الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
من حقوق المسلم على المسلم النصح له :
أيها الأخوة الأكارم, لا زلنا في حقوق المسلم على المسلم، وقد ذكرت في الدرس الماضي: أن من أجلِّ هذه الحقوق النُصح له، إذا غش المسلم أخاه فليس مسلماً، ما الذي يقابل النصيحة؟ الغش أو الخيانة، والغاش ليس مسلماً، والخائن ليس مؤمناً، أما الدليل: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
((مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا))
النبي نفى أن يكون منتمياً إلى هذا الدين، بل هناك حديثٌ آخر:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ, فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا, فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً, فَقَالَ:
((يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ مَا هَذَا؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ؟ ثُمَّ قَالَ: مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا))
لو غششت مجوسياً فأنت لست مسلماً، مجوسياً عابد صنم ملحداً، إنه مخلوقٌ من مخلوقات الله عزّ وجل:
الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.
فإذا غششت فلست مسلماً، وإذا خُنت فلست مؤمناً، والدليل:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ))
ما الذي يقابل الغُشَّ والخيانة؟ النصح، أن تكون نصوحاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وصف المؤمنين فقال:
((المؤمنون نصحةٌ متوادون ولو ابتعدت منازلهم, والمنافقون غششةٌ متحاسدون ولو اقتربت منازلهم))
إذاً: أكبر حقٍ عليك، وأول حقٍ عليك، وأوجب حقٍ عليك تجاه أخيك المسلم: أن تنصح له.
ما معنى النصيحة؟ :
ما معنى النصيحة؟ .
جرت عادة العلماء على أن يبدؤوا التعريف بالتعريف اللغوي، إذا قلت: نصحت، ما معنى نصح في اللغة؟
علماء اللغة قالوا: نصح الرجل ثوبه إذا خاطه.
كأن النصيحة التي أرادها النبي عليه الصلاة والسلام: إذا رأيت خللاً في ثوب أخيك, عليك أن تنصح هذا الخلل؛ أي أن ترفو هذا الخلل، أي أن تخيط هذا الخلل، أي أن تسدَّ هذه الثغرة، أي أن تخيط هذا الثوب، فالنصح بالمعنى اللغوي الخياطة، نصح الرجل ثوبه إذا خاطه، نصحت أخي المسلم؛ أي وجدت في ثوبه خرقاً أو ثُغْرَةً فأحكمت إغلاقها، وهذا معنى، المعنى الثاني: نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، فهذا عسلٌ نصوح؛ أي مصفَّى.
الآن: ما علاقة النصح بهذا المعنى؟ إذا قدمت لأخيك النصيحة؛ أي قدمت كلاماً صحيحاً حقاً خالصاً دقيقاً، لا يوجد فيه شائبة وهذا حق.
يا أيها الأخوة الأكارم, الذي أراه أن الكلام انتهى دوره, لكثرة الكلام المُنمق، لكثرة الفصاحة، لكثرة البيان، الكلام انتهى دوره ولم يبق إلا العمل، لذلك مهما صافحت أخاك المسلم ، ومهما شددت على يده، ومهما كان لقاؤك له حاراً إذا غششته, أو إذا أخفيت عنه العيب, أو إذا أضللته, أو إذا حاولت أن تصرفه عن شيءٍ مهم, فأنت لست مسلماً, وليس هذا مجتمع المسلمين، ومثل هذا المجتمع لا يحق أن ينصره الله عزّ وجل، لذلك:
الدِّينَ النَّصِيحَةُ.
يجب على المسلم :
يجب أن تنصح المسلمين من خلال عملك في الدرجة الأولى وقبل الحديث، كلٌ في عمله؛ الطبيب في عيادته، والمحامي في مكتبه، والتاجر في حانوته، والبائع في دكانه، والموظف وراء طاولته، هذا الذي أمامك إن كان مخلوقاً فهو مخلوقٌ لله عليك أن تنصح له، وإن كان مسلماً له عليك حقَّان؛ الحق الأول هو الأخوة في الإنسانية، والحق الثاني هو الأخوة في الدين، يجب أن تنصح له، والنصح الكلام المصفى كالعسل، والنصح الكلام الذي لا شائبة فيه، والنصح إحكام الخلل، إغلاق الثُغْرَة وهذا هو النصح، لذلك: هذا المعنى أساسه لغوي وانتقل إلى المعنى المجازي، والمؤمن ناصحٌ ونصوح، من صفات أهل الإيمان أنهم نصحةٌ متوادون، من صفات أهل النِفاق أنهم غششةٌ متحاسدون.
الله سبحانه وتعالى يقول على لسان سيدنا نوح:
﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
من الذي يجب عليه أن ينصح؟ هو الذي يعلم من الله ما لا يعلم الآخرون، كل من آتاه الله علماً, من أمانة العلم أن تنصح كل المسلمين.
والآية الثانية على لسان سيدنا هود:
﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾
هل المسلم مكلف أن ينصح كل إنسان في كل مكان وفي كل وقت وزمان؟ :
1-النصيحة فرض كفاية :
لكن هناك سؤالٌ دقيق, وهذا السؤال: هل أنا عليّ أن أنصح كل إنسان، في كل مكان ، في كل وقتٍ وزمان، ليس هناك استثناء؟ .
قال العلماء: النصيحة فرض كفاية, إذا قام بها البعض سقطت عن الكل.
