي لن يموت في ظلها أحدٌ جوعاً، بل هي الكفيلة بإيجاد بيئة يكسب فيها الجميع رزقه بكرامة، ودون الانزلاق نحو منحنيات لا يرغب بها أحد.

* الصحفي غسان الكتوت

 

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017