قتل 45 مدنياً على الأقل الثلاثاء جراء غارات جديدة لقوات النظام السوري على مناطق عدة في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق، غداة يوم دموي حصد حوالى 130 قتيلا وأوقع أكثر من 610 جرحى، وفق ما أورد المرصد السوري لحقوق الانسان.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس "قتل 45 مدنياً على الأقل بينهم 12 طفلاً الثلاثاء جراء غارات استهدفت مناطق عدة في الغوطة الشرقية". وكانت حصيلة اولية أشارت الى مقتل 36 مدنياً.
وكان عدد القتلى جراء القصف والغارات الكثيفة التي نفذتها قوات النظام السوري على الغوطة الشرقية الاثنين قد ارتفع الى 130 مدنياً، في حصيلة دموية هي الأعلى خلال يوم واحد منذ ثلاث سنوات في هذه المنطقة المحاصرة قرب دمشق.
وشددت الأمم المتحدة ليل الاثنين على أن استهداف المدنيين في الغوطة الشرقية "يجب أن يتوقف حالاً" في وقت "يخرج الوضع الانساني عن السيطرة".
وقصفت قوات النظام بالطائرات والمدفعية والصواريخ بكثافة الاثنين معظم مدن وبلدات الغوطة الشرقية التي تحاصرها بشكل محكم منذ العام 2013، بعد أيام من استقدامها تعزيزات عسكرية تنذر بهجوم وشيك على معقل الفصائل المعارضة الأخير في ريف دمشق.
وقال المرصد على موقعه الالكتروني إنه وثق "مقتل 123 مدنياً بينهم 27 طفلاً و19 مواطنة خلال 36 ساعة متتالية" في الهجوم الذي بدأ مساء يوم الأحد 18 شباط/فبراير وحتى صباح الثلاثاء 20 شباط/فبراير واستخدمت فيه قوات النظام "الطائرات المروحية والحربية والقصف المدفعي والصاروخي (...) والبراميل المتفجرة والصواريخ التي يعتقد أنها من نوع أرض – أرض، وقذائف المدفعية والهاون والدبابات وراجمات الصواريخ".
وأضاف المرصد أن القصف استهدف "مدن وبلدات دوما والنشابية والشيفونية والافتريس وجسرين وحمورية وسقبا وكفربطنا وأوتايا ومسرابا وبيت سوا وحزة وسقبا والمحمدية والأشعري وزملكا ومناطق أخرى في الغوطة الشرقية".
وكانت حصيلة سابقة للمرصد الثلاثاء قد أكدت "ارتفاع حصيلة القصف والغارات الى مئة قتيل مدني بينهم نحو عشرين طفلاً، بالاضافة الى إصابة نحو 450 آخرين بجروح" فيما كان عدد الضحايا ليل الاثنين نحو ثمانين قتيلاً و300 جريح.
وبحسب عبد الرحمن، تعد حصيلة القتلى الاثنين "الأعلى في منطقة الغوطة الشرقية منذ مطلع العام 2015".
وأمضت عائلات يومها الاثنين تحت الغارات والقذائف تبحث عن أفرادها تحت الركام وفي المستشفيات التي اكتظت بجثث القتلى وبالمصابين وبينهم عدد كبير من الأطفال. فيما تفتقر هذه المستشفيات الى الكثير من الادوية والعلاجات والمستلزمات الطبية والتجهيزات.
وأفاد مراسلو فرانس برس الثلاثاء عن دوي غارات وقصف طيلة ساعات الليل، فيما لم تفارق الطائرات أجواء المنطقة. وقالوا إن العائلات أمضت ليلتها وسط حالة من الرعب والخوف وتجمعت في الأقبية والطوابق السفلية.
"فمه محشو بالتراب"
في مستشفى في مدينة عربين، قال طبيب عرف عن نفسه باسم أبو اليسر لوكالة فرانس برس "19 شباط/فبراير كان من أسوأ الايام التي مرت علينا في تاريخ الأزمة الحالية".
وتحدث عن حالة مؤثرة عاينها الاثنين "وصلنا طفل يبلغ عاماً واحداً. كانت بشرته شديدة الزرقة وبالكاد قلبه ينبض. وبينما كنت أفتح فمه لأضع له أنبوباً (للتنفس)، وجدته محشواً بالتراب، بعدما تم سحبه من تحت الأنقاض".
ويضيف بتأثر شديد "أخرجت التراب سريعاً من فمه ووضعنا له الأنبوب لكنه لم يقو على التنفس جيداً لان التراب كان قد وصل الى داخل رئتيه. عندها قمنا بسحب التراب من رئتيه وبدأ بعدها بالتنفس تدريجياً".
ويوضح "هذه قصة واحدة من بين مئات الاصابات".
ويروي أنه "تم اسعاف سيدة حامل في الشهر السابع الى المستشفى، بعد نقلها من مدينة حمورية وهي تعاني من نزف دماغي حاد جراء اصابتها، لكنها توفيت متأثرة باصابتها ولم نتمكن من انقاذ الطفل الذي في بطنها".
وقال مراسلو وكالة فرانس برس في الغوطة الشرقية بعد جولة على عدد من المستشفيات الاثنين إن الأسرّة لم تعد تتسع للجرحى الذين افترشوا الأرض. ونقلوا عن أطباء إن غرف العمليات بقيت ممتلئة طيلة ساعات النهار.
في مستشفى في مدينة حمورية، روى الممرض عبدالله (24 عاماً) لفرانس برس أنه اضطر الى حمل طفل رضيع لوقت طويل بعد تضميد رأسه جراء عدم توفر سرير لوضعه عليه.
ويفاقم التصعيد في القصف المستمر منذ ليل الأحد من معاناة نحو 400 ألف شخص تحاصرهم قوات النظام بشكل محكم منذ العام 2013.
"الوضع خارج السيطرة"
وحذرت الأمم المتحدة ليل الاثنين من أن "الوضع الإنساني للمدنيين في الغوطة الشرقية يخرج عن السيطرة".
وقال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا بانوس مومتزيس في بيان "لا بد من إنهاء هذه المعاناة الإنسانية التي لا معنى لها، الآن"، مشدداً على أن "استهداف المدنيين الأبرياء والبنى التحتية يجب ان يتوقف حالاً".
وترافق التصعيد مع تعزيزات عسكرية لقوات النظام الى محيط الغوطة الشرقية، في خطوة قال المرصد السوري انها تأتي بعد فشل مفاوضات بين دمشق والفصائل لتسوية في المنطقة.
وبحسب المرصد السوري، تصدى جيش الاسلام، أبرز فصائل الغوطة الشرقية، الثلاثاء لمحاولة تقدم قامت بها قوات النظام السوري في منطقة المرج الواقعة جنوب دوما.
وشهدت الغوطة الشرقية في الأسبوع الثاني من شباط/فبراير وطوال خمسة أيام تصعيداً عنيفاً مع استهدافها بعشرات الغارات، ما تسبب بمقتل نحو 250 مدنياً. وردت الفصائل باستهداف دمشق، موقعة أكثر من 20 قتيلا مدنياً.
وندد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي يتخذ من اسطنبول مقرا، في بيان الاثنين بغياب أي ردود فعل في العالم على ما يحصل. وجاء في البيان "لم تكن حرب الإبادة الجماعية ولا الاعتداء الهمجي ليقعان على أهالي الغوطة، لولا الصمت الدولي المطبق".