في ساحة وسط مدينة عفرين في شمال سوريا، يسير عشرات المتطوعين في صفين منتظمين، يحمل بعضهم أسلحة للمرة الأولى في حياتهم، ويقسمون بصوت واحد على "مقاومة" الهجوم الذي تشنه تركيا مع فصائل موالية لها في المنطقة.
وتقول أسماء عفرين (19 عاماً) بعد تطوعها للتو في صفوف وحدات حماية المرأة الكردية لوكالة فرانس برس "عفرين هي الأرض التي كبرت فيها كما آبائي وأجدادي، ولأجل ذلك واجب علي أن أحارب".
وتضيف الشابة ذات العينين الزرقاوين التي تدرس الاعلام في جامعة عفرين "لا أرى نفسي اليوم طالبة بل مقاتلة في وحدات حماية المرأة الكردية".
وتشن تركيا مع فصائل سورية موالية لها منذ 20 كانون الثاني/يناير هجوماً تقول انه يستهدف مقاتلي الوحدات الكردية الذين تعتبرهم "ارهابيين" في منطقة عفرين الحدودية في شمال سوريا. وتخشى أنقرة من اقامة الأكراد حكماً ذاتياً على حدودها، على غرار كردستان العراق.
على غرار أسماء، لبى عشرات الشبان والشابات في الأسبوعين الأخيرين دعوة الادارة الذاتية الكردية لـ"النفير العام" دفاعاً عن منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية شمال محافظة حلب.
وشارك المتطوعون الجدد في مسيرة جابت قبل أيام شوارع مدينة عفرين، معظمهم بثياب مدنية فيما ارتدى آخرون سترات عسكرية وحملوا البنادق. كما رفعوا أعلام الوحدات الكردية مرددين هتافات مناوئة للجيش التركي. وعلى جانبي الطريق، تجمع سكان المدينة وهم يرفعون علامات النصر.
وخلال تجمع المتطوعين في ساحة ازادي، يردد المسؤول عن تنظيم حركة الشباب في مقاطعة عفرين شاهين جودي (28 سنة) أمامهم شعارات تحيي اندفاعهم للدفاع عن مدينتهم ومقاومة الهجوم التركي.
ويوضح المستشار الاعلامي لوحدات حماية الشعب الكردية في عفرين ريزان حدو لفرانس برس أن "هناك إقبالاً متزايداً على التطوع، ويختار كل شاب أو شابة الجهة التي يرغب بالعمل معها بحسب قدراته وخبرته".
ويقول "يتطوع قسم من المدنيين كمقاتلين، وقسم آخر لدى منظمات الهلال الأحمر الكردي، في حين يفضل البعض التطوع لتأمين الدعم اللوجستي من طعام ونقل ولباس".
"السلاح للمرة الاولى"
ويخضع المتطوعون لدورات تدريبية تسبق انتقالهم الى جبهات القتال. وتوضح القيادية في حركة الشباب الكردية في مدينة عفرين جيندا تولهلدان لفرانس برس "نقوم بتدريبهم عسكرياً وتعليمهم على استخدام السلاح خلال أسبوع كامل".
وتضيف "نعلم أن أسبوعا واحدا لا يكفي للتدريب، لكن العدو هاجمنا وعلينا الدفاع عن مدينتنا بكل السبل المتاحة أمامنا".
وخلال المسيرة، يتجول المتطوعون في صفوف متراصة في شوارع المدينة، يحيون المقاتلين والمقاتلات الكرديات ويرددون " يسقط يسقط أردوغان" و"لا لا للاحتلال" و"يعيش المقاومون الأبطال".
انضم فرهاد عكيد، الشاب البالغ من العمر 21 عاماً، إلى صفوف المتطوعين لـ"مقاومة" الهجوم التركي.
ويقول الطالب في الهندسة الزراعية في جامعة عفرين لفرانس برس "الطائرات الحربية للدولة التركية تقصف عفرين وتقصف المدنيين وتهاجمنا نحن وقواتنا".
ويضيف الشاب النحيل ذو اللحية الخفيفة "نحن كشباب عاهدنا أنفسنا بروح المقاومة ان نحمي عفرين ونحمي شعبنا"، متابعاً بحماس "لن نسمح لمحتل واحد من المحتلين الاتراك ان يدخل أرضنا المقدسة التي رويت بدماء الشهداء ولن نسمح للدولة التركية باحتلالها".
ويشرح المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية بروسك حسكة "في هذه المنطقة، كل الشباب بين 18 و32 عاماً يجب أن ينضموا الى الوحدات لعام واحد، هذا يعني أنه لدينا ما يشبه الجيش المدني الاحتياطي".
ويوضح "انضم المئات الى جميع وحدات قوات سوريا الديموقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري، مشيراً إلى أن "المؤسسات العامة أغلقت، وحتى أعضاء الادارة الذاتية يحملون السلاح".
ولا يقتصر الأمر على حمل السلاح، وفق حسكة، فهناك من يساعد في "اعداد الطعام والشاي ويوزعه على الجبهات، وآخرون يعملون في المستشفيات".
ومنذ بدء الهجوم، تتواصل المعارك العنيفة على محاور عدة في منطقة عفرين. وأسفر القصف والمعارك عن مقتل 68 مدنياً، بينهم 21 طفلاً، في منطقة عفرين، فضلاً عن أكثر من مئة من المقاتلين الاكراد ومئة آخرين من الفصائل السورية الموالية لأنقرة.
كما قتل 14 جندياً تركياً في المعارك، وفق الجيش. وتنفي أنقرة ان تكون عملياتها تستهدف المدنيين، مؤكدة انها تستهدف المواقع العسكرية للمقاتلين الأكراد.
ويبدو المتطوعون الجدد مصرين على استكمال المهمة والتصدي للهجوم التركي وإن كان منهم من يحمل السلاح للمرة الاولى.
ويقول الشاب تيريج حسن (22 عاماً)، وقد لف رأسه بوشاح أسود وأبيض، لفرانس برس "تلقينا التدريبات على الأسلحة الخفيفة في مراكز الشباب في مدينة عفرين".
ويضيف "أنها المرة الأولى التي احمل فيها السلاح، وأنا سعيد بذلك لأنه سيكون من أجل الدفاع عن عفرين وشعبنا وأطفالنا".