الرئيسية / مقالات
خرم إبرة قصة عشق... (2)
تاريخ النشر: السبت 17/02/2018 10:35
خرم إبرة قصة عشق... (2)
خرم إبرة قصة عشق... (2)

في الصباح الباكر أستنشق أكبر كمية من الأوكسجين البحري لتخزينه، أرحل أنا والحقيبة التي لم أستطع أن أضع بداخلها ما أريد، كقهوة ديليس مثلاً! هكذا هي سياسة الاحتلال التدخل في حقيبة من يدخل ويخرج، كأنك ستقوم بتهريب قطاع غزة بأكمله في حقيبتك!
في الطريق إلى معبر "إيرز" يبدأ العقل بطرح أسئلة عبثية أجهل الإجابة عنها حتى لحظة كتابتي هذه الكلمات: إلى متى سيبقى الوضع هكذا؟ بعد اجتيازي المعبر هل سأخرج من السجن أم سأدخله؟ هل تم إخراج قطاع غزة من المعادلة/المعادلات؟ هل الهوية الفلسطينية بمعزل عن غزة هوية وطنية؟!
أسئلة كثيرة تتفاعل مع بعضها البعض، أوصلتني لحالة الكُفر بالمشهد السياسي الفلسطيني بكل مكوناته وأطيافه. لا معنى للألوان الأصفر والأخضر والأحمر والأسود أمام "ربطة" خبز تحتاجها عائلة! ما معنى أن تكون مواطناً ميتاً أمام صندوق الانتخابات؟! أسِرَّة المرضى الممتلئة في مواجهة مقاعد المجلس التشريعي الخاوية، صرخات الموت اليومية وصرخات الحفاظ على الانقسام لمصالح خاصة!!
أستيقظ من متاهات الأسئلة لحظة وصولي المعبر، خطوات تنقلني من عالم إلى عالم آخر، أدخل المشهد الأمني وكأني قادم من تورا بورا، أو إدخال أسير من معتقل غوانتانامو، أخرج من قاعة المعبر سريعاً، كمية الأوكسجين البحري بدأت تنفذ من رئتي، أحاول أخذ نفس عميق دون جدوى، تتوقف جميع الحواس، لكن القلب ينبض غزة غزة غزة غزة غزة غزة.
أضع حقيبتي في الحافلة التي ستنقلني إلى رام الله، أسترق النظرات الأخيرة لقطاع غزة، أقول لذاتي: سأعود قريباً لها.. تتحرك الحافلة.. أنظر من خلال الزجاج الخلفي.. حالة الابتعاد عن العشيقة، حالة الصمت يقطعها سؤال السائق: أكلت سمك؟ أُجيب بغضب: "المهم اللي أكل سمكها يعمل إشي إلها".
أعترف وعلى الرغم من إطلاعي وتواصلي الدائم بقطاع غزة، إلاّ أنني، كالكثيرين غائب، عن حقيقة تفاصيل الأمور، وعلى الجميع أن يعترف بأنه فشل_ كل حسب موقعه ولونه_ في الحفاظ على أهل غزة ورمالها، وأننا نتعامل مع غزة فقط كخبر: فتح أو اغلاق معبر رفح، شهيد في مخيم الشاطئ، انفجار في خان يونس، انتحار شاب، مقتل فتاة، عدوان على قطاع غزة.
والأسوأ من كل ذلك أننا نعيش في حالة من الغيبوبة، غيبوبة ذاتنا ومؤسساتنا عن واقع مليوني مواطن فلسطيني هم بحاجة إلى كل مكونات هرم "ماسلو" من احتياجات فسيولوجية، حاجات الأمان، حاجات اجتماعية، الحاجة للتقدير، الحاجة لتحقيق الذات.
بعد أن قطعنا الحاجز وبدأنا دخول رام الله، أطلب من السائق أن يشغل المذياع فقد حان وقت الأخبار، أسمع صوت المذيعة: "حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف بعض المستشفيات عن العمل في القطاع خلال ساعات بسبب أزمة نفاد الوقود". ينظر السائق إليّ عبر المرآة المعلقة أمامه في منتصف الحافلة ويسألني مجدداً: أكلت سمك؟ أجيبه بانفعال وصوت مرتفع: أكلت سمة بدن!!

للتواصل:
mehdawi78@yahoo.com
فيسبوك RamiMehdawiPage
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017