يعني إذا كنتم جماعة في نزهة, ورأيت إنساناً يعذِّب حيواناً، إذا تكلم أحد هؤلاء ناصحاً, سقط الوجوب عن بقية الحاضرين.
إذاً: النصح فرض كفاية, إذا قام به البعض سقط عن الكل.
هذا الحكم الأول.
2- مثل هذه الحالة أعفاك الشرع من أن تنصحه:
الحكم الثاني هو: إذا غلب على ظنك إذا تيقنت, أو غلب على ظنك أن هذا الإنسان لا يقبل النصيحة بل سيستهزئ بها لأنه ينكر أصل الدين، إذا قلت له: يا أخي قال الله تعالى، يقول لك: أو مصدقٌ أن هذا كلام الله؟ مثل هذا الإنسان لا عليك إن لم تنصحه، انطلاقاً من قوله تعالى:
﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾
انطلاقاً من حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- أن لا تضع الحكمة في غير أهلها:
من منع الحكمة أهلها فقد ظلمهم، ومن وضعها في غير أهلها فقد ظلمهما.
إما أن تظلم الناس وإما أن تظلم الحكمة، يعني انطلاقاً من قوله تعالى:
﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾
وانطلاقاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي إنه من تكلم في الحكمة لغير أهلها فقد ظلمها, ومن منعها أهلها فقد ظلمهم.
أحكام تتعلق بالنصيحة :
أول حكم في النصيحة أنها فرض كفاية, إذا قام به البعض سقط عن الكل، يعني إنسان أخطأ وكنتم جماعة، فأوجهكم أوسطكم أعقلكم أعلمكم أذكاكم أفصحكم, قال له: يا أخي, بأسلوب لطيف ولبق، وبقية الأخوة الحاضرين ليس عليهم أن يتكلموا أكثر من ذلك، وإلا تصبح هذه النصيحة فضيحة، والنصيحة شيء والفضيحة شيءٌ آخر.
الحكم الثاني: أنك إذا غلب على ظنك أن هذا الإنسان بعيدٌ عن الدين بعد الأرض عن السماء، وأنه لا يستجيب، وأنه سيستهزئ، وأنه سيكيل للدين الشتائم، وأنه بعيدٌ عن الله كالحجر الصلب، في مثل هذه الحالة أعفاك الشرع من أن تنصح له.
يعني أحياناً الإنسان يلتقي بسيارة عامة بالطريق بإنسان يسب الدين, يتكلم كلام بذيء بحق الحضرة الإلهية، فإذا نصحته ربما زدته هيجاناً، ربما زدته تفلتاً، ربما حملته على أن يقول كلمة الكفر، مثل هذا من الحكمة أن تبتعد عنه.
3- مثل هذه الحالة أعفاك الشرع من النصيحة أيضاً :
يوجد عندنا حكم ثالث: هناك حالاتٌ إذا نصحت فيها, تخشى أن يلحق بك ضررٌ كبير، كأن يُتلف مالك كله، أن تضيع حريتك، أن تفقد أحد أعضائك، أيضاً في مثل هذه الحالة الشرع الحنيف أعفاك من النصيحة، إذا خفت على نفسك الضرر الكبير، وإذا كان هذا المنصوح بعيداً عن الدين بعد الأرض عن السماء، وإذا قام بهذه النصيحة أحدٌ آخر، سقطت في هذه الحالات الثلاثة.
علام يحض هذا الحديث؟ :
الآن: الحديث النبوي الشريف الذي بين أيدينا، عن ابن رقية تميم الداري، من هو تميم الداري؟ هذا الذي اشترى القناديل والحبال والزيت من الشام, وأخذها إلى المدينة المنورة، وكان وصوله للمدينة يوم الجمعة أو عصر الجمعة، أمر غلاماً له فعلق الحبال وعلق عليها القناديل وملأها بالزيت، وحينما غابت الشمس أمر غلامه أن يُسرج هذه القناديل، ودخل النبي -عليه الصلاة والسلام-, فإذا مسجده النبوي مُزهر متألق بالأضواء، فقال عليه الصلاة والسلام:
((من فعل هذا؟ قالوا: يا رسول الله تميم الداري، فقال عليه الصلاة والسلام والبسمة على شفتيه, وقد شعر أصحابه أنه رضي تمام الرضى, فقال عليه الصلاة والسلام: نورت الإسلام، نور الله قلبك يا تميم، لو أن لي بنتاً لزوجتكها.
-لذلك هذا الحديث وحده يكفي لدفع الأخوة الأكارم إلى أن يعتنوا بمسجدهم، هذا بيت الله، هذا الذي يُسهم في إنارته، وهذا الذي يُسهم في نقل الصوت، وهذا الذي يُسهم في تنظيفه ، وهذا الذي يُسهم في حراسته، وهذا الذي يُسهم في خدمة الأخوة الكرام رواد هذا المسجد، هذا عمل عظيم، ألا يكفينا شرفاً أن سيدنا إبراهيم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام-:
﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾
أُمر بتطهير البيت؟ لذلك إذا كان هناك من يُغبط, فهذا الأخُ الكريم الذي يعمل في خدمة مسجد لله عزّ وجل، بيت الله، خدمة بيت الله، من الذي سيجازيك؟ الله سبحانه وتعالى-.
