{وَفِى الأَرْضِ آيَاتٌ للْموقِنِينَ} [الذاريات:20].
الأرض هى أحد أفراد المجموعة الشمسية التى تتكون من تسعة كواكب أساسية، يدور كلٌ منها حول نفسه، ويجرى فى مدار محدد له حول الشمس، وهناك مدار للكويكبات بين كلٍ من كوكبى المريخ والمشترى يُعتقد أنها بقايا لكوكب عاشر قد إنفجر، وهناك إحتمال بوجود كوكب حادى عشر لم يتم كشفه أو رصده بعد، ولكن تم التوقع بوجوده بواسطة الحسابات الفلكية.
وكواكب المجموعة الشمسية المعروفة لنا هى من الداخل إلى الخارج على النحو التالى: عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، الكويكبات، المشترى، زحل، يورانوس، نبتيون، بلوتو، بروسوبينا -أوبريينا.
وهناك بعد ذلك نطاق المذنبات التى تدور حول الشمس فى مدارات مغلقة أو مفتوحة على مسافات بعيدة جدًا، وتعتبر جزءًا من المجموعة الشمسية.
ويقدَّر متوسط المسافة بين الشمس وأقرب كواكبها -عطارد- بحوالى 58 مليون كيلو متر ويقدَّر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالى 150 مليون كيلو متر، ويبعد بلوتو عن الشمس بمسافة تقدر فى المتوسط بحوالى 6000 مليون كيلو متر، ويقدر متوسط بعد الكوكب المقترح بروسوبينا بحوالى ضعف هذه المسافة -12 بليون كيلو متر- ويبعد نطاق المذنبات عن الشمس عشرات أضعاف المسافة الأخيرة.
وعلى ذلك، فالأرض هى ثالثة الكواكب بُعدًا عن الشمس، وهى تجرى حول الشمس فى فلك بيضاوى -إهليلجى- قليل الإستطالة بسرعة تقدر 29.6 كيلو متر فى الثانية، لتتم دورتها هذه فى سنة شمسية مقدارها 365.25 يوم تقريبًا، وتدور حول نفسها بسرعة مقدارها 27.8 كيلو متر فى الدقيقة، عند خط الإستواء، فتتم دورتها هذه فى يوم مقداره 24 ساعة تقريبًا، يتقاسمه ليل ونهار، بتفاوت يزيد وينقص حسب الفصول التى تنتج بسبب ميل محور دوران الأرض على دائرة البروج بزاوية مقدارها ست وستون درجة ونصف تقريبًا، ويُعزى للسبب نفسه تتابع الدورات الزراعية، وهبوب الرياح، وهطول الأمطار، وفيضان الأنهار بإذن الله.
والأرض كوكب فريد فى كل صفة من صفاته، مما أهَّله بجدارة أن يكون مهدًا للحياة الأرضية بكل مواصفاتها، ولعل هذا التأهيل هو أحد مقاصد الآية القرآنية الكريمة التى يقول فيها الحق تبارك وتعالى: {وَفِى الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} [الذاريات:20]، ولعل من أوضح هذه الآيات البينات ما يلى:
[] أولاً: بعد الأرض عن الشمس:
يقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالى مائة وخمسين مليونًا من الكيلو مترات، وقد إستخدمت هذه المسافة كوحدة فلكية للقياس فى فسحة الكون، ولما كانت كمية الطاقة التى تصل من الشمس إلى كل كوكب فى مجموعتها تتناسب تناسبًا عكسيًا مع بعد الكوكب عن الشمس، وكذلك تتناسب سرعة جريه فى مداره حولها، بينما يتناسب طول سنة الكوكب تناسبًا طرديًا مع بعده عنها -وسنة الكوكب هى المدة التى يستغرقها فى إتمام دورة كاملة حول الشمس- إتضحت لنا الحكمة البالغة من تحديد بعد الأرض عن الشمس، فقد قُدَّرت الطاقة التى تشعها الشمس من كل سنتيمتر مربع على سطحها بحوالى عشرة أحصنه ميكانيكية، ولا يصل الأرض سوى جزء واحد من بليونى جزء من هذه الطاقة الهائلة، وهو القدر المناسب لنوعية الحياة الأرضية، ولتنشيط القوى الخارجية التى تعمل على تسوية سطح الأرض، وتكوين التربة، وتحريك دورة المياه حول الأرض، وغير ذلك من الأنشطة الأرضية.
ولطاقة الشمس الإشعاعية صور عديدة أهمها: الضوء الأبيض، والحرارة، الأشعة تحت الحمراء، والأشعة السينية، والأشعة فوق البنفسجية، ونسب هذه المكونات للطاقة الشمسية ثابتة فيما بينها، وإن إختلفت كمية الإشعاع الساقط على أجزاء الأرض المختلفة بإختلاف كلٍ من الزمان والمكان.
