رجح خبراء في الشأن الاقتصادي عدم تأثر الموازنة العامة لدولة فلسطين بوقف المساعدات المقدمة من الولايات المتحدة لدولة فلسطين، لأنها مساعدات لا تدخل للموازنة بل تقدم لمشاريع مختلفة عن طريق مؤسسات غير حكومية، وتنفذ عبر المؤسسات الأميركية العاملة في فلسطين.
وقلل الخبراء من تأثير القرار الأميركي على الدول المانحة التي تقدم مساعدات لشعبنا، مطالبين بضرورة العمل دبلوماسيا وسياسيا مع هذه الدول من أجل تواصل تقديم المساعدات لأبناء شعبنا، ومواصلة الجهد الدبلوماسي المميز المبذول نصرة لحقوق شعبنا.
وحسب بيانات وزارة المالية الفلسطينية، فقد تراجع الدعم الأميركي للميزانية الفلسطينية في الأعوام الخمسة الأخيرة حتى وصل إلى 265 مليون شيكل أي ما يعادل (75 مليون دولار) نهاية تشرين الأول المنصرم.
وبحسب الإحصاءات، فإن مجموع ما قدمته الدول مجتمعة من مساعدات للشعب الفلسطيني منذ قيام السلطة حتى الآن بلغ نحو 37 مليار دولار، ما يعادل بالمتوسط حوالي مليار ونصف دولار سنويا، لكن في آخر سنتين تراجعت المساعدات إلى 600-700 مليون دولار بضمنها المساعدات الأميركية.
وتنقسم المساعدات الامريكية المقدمة للفلسطينيين الى جزئين اثنين، الجزء الاول تقدمه واشنطن الى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الاونروا)، لتقديم خدماتها الى اللاجئين الفلسطينيين وتأمين نفقاتها عليهم ودفع رواتب العاملين لديها، والجزء الثاني تقدمه من خلال الوكالة الامريكية للتنمية الدولية والتي تنفذ مشاريع عديدة في قطاعات مختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما لا تقدم الولايات المتحدة الامريكية اي مساعدات او تمويل مباشر للحكومة الفلسطينية.
وبلغت موازنة فلسطين للعام الحالي 4.4 مليار دولار، فيما تعتمد الموازنة على ثلاثة مصادر لتمويل نفقاتها؛ أولها الضرائب المحلية بأنواعها المختلفة (وتشمل بالأساس ضريبة الدخل، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة الملكية)، وتشكل حوالي 25 % من الإيرادات الكلية، وتقدر بنحو 1.1 مليار دولار سنويا.
في حين أن المصدر الثاني لتمويل الموازنة هي إيرادات المقاصة، وهي الضرائب على الواردات السلعية التي تحولها (إسرائيل) شهريا للحكومة الفلسطينية، وفقا لبروتوكول باريس الاقتصادي الموقع بينهما سنة 1994، وتشكل حصيلتها النقدية حوالي 50 % من الإيرادات الكلية وتبلغ 2.5 مليار دولار سنويا. أما المصدر الثالث لتمويل الموازنة، فهي المساعدات الخارجية، وتشكل نحو 25 % من تمويل الموازنة، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 1.2 مليار دولار.
قطع المساعدات لن يؤثر على أداء الحكومة
وهنا، قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح د. محمد اشتية، إن حجم المساعدات الاميركية الذي يدفع سنويا لفلسطين حوالي 500 مليون دولار فقط.
وأضاف اشتية، أن "واشنطن لا تقدم تمويلاً مباشراً لخزينة السلطة الفلسطينية"، مقللا من تأثير القرارات الأميركية بقطع المساعدات المقدمة إليها.
وأضاف اشتية، إن "القيادة الفلسطينية لا تقايض الحقوق الوطنية بالمال، ولا تقبل الابتزاز السياسي"، مبيناً أن "الولايات المتحدة قدمت مرتين إلى ثلاث مرات فقط، منذ عام 1994، مساعدات مباشرة للسلطة، بينما يبلغ حجم المشاريع الممولة منها سنوياً حوالي 50 – 60 مليون دولار فقط".