هذا تميم الداري الذي قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: نورت الإسلام, نور الله قلبك يا تميم، لو أن ليّ بنتاً لزوجتكها، فقال أحد أصحاب النبي: يا رسول الله, عندي بنت اسمها فلانة, فافعل بها ما تشاء، فزوجه إياها))
يعني هذا الصحابي استغل المناسبة وزوج ابنته، هذا تميم الداري كنيته أبو رُقية.
هذا التعريف الجامع المانع للدين :
فعَنْ أبي رُقية تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ -التعريف الجامع المانع-:
((الدِّينُ النَّصِيحَةُ, قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ))
المسلم ينصح وغير المسلم يغش، يعني إذا دلك على شيء يغمزه, يقول له: ارفع السعر لأن حالته المادية جيدة، يعمل إشارات حتى يأخذ من ورائك مبلغاً من المال، من صفة أهل النفاق الغش، أما المؤمن نصوح, إذا استشرته يشير عليك ما هو صانعٌ لنفسه، لا يمكن إذا غش المسلم أو إذا لم ينصح فقد خسر إسلامه، وقد خسر دينه:
الدِّينَ النَّصِيحَةُ.
هذا التعريف الجامع المانع للدين، هذا هو الدين.
أنواع العبادات :
وقد تكلمت كلمة اليوم, قلت: إن العبادات نوعان؛ عباداتٌ شعائرية مثل: الصلاة وهي عبادة شعائرية, تقف وتقرأ الفاتحة وسورة وتركع وتسجد، الصيام تدع الطعام والشراب، الحج تذهب إلى الديار المقدسة، تخلع الثياب وترتدي ثوبين أبيضين غير مخيطين، تطوف حول الكعبة، تُقَبِّل الحجر، تسعى بين الصفا والمروة، تصعد إلى عرفات، هذه عبادة شعائرية، ويوجد عبادات تعاملية، وهي: الصدق, الأمانة, الإخلاص, عدم الكذب, عدم الغيبة, وعدم النميمة، غض البصر, وعدم سماع الغناء، ضبط اللسان, وضبط اليد، ضبط الأعضاء، هذه العبادة الشعائرية تشبه ساعات الامتحان، وهذه العبادة التعاملية تشبه العام الدراسي بأكمله، فساعات الامتحان: لو أن طالباً لم يقرأ كلمةً أثناء العام الدراسي، إلا أنه أخذ أول قلم وثاني قلم وثالث قلم احتياطاً، وارتدى أجمل الثياب، وتعطر، وحمل شطيرةً ليأكلها إذا جاع، ووضع في جيبه بعض المال، وركب سيارةً فخمة إلى الامتحان، لكنه نسي شيئاً واحداً، نسي أن يدرس فقط, أما كل شيء هيأه سوى الدراسة؛ الأقلام مهيأة, ولباسه جيد, والعطر متعطر، كل هذه العناية بهذه الساعات الثلاث لا قيمة لها، إذا لم يسبق هذه الساعات الثلاث عملٌ دؤوب طوال العام الدراسي، فالعبادات الشعائرية إن لم يمهَّد لها بالعبادات التعاملية لا قيمة لها إطلاقاً.
هذه دعائم الإسلام وليست هي الإسلام :
من هنا قال عليه الصلاة والسلام:
((بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ؛ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, وَإِقَامِ الصَّلاةِ, وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ, وَالْحَجِّ, وَصَوْمِ رَمَضَانَ))
هذه دعائم الإسلام وليست هي الإسلام؛ الإسلام صدق، الإسلام أمانة، الإسلام إخلاص، الإسلام نصيحة، الإسلام ورع، الإسلام محبة لله عزّ وجل، الإسلام بذل المال والوقت والخبرة والجاه في سبيل الله عزّ وجل، هذا هو الإسلام، إذا فعلت هذا, جاء الامتحان, وقفت في الصلاة فانهمرت دموعك، وقفت في الصلاة فاتصل قلبك بالله، وقفت في الصلاة فشعرت بالشوق إلى الله، الامتحان أنت متهيئ له، طول العام الدراسي تعد لهذه الساعات الثلاث، لذلك انتبهوا إلى تعاريف الدين، فالصلاة وكما قال بعض العلماء هو كلام صحيح لكنه في الظاهر: أقوالٌ وأفعال؛ تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم، الصلاة صلة, والدليل:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾
﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾
﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
لو يعلم المصلي من يناجيه ما انفتل.
الصلاة معراج المؤمن.
الصلاة نور.
الصلاة طهور.
الصلاة حبور.
ما الذي جعل الناس وراء الأمم؟ :
فلذلك: هذه العبادات الشعائرية، إن الذي جعل الناس وراء الأُمم: أنهم فهموا الدين عباداتٍ شعائرية فقط، ونسوا أن الدين معاملة:
الدين المعاملة.
الدين النصيحة.
رأس الدين الورع.
رأس الحكمة مخافة الله.
هذه التعاريف الخطيرة أربعة تعاريف: رأس الدين الورع.
رأس الحكمة مخافة الله.
الدين النصيحة.
الدين المعاملة.
من هنا قال أحدهم وأظنه التستُري، عبد الله التستُري قال:
والله لترك دانقٍ من حرام, خيرٌ من ثمانين حجةً بعد الإسلام.