وحزمة الضوء الأبيض تتكون من الأطياف السبعة -الأحمر، والبرتقالى، والأصفر، والأخضر، والأزرق، والنيلى، والبنفسجى- وتقدر نسبتها فى الأشعة الشمسية التى تصل إلى الأرض بحوالى 38%، ولها أهمية بالغة فى حياة كلٍ من النبات والحيوان والإنسان، وتبلغ أقصى مدى عند منتصف النهار عمومًا، وعند منتصف نهار الصيف خصوصًا، لأن قوة إنارة أشعة الشمس لسطح الأرض تبلغ فى الصيف ضعفى ما تبلغه فى الشتاء.
أما الأشعة تحت الحمراء فتقدر نسبتها فى أشعة الشمس التى تصل إلى الأرض بحوالى 53%، ولها دورها المهم فى تدفئة الأرض وما عليها من صور الحياة، وفى كافة العمليات الكيميائية التى تتم على سطح الأرض وفى غلافها الجوى الذى يرد عنا قدرًا هائلاً من حرارة الشمس، فكثافة الإشعاع الشمسى، والتى تقدر بحوالى 2 سعر حرارى على كل سنتيمتر مربع من جو الأرض فى المتوسط يتشتت جزء منها بواسطة جزيئات الهواء وقطرات الماء وهباءات الغبار السابحة فى جو الأرض، ويُمتص جزء آخر بواسطة كلٍ من غاز الأوزون وبخار الماء، ومتوسط درجة الحرارة على سطح الأرض يقدر بحوالى عشرين درجة مئوية وإن تراوحت بين حوالى 74 درجة مئوية تحت الصفر فى المناطق القطبية المتجمدة و55 درجة مئوية فى الظل فى أشد المناطق والأيام قيظًا.
أما الأشعة فوق البنفسجية فتقدر نسبتها بحوالى 9% من مجموع أشعة الشمس التى تصل إلى الأرض، وذلك لأن غالبيتها تُمتص أو تُرد بفعل كلٍّ من النطاق المتأين ونطاق الأوزون الذى جعلهما ربنا تبارك وتعالى من نطق الحماية للحياة على الأرض، ويُقدَّر ما يصل إلى الأرض من طاقة الشمس بحوالى ثلاثة عشر مليون حصانًا ميكانيكيًا على كل كيلو متر مربع من سطح الأرض فى كل ثانية، وتُقدَّر قيمته ببلايين الدولارات مما لا قبل للبشرية كلها بتحمله أو وفاء شكر الله عليه.
ولو كانت الأرض أقرب قليلاً إلى الشمس لكانت كمية الطاقة التى تصلها كافية لإحراق كافة صور الحياة على سطحها، ولتبخير مياهها، ولخلخلة غلافها الغازى.
فكوكب عطارد الذى يقع على مسافة تقدر بحوالى 39.0 من بُعْد الأرض عن الشمس تتراوح درجة حرارة سطحه بين 220 درجة مئوية فى وجهه المضىء و27 درجة مئوية فى وجهه المظلم، وكوكب الزهرة الذى يقع على مسافة تقدر بحوالى 0.27 من بُعْد الأرض عن الشمس تصل درجة الحرارة على سطحه إلى 457 درجة مئوية.
وعلى النقيض من ذلك فإن الكواكب الخارجة عن الأرض كالمريخ، المشترى، زحل، يورانوس، نبتيون، بلوتو لا يصلها قدر كافٍ من حرارة الشمس فتعيش فى برودة قاتلة لا تقوى الحياة الأرضية على تحملها.
ولذلك فإنه من الواضح أن بعد الأرض عن الشمس قد قدره ربنا تبارك وتعالى بدقة بالغة، تسمح للأرض بتلقى قدر من طاقة الشمس يتناسب تمامًا مع حاجات جميع الكائنات الحية على سطحها، وفى كلّ من مياهها، وهوائها بغير زيادة أو نقصان إلا فى الحدود الموائمة لطبيعة الحياة الأرضية فى مختلف فصول السنة.
فلو كانت الأرض على مسافة من الشمس تقدر بنصف بعدها الحالى لزادت كمية الطاقة التى تتلقاها أرضنا منها إلى أربعة أمثال كميتها الحالية، ولأدَّى ذلك إلى تبخير الماء وخلخلة الهواء وإحتراق جميع صور الحياة على سطحها.
ولو كانت الأرض على ضعف بعدها الحالى من الشمس لنقصت كمية الطاقة التى تتلقاها إلى ربع كميتها الحالية، وبالتالى لتجمدت جميع صور الحياة وإندثرت بالكامل.
وبإختلاف بعد الأرض عن الشمس قربًا أو بعدًا يختلف طول السنة، وطول كل فصل من الفصول نقصًا أو زيادة، مما يؤدى إلى إختلال ميزان الحياة على سطحها فسبحان من حدد للأرض بعدها عن الشمس، وحفظها فى مدارها المحدد، وحفظ الحياة على سطحها من كل سوء.