وأوضح ان عام 2016 مثلا الولايات المتحدة قدمت حوالي 390 مليون دولار لوكالة الغوث وقدمت حوالي 70 مليون للسلطة الوطنية، والباقي للمنظمات غير الأهلية، يوجد سنوات لا تقدم فيها الولايات المتحدة "أي قرش" للموازنة مثل عام 2015.
وأضاف أن المبلغ الأساسي المقدم للشعب الفلسطيني هو المبلغ المقدم لوكالة الغوث وليس للسلطة الوطنية التي لم تتأثر بوقف المساعدات في حين تأثرت "الأونروا" بشكل كبير، نأمل ان يتم تغطية هذا الغياب المالي الاميركي من مصادر عربية ودولية".
وقال إن "هناك عمل من أجل تغطية الغياب المالي الأميركي، وقد نجحنا في ذلك فخلال الأسبوع الجاري قدمت هولندا وقبلها بلجيكا والكويت لمساعدة الأونروا، ونعمل على شحذ المجتمع الدولي للتعويض عن نقص المساعدات".
وطالب اشتية القمة العربية القادمة في الرياض ليس فقط لخلق شبكة أمان لمساعدة فلسطين بل تنفذ الوعودات السابقة لتنفيذ شبكة أمان للسلطة الفلسطينية، والآن المعركة على الأونروا والقدس، وهم يحاربون أيضا الرواية التاريخية الفلسطينية، وما حدث في فلسطين والأونروا جزء من الرواية التاريخية الفلسطينية، بأننا لاجئين في مخيمات الشتات نتيجة الاستعمار الذي احتل ارضنا وطردنا منها.
واعتبر أن قطع المساعدات الاميركية عن الأونروا هو استهداف للمخيمات الفلسطينية التي توجد بها الرواية التاريخية الفلسطينية، لذلك يجب تفشيل كل محاولات تصفية الأونروا.
من جانبه، قال الخبير في الشؤون الاقتصادية د. نصر عبد الكريم، إن المساعدات الخارجية لا يمكن الاستغناء عنها في فلسطين إذ تشكل قرابة 700 مليون دولار يصعب توفيرها ومن الصعب التعويل على الضرائب، ولكن من السهولة الاستغناء عن المساعدات الأميركية لأنه جزءا يسيرا منها يذهب للموازنة والباقي يتم تطويل مشاريع تطويريه فيه وبالتالي يمكن تأجيل المشاريع التطويرية.
وبين ان المساعدات الأمريكية تحديدا لم تنتظم في آخر 5-6 سنوات تأثرا بالعوامل السياسية "وعند كل محطة سياسية مهمة يمارس على الفلسطينيين هذا الضغط، وتتقطع المساعدات سواء من الكونغرس او الإدارة الأمريكية نفسها".
وأوضح أن المساعدات المقدمة للسلطة دون الأونروا ليست كبيرة الحجم بالإجمال، إذ تقارب 300 مليون دولار.
وقال عبد الكريم إن نحو 50 او 60 مليون دولار من المساعدات الأمريكية تذهب إلى خزينة الدولة وتمويل عجز الموازنة فيما الباقي يتم إنفاقه من خلال مشاريع وتعاقدات مع مؤسسات أمريكية تعمل في الأراضي الفلسطينية لتمويل مشاريع بنية تحتية ودعم قدرات ودعم فني وتطوير الأجهزة الأمنية. لذلك رأى أن المساعدات الأمريكية مهمة "لكن ليس لدرجة زعزعة الاستقرار الاقتصادي والوضع المالي للسلطة، وليس إلى درجة أن تحدث فرقا جوهريا، فالمبلغ يمكن تعويضه".