وقال عليه الصلاة والسلام:
((لأن أمشي مع أخٍ في حاجته خيرٌ لي من صيام شهرٍ واعتكافي في مسجدي هذا))
كلمة صريحة :
فأنا أقول لكم كلمة صريحة: الإسلام لن ينتشر إلا إذا وجُد مجتمعٌ مسلم، الكلام لا قيمة له، على مستوى مسجد إذا كان هذا المسجد يطبِّق الإسلام، الأخ ورع، صادق في تعامله ، مخلص في صنعته، عفيفٌ في نظراته، ورعٌ في كسبه للمال، دقيقٌ في إنفاق المال، سرُّه كعلانيته، ظاهره كباطنه، راهبٌ في الليل فارسٌ في النهار، يعمل، يأكل من كد يده، يده عُليا وخشنة من عمله، يخدم المسلمين، عضوٌ نافعٌ في المجتمع، إذا كان المسلم هكذا اتسعت دائرة الإسلام, ودخل الناس في دين الله أفواجاً, وإذا فهمنا الإسلام عبادةً شعائرية؛ قيامٌ, وركوعٌ, وسجود, وصيامٌ, وحج، وزينات, وألقاب فخمة, وبروتوكولات, وطقوس، وألبسة خاصة بالمسلمين، وعطر خاص لهم، وحفلات خاصة، وطرب، والحلوى وما شاكل ذلك، إذا فهمنا الدين بشكلٍ شعائري بشكل طقوس انتهى الدين، الدين أكبر ثورة اجتماعية في الأرض، حينما يظهر الدين في مجتمع يصبح مجتمعاً آخر، يوجد فيه كل علاقاته، لذلك حينما فهمنا الإسلام صلاةً وصياماً، قال سيدنا عمر:
من شاء صام ومن شاء صلى ولكنها الاستقامة.
كيف يكون النصح لله؟:
1- أن تؤمن به، وأن تدعو الناس للإيمان به :
الدِّينُ النَّصِيحَةُ, قُلْنَا:
((لِمَنْ يا رسول الله؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِم))
اجعل هذا الكلام في بالك، سأحاول فيما تبقى من وقتِ الحديث أن أشرح هذه النقاط الأربعة:
أولاً النصح؛ أي أن تنصح نفسك أو أن تنصح غيرك, الجواب: الحديث يحتمل كِلا المعنيين، أن تنصح نفسك أولاً، وأن تنصح غيرك ثانياً، كيف النصح لله؟ أي أن تؤمن به، أن تؤمن به أنت، وأن تدعو الناس للإيمان به، من خلال شرح آياته، وشرح نعمائه، وشرح بلائه، ونفي الشرك عنه، أن تقنع نفسك بالتوحيد، وأن تبعدها عن الشرك الجلي والخفي، وأن تنبِّه الناس إلى ما قد ينزلقون فيه من شركٍ خفيٍ أو جلي، عدم الإلحاد بأسمائه وصفاته، إذا نفيت علمه فقد ألحدت بأسمائه؛ إذا نفيت حكمته، إذا نفيت رحمته، إذا نفيت تقديره، إذا نفيت عزَّته، إذا نفيت أن دينه لا يصلح، أنت تلحد باسمه، تلحد بهذا الدين القويم، النصح لله: أن تنصح نفسك، أن تعرفها بالله عزَّ وجل، وأن تعرف غيرك.
2-أن تنفي عنه جميع النقائص :
شيءٌ آخر: أن تنفي عنه جميع النقائص.
هذا الشيء الذي تترفع أنت عنه، إياك أن تصف الله به، بشكل أن الله عزَّ وجل خلق الإنسان منذ الأزل وقدَّر عليه أن يكون شقياً، فيأتي إلى الدنيا ماذا يفعل الإنسان؟ فيقول: كاسات معدودة بأماكن محدودة، فيشرب الخمر، لأن الله قدر عليه هذا الشرب, ولم يهتد، لأن الله قدر عليه الضلال، فإذا جاء الموت كان في جهنم إلى الأبد، أتفعل أنت هذا مع تلميذٍ لك، مع صانعٍ عندك، مع مأمورٍ عندك؛ تقدِّر عليه الشر وتجبره عليه وتعاقبه عليه؟ يجب أن تنفي عنه ما لا يليق به، وهذا معنى قولنا سبحانه وتعالى: سبحان الله، هذا التسبيح هو التنزيه والتمجيد، أن تطيعه وأن تدعو الناس لطاعته، هذا هو النصح له، وأن تجتنب معصيته وتحذِّر الناس من معصيته، وأن تحبَّ فيه وأن تبغض فيه، أن تبني كل علاقاتك على أساس محبة الله عزّ وجل، فالذي يحبه الله أنت تحبه، والذي لا يحبه فلا تحبه، قد يكون هنا علاقات عمل لا يوجد مانع، علاقات العمل لا علاقة لها بالمحبة والكراهية، أما أن تقيم مع إنسان علاقةً حميمة، أن تسهر معه إلى أنصاف الليالي، أن تستمتع بحديثه وهو مُلحد، وهو عاصٍ, وهو شارب خمر، من أنت؟ أنت مثله، إذاً أن تبتعد عن معصيته, وأن تقبل على طاعته، وأن تحب فيه, وأن تبغض فيه، وأن توالي من يواليه, وأن تعادي من يعاديه، وأن تجاهد في سبيله، تجاهد نفسك وهواك، وأن تعترف بنعمه وأن تشكره عليها، وأن تخلص له في جميع الأمور، هذا معنى النصح لله، أولاً أنت عليك أن تعرفه، عليك أن تعبده، عليك أن تطيعه، وعليك أن تحبه، عليك ألا تشرك به، عليك أن توحِّده، عليك أن تنزِّهه، وأن تسبِّحه، عليك أن تدعو الناس إليه، هذا هو النصح لله.
