دَأبَت شبكات التواصل الاجتماعي كفيسبوك وجوجل وغيرهما على توجيه المحتوى الذي يظهر لنا بناءً على سجل البحث والمنشورات التي قمنا بالتفاعل معها ونوعية الجهاز الذي نستخدمه وموقعنا الجغرافي وغيرها من المعلومات.
يسمى توجيه أو حصر المحتوى الذي نشاهده بفُقاعات التّرشيح؛ حيث تقوم خوارزميات هذه الشبكات بتخمين المعلومات التي قد يفضل المستخدم رؤيتها.
يدّعي إيلي باريسر مؤلف كتاب "فقاعة الترشيح: ماذا تخفي عنك الإنترنت" أن المستخدم أصبح محصوراً ضمن إطار ضيِّق لا يمكنه من الوصول لأفكار أو معلومات جديدة، فعلى سبيل المثال لن تصلك أفكار سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو إنسانية خارج هذه الفقاعة التي صنعتها لك تلك الشبكات.
فالمعلومات التي تظهر لك على فيسبوك هي أشياء قام أصدقاؤك بمشاركتها أو أصدقاؤهم، والأخبار التي تظهر لك هي من المصادر التي قمت بالإعجاب بها، وبهذا قد قمت بتحديد مصادر معلوماتك حصراً من هذه المصادر، حتى الإعلانات التي تظهر لك فهي تتعلق بأشياء قمت بالبحث عنها أو لها ارتباط بمنطقتك الجغرافية.
ولأثبت للقارئ دقة طرحي قمت باختبارٍ بسيط طلبت من صديقين الولوج لموقع جوجل والبحث عن كلمة "تونس"، بعد مقارنة النتائج وجدت أن هناك فرقاً واضحاً، فمحرك البحث لكلا الصديقين أعاد نتائج تتوافق مع المواقع التي يزورانها أو مواقع تتوافق مع وجهات نظريهما، لنتابع النتيجتين:
2018-02-03-1517639085-8523780-google.png
جوجل تعرف الكثير عنا، خاصةً إذا كنا من مستخدمي الأندرويد ويوتيوب، ومن منا لا يستخدم اليوتيوب، وبهذا قامت جوجل يخلق فقاعة ترشيح لمجموعة من النتائج مختلفة لكلٍ من الصديقين.
وقد ذكر مركز بو الأميركي للدراسات (1) في بحث له في منتصف عام 2015 أن 61% مِن الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين عاماً يستخدمون الفيسبوك كمصدر حصري لحصولهم على الأخبار، وهذه النسبة تشكل 1,7 مليار مستخدم حول العالم.
وقد ذكر نفس مركز الدراسات أنه في عام 2014 كانت نسبة المستخدمين الذين يعتقدون أن الأخبار التي يشاهدونها تنساق مع أفكارهم وميولهم ضعف من لم يعتقد ذلك، ولكن مع تطور خوارزميات الشبكات الاجتماعية وكم المعلومات الهائل الذي يصل تلك المواقع يومياً باتوا أكثر قدرة على تحديد المحتوي الذي يصل المستخدمين.
أكاد أجزم أنّ نوايا شبكات التواصل ومواقع الإنترنت من وراء فقاعة الترشيح هو مادي بحت، حيث إن طبيعة البشر تميل إلى التقرب من الذين يحملون نفس الميول ووجهات النظر وبهذا يقضي المستخدم وقتاً أطول في تصفح الأخبار والمشاركات التي يحب أن يتابعها في تلك المواقع حتى ولو كانت مزيفة أو كاذبة.
ولكن نتيجة تلك السياسات التي بنيت عليها خوارزميات فقاعات الترشيح تبدو واضحة، فالآلة لا تحمل العواطف ومن التحديات الكبرى التي بدأت تواجه شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع البحث وغيرها هو كيفية الحد من انتشار الأفكار والأخبار الكاذبة والمزيفة.
