ما زالت الإشكالية "الطاقية" تندرج ضمن أولويات السياسة الحكومية لدول كثيرة حول العالم، بل ويمكن اعتبار مسألة الأمن الطاقي وسبل ضمانه أو السيطرة على الموارد الطاقية ضمن أهم الهواجس التي تؤرقها، فضلاً عن اعتبارها كعنصر محدد في المصالح الحيوية، وإحدى أهم العقد التي تهيمن على العلاقات الدولية في بعدها الاقتصادي والسياسي، إلى الدرجة التي تدفع في كثير من الأحيان إلى اندلاع نزاعات مسلحة وصراعات جيو-سياسية، سواء مباشرة أو غير مباشرة، تحت شعارات وذرائع مختلفة، لكن تظل معادلة الطاقة في قلبها.
وبينما تدفع عوامل متعددة كالنمو الديموغرافي المتزايد، أو الطفرة الاقتصادية للعديد من القوى الناشئة كالهند أو الصين وغيرهما من الدول النامية، إلى المزيد من الطلب على المواد الطاقية بشتى أنواعها، الشيء الذي يدفع بالنتيجة في اتجاه المزيد من التقلبات في أسعارها، أو ارتفاع الفاتورة الطاقية للدول غير النفطية، والمؤداة بالعملة الصعبة.
يأتي كل ذلك في وقت تعتبر منابع الطاقة الأحفورية التقليدية كالنفط والغاز والفحم الحجري أو حتى المفاعلات النووية، كمصادر قابلة للنضوب أو مهددة بالانحسار، وأحياناً تتركز في مواقع جغرافية تتسم بعدم الاستقرار السياسي، الشيء الذي من الممكن أن يفجر في أي وقت أزمة في الإمداد في سيناريو قد يكون مماثلاً لأزمة سنة 1973، فضلاً عن اعتبارها كطاقات غير نظيفة وغير آمنة، كما هو حال كارثة "تشرنوبيل" ومفاعل "فوكوشيما" النووي، بالنظر إلى تأثيرها الكبير على المناخ والبيئة، ومدى علاقة كل ذلك بالالتزامات الدولية حول خفض انبعاث الغازات الدفيئة، كاتفاقية "كيوتو" أو معاهدة باريس للمناخ، كمسعى دولي لاحتواء ظاهرة الاحتباس الحراري.
كل هذه العناصر تملي في نظر المتخصصين، الحاجة إلى اعتماد استراتيجية جديدة ونظرة استشرافية للمستقبل في معالجة الإشكالية الطاقية عبر إرساء سياسة طاقية واعدة، أقل كلفة ومستدامة، في أفق تأمين وتنويع مصادر الطاقة وضمان تدفقها، سيما أنها قد أضحت مرتبطة بشكل جد وثيق بحياة ورفاهية السكان في عصرنا الحالي وارتباطها بمفهوم التنمية المستدامة.
وقد تُرجمت هذه الاستراتيجية بشكل عملي من قِبَل دول وشركات متخصصة عبر التفكير في سبل الاستثمار في إنتاج مصادر بديلة للطاقة تكون آمنة وصديقة للبيئة كالطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح، أو الطاقة الكهرومائية، أو وقود الكتلة الحيوية، أو طاقة حرارة الأرض، وهي مصادر، على الرغم من المشاكل المالية والتقنية التي تجابهها ومحدودية إسهامها في إنتاج الكهرباء مقارنة مع الطاقة الأحفورية التقليدية، إلا أنها قد أضحت مجالاً خصباً للاستثمار وآخذة في النمو بشكل متصاعد؛ حيث أصبحت تمثل في المجمل ما نسبتة %23,5 من مجموع المصادر المنتجة للطاقة الكهربائية في العالم، بحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) لسنة 2017.
كما أن حجم الاستثمار العالمي في إنتاج الطاقات المتجددة ارتفع بحسب ذات الوكالة من 50 مليار دولار سنة 2004 إلى 305 مليارات دولار سنة 2015.
هكذا تجد الحكومات نفسها أمام واقع تخصيص المزيد من الاعتمادات المالية والاستثمارات من أجل حل معضلة الطاقة، كما تجد شركات التكنولوجيا العالمية نفسها أيضاً في تنافُس شرس وسباق محموم مع الزمن بغية الرفع من سبل الاستفادة من مصادر الطاقة البديلة، عبر الانخراط المكثف وإجراء المزيد من الأبحاث التقنية والاستثمار في هذه السوق التي تبدو واعدة، ومعالجة الإشكالات ذات الصلة بكلفة الإنتاج التي أخذت في الانخفاض التدريجي؛ حيث تشير تقديرات خبراء الوكالة إلى أن تكلفة طاقة الرياح على سبيل المثال قد انخفضت بنسبة 23% خلال الفترة ما بين سنة 2010 وسنة 2017، وانخفاض تكلفة الكهرباء المستمدة من طاقة الشمس بنسبة 75% خلال نفس الفترة، إلى جانب الرفع من قدرة تخزين البطاريات للكهرباء، حيث تشير تقديرات الخبراء إلى إمكانية الرفع من قدرة التخزين من 1 غيغاوات في الوقت الحالي إلى 250 غيغاوات بحلول سنة 2030، وهي أرقام لا شك أنها تدلل على جدية التعاطي الدولي مع هذا الملف الحيوي، وفي نفس الوقت يمكن اعتبارها مبعثاً على التفاؤل في أفق تلبية الطلبات المتعاظمة على الطاقة وبأقل تكلفة مادية وبيئية ممكنة.
خالد التاج
مدون مغربي
huffpostarabi