صدر حديثا عن مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن كتاب "التقدير الاستراتيجي لإسرائيل 2016-2017: فصول مختارة"، ضمن سلسلة دراسات مركزة رقم (3).
ويُمثل هذا الكتاب، بحسب البيان الذي وصل "عربي21"، ترجمة لثلاثة فصول مختارة من التقدير الاستراتيجي لإسرائيل 2016-2017، الصادر بالعبرية عام 2017، عن أهم مراكز الأبحاث والتفكير في إسرائيل- معهد أبحاث الأمن القومي، وقد اعتمد الكتاب في اختيار هذه الفصول أن تكون شاملة ومتخصصة في الوقت نفسه، فكان اختيار الملخص التنفيذي للتقدير، الذي يضمّ خلاصات ما تمّ التوصل إليه فيما يتعلّق بواقع إسرائيل، والتحديات التي تواجهها، ومستقبلها على كافة المستويات.
ويتناول الفصل الثاني العلاقات الخاصّة التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة، والتوقعات بشأنها، بعد تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية، بينما يُركز الفصل الثالث على تشابك العلاقات الدولية بين كلّ من روسيا والولايات المتحدة، وانعكاساتها على أبرز أزمات المنطقة العربية، في ضوء التدخل العسكري الروسي في سوريا والمصالح الإسرائيلية.
ويوضح التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي، كما جرت العادة في السنوات السابقة، التهديدات التي تفرضها البيئة الإقليمية والدولية أمام إسرائيل، فضلا عن الفرص التي تقدمها هذه البيئة، كما يُحلِّل آثار وتداعيات هذه التحديات والفرص، ويقدم أخيرا توصيات محددة إلى المؤسستين السياسية والأمنية؛ لبلورة سياساتها وخياراتها في الاتجاهَين السياسيّ والعسكريّ.
وبذلك، تشكل هذه الترجمات فرصة أمام القارئ العربي؛ للوقوف على طريقة التفكير الإسرائيلية ومنطلقاتها في قضايا هي على تماس مباشر بالمنطقة العربية وقضاياها بشكل عام، وبالقضية الفلسطينية ومستقبلها بشكل خاص.
كما تندرج هذه الترجمات في سياق معرفيّ، يهدف إلى فهم إسرائيل كما هي، دون مبالغات غايتها التضخيم إلى درجة لا يمكن معها حتى مجرد التفكير في مقاومة إسرائيل والتصدي لعدوانها المستمر، أو دون تصغير وتتفيه إلى الدرجة التي تكرس الواقع القائم، وتضيف هزائم جديدة إلى قائمة الهزائم العربية أمام إسرائيل.
ويخلص الفصل إلى أنّ الموازنة بين مركبات ميزان الأمن القومي لدولة إسرائيل، كما بدت في نهاية عام 2016، وما يُتوقع لها أن تكون عليه في عام 2017 فصاعدا، تدل على أن العناصر المؤثرة على نحو إيجابي في الوضع الاستراتيجي لإسرائيل بقيت كما كانت عليه قبل عام، حيث حافظت إسرائيل على تفوق قوتها العسكرية، وانخفض التهديد العسكري المباشر لها على نحو جوهري.
كما نجحت إسرائيل بالامتناع عن المواجهات والحروب واسعة النطاق، خصوصا في ظل الانخفاض الملحوظ للتهديد القادم من الدول العربية ومحيطها، علاوة على أن الاتفاق النووي الذي تم توقيعه بين إيران والقوى العظمى في صيف عام 2015 أجّل تحقق التهديد النووي الإيراني.
وفيما يتعلق بالصراع مع العالم العربي، يخلص الفصل إلى أن "الصراع السني ضد التطرف الشيعي" والصراع ضد داعش وحركة الإخوان المسلمين، أوجد مجالا للمصالح المشتركة بين إسرائيل والعالم العربي السنيّ.
كما يشير إلى حدوث تطورات إيجابية في سوق الطاقة يُتوقع لها أن تودي إلى تطوير الوضع الاقتصادي لإسرائيل، وأن تُساهم في تحسين علاقاتها مع دول أخرى.
وفي المقابل، يشير الفصل إلى أن المحيط الاستراتيجي لإسرائيل شهد تطورات ثانوية سلبية، مثل؛ ضعف مكانة الولايات المتحدة وصورتها في الشرق الأوسط، وكذلك تراجع المنطقة على سلم أولويات إدارة الرئيس الأمريكي أوباما، فضلا عن أنّ تدخل القوة العسكرية الروسية في سوريا أدّى إلى تقوية إيران وحزب الله، ويُتَوَقع لها أن تتسبب بتقييد حريّة عمل إسرائيل في المنطقة.