يعني أحياناً الإنسان يلتقي بشخص في سفر, هذا أخ لك في الإنسانية, انصحه وحدثه عن الله عزّ وجل، أي حديث آخر سخيفٌ وتافه، يعني ماذا تفعل؟ أي حديثٌ آخر سماه العلماء اللغو:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾
هذا النصح لكتاب الله :
أما النصح لكتاب الله؛ أن تؤمن بأن هذا كلام الله، وأن تدعو الناس للإيمان به، وأن تؤكِّد لنفسك ولغيرك أن هذا الكلام ليس ككلام البشر، كلامٌ آخر كلامٌ معجز، وأن تعظِّم القرآن ، وأن تتلوه آناء الليل وأطراف النهار، أن تتلوه حق تلاوته, بدءاً من التجويد وانتهاءً من التفسير، وأن تخشع عند قراءته، وأن تصدِّق ما جاء فيه، وأن تعتني بمواعظه، وأن تتفكر في عجائبه، وأن تعمل بمحكمه، وأن تسلم بمتشابهه، وأن تبحث عن عمومه وخصوصه، وأن تنشر علومه في الناس، هذا النصح لكتابه، كتاب الله؛ هذا منهجك، هذا دستورك، هذا الذي نعيش من أجله.
هذه تعليمات الصانع، وأنت آلةٌ معقدة، لا يوجد إنسان عنده آلة غالية، فأنا أعدُّ هذا شيئاً عاماً، لا يوجد إنسان عنده آلة غالية، غالية الثمن، عظيمة الخطر، معقَّدة التركيب، إلا وهو حريصٌ عليها حرصاً لا حدود له، من حرصه على هذه الآلة يسعى لتنفيذ تعليمات الصانع تنفيذاً حرفياً, وقد يكون أحياناً شكلياً، وقد يكون أحياناً مُضنياً، آلة ثمنها ثلاثمائة وخمسون ألف, والله لا يوجد منها هكذا يقول لك، وقف لا تشغلها حتى تبرد، إن أخذ مكيفاً يقول: إياك أن تطفئه اتركه يعمل حسب التعليمات، لماذا أنت حريصٌ كل هذا الحرص على هذا المكيف، ولست حريصاً على هذه النفس التي ملكك الله إياها؟ لماذا لم تحرص على هذه النفس التي قال الله عنها: قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها؟.
لو أن أحداً عينه مريضة لا ينام الليل، أولاً يطلب موعداً, يقول له الطبيب: بعد شهرين فيقبل، قبل أن يلتقي بالطبيب, يقول لك: ثلاثمائة ليرة، مائة وخمسون, قبل أي لقاء وبكل بساطة يدفع، لأن العين -كما يقول عامة الناس-: غاليةٌ على صاحبها، فإذا كانت نفسك بهذا الغلاء فعليك أن تعتني بها، من هنا قال الله عزّ وجل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾
أي اعتنوا بأنفسكم، عليك به؛ أي اعتنِ به.
ما معنى النصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ :
ومعنى النصح لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أيضاً أن تصدقه على أنه رسول الله, وعلى أنه نبي الله، وأن تبين للناس حرص هذا النبي، ورحمة هذا النبي، تبين للناس صواب أقوال هذا النبي، حكمة سنته، وأن تنصره حياً وميتاً، حياً معروفة، أما ميتاً: بالدفاع عنه.
إذا وقف إنسان في مجتمع في احتفال، وانتقص من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنت تستطيع أن ترد عليه، تبقى ساكتاً؟! هذا من النصح لرسول الله، أن تنتصر له، أن ترد الشبهات التي يتقولها الناس عنه, وأن تعادي من يعاديه، وأن توالي من يواليه، وأن تعظِّم حقه ، وأن توقره، وأن تحيي طريقته وسنته، وأن تبُث دعوته، وأن تنشر سنته، وأن تستفيد من علومه، وأن تفقه معانيها، وأن تدعو إليها، وأن تتلطف في تعليمها للناس، يعني إذا علمت الناس السنة قمت بعملٍ عظيم، لأن السنة تبيينٌ للقرآن الكريم، والقرآن منهج الإنسان، لا يوجد عمل أجل في الحياة بعد تعليم القرآن من تعليم السنة، والسنة والقرآن مصدران أولان كبيران من مصادر التشريع الإسلامي, والتأدُّب عند قراءة السنة:
هناك من يفتح كتاب السنة وهو متوضئ من باب التأدب، هناك مجموعة آداب أُثرت عن السلف الصالح عند قراءة كتب السنة، والتخلق بأخلاق النبي، والتأدب بآدابه، ومحبة آله وأصحابه، وبغض أهل البدع في السنة، وبغض من يتعرَّض لأصحاب رسول الله.
قال له:
((يا سلمان, لا تبغضني فتفارق دينك, فقال سلمان: كيف أبغضك وبك هدانا الله؟ قال: يا سلمان تبغض العرب فتبغضني))
فهذا الذي يغمز من قناة الأمة العربية، يحاول في كل مجلس أن يطعن في هذه الأمة ؛ متخلفة، كذا وكذا، هذه أمتك، وهذه أمة نبيك، وإذا تعثَّرت في آخر الزمان, أنت أن تحطمها؟!!.