ففي مقالٍ لها نشر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017 اتهمت صحيفة الإيكونوميست البريطانية مواقع التواصل الاجتماعي بفرض سطوة توجيهية على المستخدمين تؤثر في قراراتهم الانتخابية.
وذكر التقرير أن مواقع التواصل الاجتماعي نشرت أخباراً ملفقة ومضللة. فيسبوك اعترفت بأن 146 مليوناً من مستخدميها ربما قرأوا أخباراً مسممة بين شهرَي يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب من عام 2015 نشرتها أطراف روسية. فيما اعترفت يوتيوب بانتشار 1108 فيديو مرتبط بروسيا شاهدها مستخدموها، بينما تم نشر 36,746 تغريده مرتبطة بالروس على موقع تويتر.
بينما كانت شبكات التواصل الاجتماعي سابقاً بنشر قيم التسامح وفرض بيئة نظيفة تلاحق المجرمين والأفكار الهدامة، تجد أن مستخدميها وقعوا ضحية أفكارٍ مسمومة.
انحصار الأخبار التي وردت المستخدمين بمصار مكرّره سمح لهذه الأخبار تحديد وجهة صوت الناخب ولم تسمح هذه المواقع للمستخدم بمشاهدة رأي مختلف قد يغير وجهة نظره.
ذكر الأخوان هيث في كتاب "الحسم" (2) عن تجربة قام بها أحد الباحثين؛ حيث عُرض على المشاركين في البحث جمل ليست معتادة مثل "سحّاب الملابس صنع في النرويج"، وقد أُخبر المشاركون بأن هذه الجمل ربما تكون صحيحة وربما تكون خاطئة.
خلال التجربة تم تكرار عينة من الجمل لثلاث مرات في نصوص مختلفة ومن ثم طلب من المشاركين تقييم صحة الجمل.
وجدوا أن الجمل المكررة جعلت المشاركين يؤيدون صحتها أكثر من الجمل التي لم تتكرر.
وفي دراسةٍ أخرى أُجريت على مجموعة من مستخدمي تويتر، وجد أنّ أكثر المستخدمين الذين ينتمون لحزب سياسي يقومون بإعادة تغريدات تدعم حزبهم.
ويقوم هؤلاء المستخدمون في الغالب بنشر تغريدات لمقالات في صحف تميل لحزبهم السياسي. هذه التغريدات تضع هؤلاء المستخدمين ومتابعيهم في دائرة الأفكار المكررة.
هذه الأفكار المكررة التي تصلنا تعزز انحيازنا الذاتي، فحين نتلقى معلومات تعزز قناعات نميل لها فإنها ستترسخ في عقولنا وقلوبنا ونصبح أقرب لرفض أي فكرة لا تندمج مع ما ننحاز له من أفكار وقناعات، وبهذا يصبح المستخدمون كمن يسمع صدى صوته في غرفةٍ فارغة فيخسرون قدراتهم على الحصول على الرأي الآخر الذي ربما يكون على صواب أو أقرب إلى الصواب.
فقاعات الترشيح والأفكار المكررة ليست جديدة بالمطلق، فعلى سبيل المثال أذكر حين كنت صغيراً كانت تصل والدي صحيفته المفضلة في الصباح الباكر طيلة أيام العمل، أما في يوم الجمعة فكان أبي يعود بعد الصلاة حاملاً ثلاث صحفٍ مختلفة.
سألته ذات مرة: لماذا في يوم الجمعة تقرأ صحفاً مختلفة؟ كان جوابهُ أريدُ أن أقرأ وجهة نظرٍ أُخرى.
إذن كيف نخدع تلك الخوارزميات حتى نخرج من فقاعات الترشيح، الجواب بسيط علينا تصفح مواقع لا توافق أفكارنا، فإذا كنا نميل إلى الأفكار اليسارية لم لا نقرأ بعض ما يكتبه اليمين فمثلاً لو تفاعلت مع مقالات أو مشاركات لا توافق أفكارك من وقتٍ لآخر فأنت حتماً تخدع خوارزميات فقاعات الترشيح وتقلل من تأثيرها عليك.
http://www.huffpostarabi.com/news/technology