بعد مرور خمسٌ وعشرون عاماً على ما يسمى مسيرة التسوية الشرق أوسطية المعنية بحل الصراع العربي الصهيوني وقضيته المركزية فلسطين برعاية الولايات المتحدة في ظل هيمنة القطب العالمي الواحد اتضح وبشكل جلي وواضح لا لبس فيه حقيقة النوايا الخبيثة للتحالف الإمبريالي الصهيوني الذي توخى خلال مارثون تلك العملية التحايل والالتفاف على القانون الإنساني وقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية ,والسماح بأكبر عملية تمدد استيطاني تهويدي في القدس وباقي أنحاء الضفة الغربية ,وتسعير سياسة الترانسفير وممارسات التطهير العرقي وهدم العديد من البلدات والقرى والمضارب البدوية العربية لصالح التوسع الاستيطاني اليهودي ,إضافة لعملية التصعيد الممنهج في قتل الشباب الفلسطيني وحرق البيوت الآمنة بمن فيها من أطفال وشيوخ ونساء كما حصل مع عائلة الدوابشة وخضير والخطاطبة, وكذلك الاستمرار في سياسة مليء السجون والزنازين بالآلاف من شبابنا وأطفالنا ونسائنا ممن يقبعون في باستيلات الفاشية الصهيونية بظروف صعبة وقاسية أودت بحياة العديد من المعتقلين نتيجة تلك الظروف والإهمال الطبي المتعمد وكان آخرهم سقوط الشهيد حسين حسني عطا الله متأثرا بمرض عضال ألم به في ظروف الاعتقال القاسية.
وكما أشرنا سالفاً بعد انكشاف حقيقة الموقف الصهيوني الرافض للسلام جملةً وتفصيلا وتعري الموقف الأمريكي المتماهي مع سياسة الاحتلال والاستعمار والاستيطان تماماً بات لزاماً على القيادة الفلسطينية وكافة قوى الشعب الحية وضع إستراتيجية وطنية فلسطينية تكون بمستوى التحدي والمخاطر في أعقاب إعلان ترامب القدس عاصمة لدولة الاحتلال والأبرتايد خارقا بذلك كل القوانين والشرائع الدولية ,وفي ذات الوقت تكون قادرة على الرد بصفعة تاريخية على ما يسمى بصفقة القرن تعيد الهيبة لفلسطين ومقاتليها الأشاوس الذين لقنوا الاحتلال درسا لن ينسوه في دروب الفداء والعطاء والتضحية ..وشكلوا فيها طيلة خمسة عقود خلت طليعة الأمة في النضال والتصدي لكل المؤامرات التي حيكت وتحاك ضد فلسطين والأمة العربية.
وعطفاً على ما تقدم فإن الحديث عن إستراتيجية فلسطينية جديدة توائم تداعيات إعلان ترامب لا يعني بالضرورة عدم وجود إستراتيجية سابقة ,وهنا لابد من الإشارة لوجود أهداف إستراتيجية فلسطينية تلاقت عليها كل قوى الشعب الحية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وما عرف في حينه بالميثاق الوطني الفلسطيني المعمد بدماء مئات الآلاف من الشهداء الذين ضحوا بدمائهم الزكية في سبيل استعادة كامل الحقوق العربية في حدود فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر وعاصمتها الأبدية قدس الأقداس .
إذا المطلوب في المرحلة الراهنة تدوير الزوايا والبحث في تكتيكات سياسية بديلة مستندة لبنك الأهداف الإستراتيجي الفلسطيني وقاعدة الميثاق الوطني الفلسطيني قبل الحذف, والعمل بشكل حثيث ودؤوب على تحقيق الوحدة الوطنية الشاملة ارتكازا على الأهداف الإستراتيجية تلك, وإشراك كافة القوى الوطنية والإسلامية ومختلف مؤسسات الشعب في التخطيط والتكتيك القادم ,والانطلاق نحو القوى الشعبية الثورية العربية بهدف تشكيل جبهة عربية من مختلف القوى الوطنية والقومية والإسلامية لمساندة ومشاركة الشعب الفلسطيني نضاله التحرري والسعي لتحقيق النهوض والتقدم في الحالة العربية المترهلة.
بقلم : ثائر محمد حنني
بيت فوريك – فلسطين المحتلة
كانون الثاني - 2018