هذه معنى النصيحة لأئمة المسلمين :
بقي معنى النصيحة لأئمة المسلمين، قال: بمعاونتهم على الحق.
فأنت إذا كنت موظفاً في دائرة، يوجد شخص أعلى منك, مشى في اتجاه أن يصدر قرار، فيه إبعادٌ للناس عن الحق، ولك مكانةٌ عنده، ويستمع إليك ويأخذ بآرائك، أنت إذا نصحته ووجهته، وبينت له الحق, وقلت له: هذا الشيء لا يجوز ولا ينبغي أن يكون في هذا المجتمع المسلم، فإذا أخذ برأيك فقد أعنته، وهذا نصح ولاة الأمور، هذا الوالي إنسان، أولي الأمر من بني البشر، فإذا أنت نصحتهم وبينت لهم فلك أجرٌ كبير، إذاً أن تعينهم على الحق، وأن تنبِّههم, وأن تذكرهم برفقٍ ولطف.
فالله عزَّ وجل علمنا حين قال لسيدنا موسى وأخيه هارون:
﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً﴾
فرعون قال:
﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾
ومع ذلك: ربنا عزَّ وجل قال لسيدنا موسى وهو نبيٌ عظيم:
﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً﴾
وإعلامهم بما غفلوا عنه، وتأليف قلوب المسلمين لطاعتهم، وألا تثني عليهم ثناءً كاذباً، هذا كلُّه من النصح لولاة الأمور.
هكذا يرى بعض العلماء :
لكن بعض العلماء يرون أن ولاة الأمور تعني شيئاً آخر، وهم أئمة الدين، وعلماء الدين، يعني هذا العالم ليس معصوماً، فإذا زلت قدمه، أو إذا أخطأ كن له نصوحاً ولا تكن له فضوحاً.
النبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم لا شك في ذلك، وليس أحدٌ بعده معصوماً، الولي محفوظ، ما الفرق بين المعصوم والمحفوظ؟ المعصوم الذي عصمه الله عزَّ وجل عن أن يغلط, لأن النبي إذا غلط, وقد أمرنا الله عزَّ وجل أن نتبع سنته, فكأن الله أمرنا بالمعصية، مستحيل، لا يمكن إلا أن يكون النبي معصوماً في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، وفي حركاته، وفي سكناته، وفي رضاه، في غضبه، في كل أحواله, معصوم لأنه مشرِّع، معصوم لأن الله قد أمرنا أن نأخذ منه، وأن نتبع أمره, وأن ننتهي عما عنه نهى، فمن باب أولى أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- معصوماً، والعصمة صفةٌ لازمةٌ للأنبياء، انتهى الأمر، لكن ما جاءنا عن صاحب هذه القبة الخضراء فعلى العين والرأس، وما جاءنا عن من سواه فهم رجال ونحن رجال، أكبر عالم قد تزِل قدمه، قد يخطأ لأن الخطأ صفةٌ من صفات بني البشر، لكن الولي محفوظ، معنى محفوظ: أنه لا تضره معصية، بمعنى: أنه إذا زلت قدمه سريعاً ما يعالجه الله سبحانه وتعالى، المؤمن حساس فهيم فطن، يعرف أن هذا العقاب أو أن هذه المعالجة بهذه الزلة فيتوب رأساً، وما دام قد تاب انتهى الأمر, إذاً هو محفوظ، إذاً العصمة لرسول الله، الله عزَّ وجل عاصم، والنبي معصوم.
أن تقول: العصمة لله خطأ، الله عزَّ وجل هو العاصم، والنبي معصوم، والولي محفوظ، فإذا الإنسان زلت قدمه، سبقه لسانه، تكلم كلمة الأولى ألا يتكلمها، وأنت أخ كريم فبينك وبينه نصحته، يجب أن يقول لك: جزاك الله عني كلَّ خير، هذه صفات العلماء، يجب أن يستمع إلى النصيحة، ولو من أصغر أخوانه، جزاك الله عني كلَّ خير, أنا لست معصوماً، انتهى الأمر، انتهت المناقشة كلّها، لذلك: النبي معصوم, والولي محفوظ, والنصيحة واجبة.
قاعدة :
يوجد عندنا قاعدة: ما من أحدٍ أكبر من أن يُنْقَد وما من أحدٍ أصغر من أن يَنْقُد.
أحياناً طفل ينتقدك، هو على حق وأنت على غير الحق، عوِّد نفسك أن تستمع إلى النصيحة تتلقاها بصدر رحب، عود نفسك أن تكون متواضعاً، عود نفسك أن لا تدعي أنك أفهم الناس، أنت واحد من الناس، هكذا قال سيدنا الصديق، مع شهادة النبي الكريم له, حين قال:
لو وزن إيمان الخلق بإيمان أبي بكر لرجح.
ماذا قال أبو بكر في خطبته الأولى؟ قال: أيها الناس, لقد وليت عليكم ولست بخيركم .
لا يوجد إنسان معصوم إلا النبي، ما دمت لست نبياً فأنت لست معصوماً.
إليكم توضيح هذا الكلام :
قد يسبقك اللسان، لكن أحب أن أبين لكم: الأخطاء الكبيرة والأخطاء التي يسبقها إصرار وتصميم, هذه يجب أن يترفع عنها كل من دعا إلى الله، أحياناً يسبقه اللسان، أحياناً تزل قدمه قليلاً، فأنت كأخ يجب أن تنصحه، ويجب أن تكون في نصحه لطيفاً؛ أي بينك وبينه ، ويجب أن يستمع إليك، ويصغي إليك، يجب أن يشكرك، يجب أن تتخذ هذا القول شعاراً لك :
أحب ما أهدى إلي أصحابي عيوبي.