وأضاف ان المساعدات الأميركية لا تدخل للموازنة، ولذلك الاستغناء عن المساعدات الأميركية ممكن ولا يمكن أن تؤثر على الموازنة العامة، وليس هي العامل الحاسم في الاستقرار المالي للسلطة، والرئيس الأميركي دونالد ترمب يدرك أن مساعدات بلاده لفلسطين رغم أنها مهمة ولكنها ليست اساسية وليست حاسمة في مسألة حياة الحكومة الفلسطينية، ويدرك ان الحكومة الفلسطينية تسطيع أن تعيش بدونها.
واعتبر ان ترمب يدرك أنه لن يستطيع أن يبتز الفلسطينيين بالأموال، وأن ما يتم هو رسائل للمؤيدين له في الولايات المتحدة ولإسرائيل بجرهم لتسوية لن تنصفهم، ويراهن على التأثير على مواقف دول أخرى لتوقف المساعدات وعلينا العمل من أجل منعه من ذلك.
وأوضح أن ترمب يعلم أن اسرائيل تستطيع أن توقف الاموال عن الحكومة الفلسطينية لكنها لا تسطيع تحمل تبعات انهيار السلطة وتبقي على الخيط الرفيع في العلاقة الاقتصادية مع الفلسطينيين، من اجل استمرار الدورة الاقتصادية في فلسطين.
وأضاف أنه "يجب تحفيز الدول خصوصا العربية والإسلامية من أجل تواصل تقديم مساعدتها، فالمساعدات كلها المقدمة للسلطة لا تتجاوز 15% من حجم الموازنة السنوي والباقي عن طريق الارادات الضريبية، ويمكن للباقي أن يمول من خلال الاقتراض المصرفي والعجز في الموازنة يصل إلى 1.2 مليار دولار، فالمساعدات ليست عاملا حاسما كما كانت في السابق، لذلك على شعبنا العمل على البحث عن بدائل دون الإعلان عن عدم حاجتهم للمساعدات، ويحاولون أن يبحثوا عن بدائل للمساعدات وأن نقوم بدورنا من أجل تحسين الجباية وترشيد النفقات وإصلاح نظام الانفاق ونظام الضرائب وترتيب الوضع المالي بشكل يسهم في التقليل من الحاجة للمساعدات الخارجية".
من جانبه، قال د. سمير عبد الله، ان المساعدات الأميركية منذ عام 2013 أي في وقت التوجه لمجلس الامن وبعدها للجمعية العامة للأمم المتحدة، أميركا قلصت كثيرا مساعداتها المقدمة للشعب الفلسطيني، وهي مساعدات تقدم للشعب الفلسطيني وتنفذ من قبل وكالة التنمية الاميركية، وهي جزئين، جزء منها للبنية التحتية ومشاريع لدعم وتسهيل التجارة وهي برامج فائدتها لم تكن عظيمة لأن الاسرائيليين لم يكونوا متعاونين، وبالتالي كل الدراسات والتوصيات الأمريكية لم تكن مجدية.
وأضاف أن تأثير المساعدات غير منظور خلال السنوات الماضية ولن يؤثر على الحكومة الفلسطينية، ولكن المشكلة في الأونروا التي تتعرض لمؤامرة عبر عدم توفير الدعم لها، ووقف تقديم الدعم المالي الاميركي لها ما يؤدي إلى تقليص خدماتها الهامة المقدمة للاجئين الفلسطيني.
وأردف أن أميركا "لن تعود عن قرارها وستواصل قطع المساعدات، وأميركا هي التي تمكن الاحتلال الإسرائيلي، ومواقفها حاليا أسوء من موقف الإسرائيليين أنفسهم في خدمة وتدعيم الاحتلال، رغم أن بعضهم أصدر وعود وكلمات معسولة، واليوم الإدارة الأميركية تنفذ أجندة إسرائيلية في المنطقة... ولن تنجح الولايات المتحدة عبر هذا القرار بالتأثير على الدول الأخرى لتقطع مساعداتها".