وفي الإطار الفلسطيني، يذهب الفصل إلى أن استمرار الجمود في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، وتزايد "اليأس والتحريض" في أوساط الفلسطينيين، يُغذِّي "إرهاب العمليات الفردية والسكاكين وعمليات الدهس"، الذي بدأ في خريف 2015، على حد وصف التقرير الإسرائيلي.
وفي قضايا أخرى، يتوقع هذا الفصل أن تستمر العلاقات بين إسرائيل وأوروبا بالتدهور، كما يذكر أن التكافل الداخلي في إسرائيل ضعف، ما أدى إلى زيادة الصدوع في المجتمع الإسرائيلي. ويخلص إلى أن الهجمات على شرعية إسرائيل، وعلى قادة الجيش الإسرائيلي، وجرّ الجيش الإسرائيلي إلى مواجهات سياسية، تراجعت هذه السنة.
أمّا الفصل الثاني "إسرائيل والولايات المتحدة: بداية جديدة للعلاقات" لعوديد عيران، الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، وميخال خطوئيل ردوشيسكي، الباحثة في معهد الأمن القومي والمدرسة السابقة في معهد كومفر لأبحاث العنصرية واللاسامية في جامعة حيفا، فيؤكد على طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشخصيات جديدة في إدارته لمواجهة الملفات المختلفة، خصوصا في الشرق الأوسط.
ويشير إلى أن العلاقات المتبادلة بين إسرائيل والولايات المتحدة تُعدّ جزءا لا يتجزأ من السياق الإقليمي والدولي، الذي مثّل تحديا أمام الولايات المتحدة خلال الفترة الثانية لرئاسة باراك أوباما، في صياغة سياسات تأخذ بالحسبان التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في شرق أوسط مضطرب.
ويركز الفصل على الاتفاق النووي مع إيران، والصراع المستمر بين إسرائيل والفلسطينيين، بوصفهما موضوعين مركزيين أثّرا في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة خلال ولاية الرئيس أوباما.
ويتطرق الفصل إلى علاقة إسرائيل بالمنظمات اليهودية الأمريكية، مؤكدا على أن حرب الأيام الستة عام 1967 كان لها دور حاسم في العلاقات بين إسرائيل وبين يهود الولايات المتحدة. كما يذكر "الفهم الغريزي للتحالف غير المكتوب بين الولايات المتحدة وإسرائيل"، بوصفه بعدا آخر يؤثر على الدعم الأمريكي لإسرائيل، ويخدم مصالح كلا الجانبين.
وحول مستقبل العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب، يؤكد الفصل على أن الواقع الجديد في المنطقة، الذي لا يشمل في حالات كثيرة تدخلا إسرائيليا مباشرا، سيؤثر في المكانة الاستراتيجية لإسرائيل في المستقبل، وسواء أكانت الولايات المتحدة ستنسحب تدريجيا من المنطقة أو ستستمر في تدخلها الحذر، فإنها ستستمر بوصفها لاعبا دوليا وإقليميا مركزيا، ومن هنا يحثّ كاتبا الفصل إسرائيل على أن تُبادر إلى بداية جديدة في علاقاتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
ويعزو الفصل الأخير من الكتاب "الولايات المتحدة والتدخل الروسي في الشرق الأوسط" لعوديد عيران، الموقف الأمريكي من هذا التدخل إلى عدم إدراك الإدارة الأمريكية لدوافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأيديولوجية التي تُحركه، وعدم استعدادها للعمل وفقا للاستنتاجات التي توصلت إليها القراءة الأولى للوضع، وهي أن الضعف الاقتصادي لروسيا لم يمنع الرئيس بوتين من محاولة إصلاح كلّ ما بدا له تشويها تاريخيا وتَفكُّكا للإمبراطورية السوفييتية.
وقد تمثلت هذه المحاولة في التدخل في كلّ من أوكرانيا وسوريا والمجال الإلكتروني. ويُشِير الفصل إلى إمكانية إعطاء توضيحات معقولة للطريقة التي تتعامل فيها الإدارة الأمريكية مع روسيا، وذلك بعيدا عن الاستنتاج بوجود علامات توحي بضعف الولايات المتحدة، أو عدم جديتها في التعامل مع التحديات التي تُواجهها.
ويخلص الفصل إلى أن الأهمية النسبية للمناطق والمواضيع العالمية الأخرى ستحسم بشكل غير مباشر الأزمة بشأن سلوك الولايات المتحدة مع روسيا، ومع ما يبدو على أنه استيقاظ "لإمبريالية روسية جديدة".
عربي 21