أحب هدية، لو أن إنساناً قدم لك ساعة ذهبية, أو ساعة من أغلى أنواع الساعات, ثمنها عشرات الألوف، بل مئات الألوف، وإنسان آخر نصحك نصيحة في دينك، قال لك: يا أخي هذا العمل لا يليق بك، هذا مخالفٌ للسنة، لو عرفت قدر هذه النصيحة لسارعت إلى تقبيل يديه، تقول له: شكراً لك على هذه النصيحة، هكذا مجتمع المؤمنين، فيه تناصح، نصحةٌ متوادون، لذلك إذا نُصحت فأصغ لهذه النصيحة، وتواضع للذي ينصحك، وتأدب معه، واشكره على نصيحته، وإذا رأيت أخاً كريماً لك قد زلت قدمه أو سبقه لسانه فأسدِ له النصح، ومن صفات المؤمنين التناصح، وكلُّ واحدٍ يؤخذ منه ويُردُّ عليه إلا صاحب هذه القبة الخضراء.
إذاً: النصح أيضاً على علماء الدين، ومن نصحهم: قبول ما روه وتقليدهم في الأحكام وإحسان الظن بهم.
قصة :
تروى قصة عن رجل جالس مع أخوانه, فمر قطيع من الغنم, فقال لأحدهم: قم فخذ غنمة واذبحها لنا، قال: أعوذ بالله أنا لا أفعل هذا، هو أساء الظن به.
هذه قصة تروى من باب أن الإنسان من الأولى أن يحسن الظن بأخيه المؤمن، أحياناً الإنسان يرى أن إنساناً وضع يده بجيب إنسان، لعل هذا الرداء رداؤه، أو لعله رداء ابنه، أنت دائماً كمؤمن حاول أن تحسن الظن، هذا الموقف سليم، أما إساءة الظن تحتاج إلى دليل قطعي، ما دام لا يوجد دليل قطعي الأولى أن تحسن الظن.
نقطة مهمة :
مرة أنا كنت عند أخ أعطاني منشفة يوجد عليها اسم فندق، أنا اضطربت هذه المنشفة خاصة بالفندق الفلاني، فكيف وصلت إلى هذا البيت؟ تألمت وما تكلمت، بعد أشهر الله عزَّ وجل سخر لي أخاً كريماً, أنبأني أن هذا الفندق يعطي هذه المناشف كل سنة لموظفيه، يقدمها هديةً له، الأمر توضح، لا تسئ به الظن.
المؤمن يجب أن يغلب حسن الظن :
أخ حدثني ذات مرة, فقال لي: عندي صانع من الدرجة الأولى -القصة قديمة من أربعين أو خمسين سنة- فطلب من بائع الزبدة أن يبعث مع صانعه مائة باكيت، أتى الصانع بها، عدّها صاحب المحل فوجدها ناقصة واحداً، اقترب من معطف هذا الصانع فوجد في الجيب علبة، هذا ليس دليلاً قطعياً، كاد أن يطرده، كاد أن يهينه، تريث, ضبط أعصابه، بعد يومين وهو يحاسب المعمل, قال له: والله بعثنا لك مائة باكيت أخذ الصانع واحداً ودفع لنا ثمنه، نريد منك ثمن تسعة وتسعين.
-الإنسان لا يتسرع, فهذه القصة بليغة أيضاً، هو عنده دليل قطعي, طلب منه مائة بعث له مائة ووجدهم تسعة وتسعين وفي الجيبة يوجد واحد، معنى ذلك: أن الصانع أخذه-.
فلما ذهب ليحاسب المعمل، قال له: والله بعثنا مائة، اشترى صانعك واحد ولنا معك تسعة وتسعين، الواحد لازم هذه النقطة ينتبه لها، فالمؤمن يجب أن يغلِّب حسن الظن.
كيف تكون النصيحة لعامة المسلمين؟ :
قال: أما النصيحة لعامة المسلمين؛ نصيحتهم بإرشادهم إلى معرفة ربهم، بمصالحهم في دنياهم وآخرتهم، إعانتهم على أمر دنياهم بالقول والفعل، ستر عوراتهم، سدُّ خُللهم، دفع المضار عنهم، جلب المنافع إليهم، أمرهم بالمعروف، نهيهم عن المنكر برفق.
تطبيق عملي للنصيحة :
مرة قال لي شخص: البراد إذا كان وضع بشكل أُفقي, ثم وضع بشك عمودي وشغلنا, فإن المحرك يحترق على الفور، لأن الزيت يكون قد أخذ مكاناً آخر، وبعدها كنت ماشياً في الحريقة, فرأيت رجلاً قد اشترى براداً من المؤسسة الاستهلاكية, ويريد أن يضعه على السيارة بشكل أُفقي، توقعت أنه لا يعرف، فانتقلت من رصيف إلى رصيف, فقلت له: هذا عندما تشغله انتظر عليه ثماني ساعات، قال لي: والله لم يقل لي أحد والله يجزيك الخير، لعله من أجل شرائه له دفع مبلغاً أساسياً بحياته، وضعه في البيت فشغله فاحترق المحرك، ثمنه ألفان أو ثلاثة آلاف ليرة أو أكثر، نصيحة هذه.
من هو المؤمن؟ :
واحد في الطريق انصحه، النصح لكل مسلم، في أمر دينه وفي أمر دنياه، تجد الصيدلي كتب الدواء, وقال له: كم ملعقة قبل وبعد الطعام؟ يكتب قبل الطعام أو بخط لا يفهم، اكتب بخط واضح, كم ملعقة قبل الطعام بعد الطعام؟ هذا مسلم هذا؟ الطبيب كذلك يبين قبل الأكل بعد الأكل، فينقص كلمة فلم يفهم المريض شيئاً، ودفعة ثانية استشارة، النصح لكل مسلم ؛ طبيب، محام, صيدلي، موظف في دائرتك, ومواطن معه معاملة, فقل له: هذه لعند فلان وفلان وفلان، أما أن يصرفه فقط فهذا غير مؤمن، إذا كنت مؤمناً تذهب معه، هكذا المؤمن، النصح لكل مسلم.
هذه البيعة :
إذاً: هؤلاء كلهم عباد الله عزّ وجل, لا تفرق, فكلهم عباد الله، إذا كنت مسلماً صحيحاً, يجب أن يكون وقتك كله في خدمة الخلق، من أجل أن يحبك الحق:
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, قَالَ:
((بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ, وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ, وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ))
هذه البيعة، أنت مسلم ما دمت تنصح الخلق، فإذا غششتهم فلست مسلماً؛ ولو صليت وصمت وزعمت أنك مسلم، هذا أكبر حقٍ وأول حقٍ وأخطر حقٍ للمسلم على المسلم، فإذا فتحت دكاناً فانوِ بهذا المحل خدمة المسلمين، إذا اشتغلت أي مصلحة.
هذا الحديث لأصحاب المصالح وأصحاب المهن :
فاليوم حدثني أخ, إذا لم تضغط هذه البواري مواسير تمديدات المياه, قد يكون ثقب صغير يسبب لصاحب هذا البيت مشكلة كبيرة، فيضطر أن يكسر البلاط كله، ويكسر السيراميك, ويدفع عشرات الألوف من أجل ألا تفحص هذا الكوع، فأصحاب المصالح، وأصحاب المهن، هذا الحديث لكم جميعاً، إذا كنت مسلماً فانصح في عملك، يقول لك: "يا أخي الغش هو الماشي، لا هذا كلام الجهلة، لا الحق هو الماشي، قل له: السعر الفلاني وهذه ميزاته الخشب الفلاني، والنوع الفلاني، يركب لوح بللور على مسمارين فقط، يخبطوه خبطة يقع البللور، وثمنه خمسمائة ليرة، من أجل السرعة فقط، يريد الخمسة خمسة، والعشرة عشرة، أصحاب المهن، أصحاب المصالح، الموظفون، الأطباء، الصيادلة، المحامون، المسلمون جميعاً، لا يوجد إنسان ليس له عمل، انصح له، باعه طقم كنباة أول جلسة نزل، يا أخي نزل، قال له: جلست عليه، ما هذا الطقم الكنباة؟ تأخذ طاولة أول يوم, ثاني يوم تقبع الفورميكا، الحذاء عياره جمعة، ويقول لك: هل لبسها ابنك؟ يعني لا يلبسه، النصح لكل مسلم، بهذا الغش انعدمت البركة، تربح كثيراً وتذهب مصادرات كثيراً، بالمائة ألف بالمائتين ألف مصادرة، هذا كله لأنه مال حرام.
أمر خطير :
هذا أيضاً في الغذائيات, يوجد شيء خطر جداً، لأنها كلها أصباغ صناعية، أصباغ بلاط يضعونها في السكاكر، إذا لا يوجد خوف من الله هذا شيء يخوف، مواد كلها انتهى مفعولها فرضاً، يضعون مع الزعتر أحياناً نشارة خشب، كل هذا وارد، إذاً فقد الدين من المجتمع، أصبح الأمر مخفياً، وتصبح تخاف من كل شيء, هذه الأشياء الأجنبية المستوردة، يضعون فيها مواد مخففة من الكوكائين، من أجل الإدمان، تجد الطفل يريد هذا الشراب فقط أو هذه الأكلة باستمرار، يوجد مواد مخففة جداً، تجد الطفل إذا أكلها مرة أو مرتين يحبها دائماً، يبيع حاجاته ويشتريها، إذا كان فقدت الدين فقدت كل شيء, لذلك:
يا موسى خفني وخف نفسك وخف من لا يخافُني.
إذا الإنسان لا يخاف من الله فخف أنت منه:
((بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ))
نهاية المطاف :
الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع: من استبد برأيه هلك، ومن استشار الرجال استعار عقولهم.
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
((رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس، وما استغنى مستبدٌ برأيه، وما هلك أحدٌ عن مشورة.
-إياك أن تستبد برأيك، اسأل أخوانك المؤمنين، اسأل أولي الخبرة من المؤمنين الصادقين.
حديث خطير-:
رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس، وما استغنى مستبدٌ برأيه، وما هلك أحدٌ عن مشورة، فإذا أراد الله بعبدٍ هلكةً, كان أول ما يهلكه رأيه)) لهذا نحن ندعو على أعدائنا, ونقول: اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم .
إذا الإنسان استبد برأيه, وتكبر, وركب رأسه، ورفض النصيحة, قد يكون دماره في تدبيره.