[] ثانيًا: أبعاد الأرض:
يقدر حجم الأرض بحوالى مليون كيلو متر مكعب، ويقدر متوسط كثافتها بحوالى 5.52 جرام للسنتيمتر المكعب، وعلى ذلك فإن كتلتها تقدر بحوالى الستة آلاف مليون مليون مليون طن، ومن الواضح أن هذه الأبعاد قد حددها ربنا تبارك وتعالى بدقة وحكمة بالغتين، فلو كانت الأرض أصغر قليلاً لما كان فى مقدورها الإحتفاظ بأغلفتها الغازية والمائية، وبالتالى لإستحالت الحياة الأرضية، ولبلغت درجة الحرارة على سطحها مبلغًا يحول دون وجود أى شكل من أشكال الحياة الأرضية، وذلك لأن الغلاف الغازى للأرض به من نطق الحماية ما لا يمكن للحياة أن توجد فى غيبتها، فهو يرد عنا جزءًا كبيرًا من حرارة الشمس وأشعتها المهلِكة، كما يرد عنا قدرًا هائلاً من الأشعة الكونية القاتلة، وتحترق فيه بالإحتكاك بمادته أجرام الشهب وأغلب مادة النيازك، وهى تهطل على الأرض كحبات المطر فى كل يوم.
ولو كانت أبعاد الأرض أكبر قليلاً من أبعادها الحالية لزادت قدرتها على جذب الأشياء زيادة ملحوظة، مما يعوق الحركة، ويحول دون النمو الكامل لأى كائن حى على سطحها إن وجد، وذلك لأن الزيادة فى جاذبية الأرض تمكنها من جذب المزيد من صور المادة والطاقة فى غلافها الغازى، فيزداد ضغطه على سطح الأرض، كما تزداد كثافته، فتعوق وصول القدر الكافى من أشعة الشمس إلى الأرض، كما قد تؤدى إلى إحتفاظ الأرض بتلك الطاقة، كما تحتفظ بها الصُوَب النباتية على مر الزمن، فتزداد بإستمرار وترتفع حرارتها إرتفاعًا يحول دون وجود أى صورة من صور الحياة الأرضية على سطحها.
ويتعلق طول كلٍ من نهار وليل الأرض وطول سنتها بكلٍ من بعد الأرض عن الشمس، وبأبعادها ككوكب يدور حول محوره، ويجرى فى مدار ثابت حولها.
فلو كانت سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس أعلى من سرعتها الحالية لقصر طول اليوم الأرضى -بنهاره وليله- قصرًا مُخلاً، ولو كانت أبطأ من سرعتها الحالية لطال يوم الأرض طولاً مُخلاً، وفى كلتى الحالتين يختل نظام الحياة الأرضية إختلالاً قد يؤدى إلى إفناء الحياة على سطح الأرض بالكامل، إن لم يكن قد أدى إلى إفناء الأرض ككوكب إفناء تامًا، وذلك لأن قصر اليوم الأرضى أو إستطالته بنهاره وليله يُخِل إخلالاً كبيرًا بتوزيع طاقة الشمس على المساحة المحددة من الأرض، وبالتالى يُخِل بجميع العمليات الحياتية مثل النوم واليقظة، والتنفس والنتح، وغيرها، كما يُخِل بجميع الأنشطة المناخية، مثل الدفء والبرودة، والجفاف والرطوبة، وحركة الرياح والأعاصير والأمواج، وعمليات التعرية المختلفة، ودورة المياه حول الأرض وغيرها من أنشطة، كذلك فلو لم تكن الأرض مائلة بمحورها على مستوى مدار الشمس ما تبادلت الفصول، وإذا لم تتبادل الفصول إختل نظام الحياة على الأرض.
وبالإضافة إلى ذلك فإن تحديد مدار الأرض حول الشمس بشكله البيضاوى -الإهليلجى- وتحديد وضع الأرض فيه قربًا وبعدًا على مسافات منضبطة من الشمس يلعب دورًا مهمًا فى ضبط كمية الطاقة الشمسية الواصلة إلى كل جزء من أجزاء الأرض، وهو من أهم العوامل لجعلها صالحة لنمط الحياة المزدهرة على سطحها، وهذا كله ناتج عن الإتزان الدقيق بين كلٍ من القوة الطاردة -النابذة- المركزية التى دفعت بالأرض إلى خارج نطاق الشمس، وشدة جاذبية الشمس لها، ولو إختل هذا الإتزان بأقل قدر ممكن فإنه يعرض الأرض إما للإبتلاع بواسطة الشمس، حيث درجة حرارة قلبها تزيد على خمسة عشر مليونًا من الدرجات المطلقة، أو تعرضها للإنفلات من عقال جاذبية الشمس، فتضيع فى فسحة الكون المترامية، فتتجمد بمن عليها وما عليها، أو تحرق بواسطة الأشعة الكونية، أو تصطدم بجرم آخر، أو تبتلع بواسطة نجم من النجوم والكون من حولنا ملىء بالمخاطر التى لا يعلم مداها إلا الله تعالى والتى لا يحفظنا منها إلا رحمته سبحانه وتعالى ويتمثل جانب من جوانب رحمة الله بنا فى عدد من السنين المحددة التى تحكم الأرض كما تحكم جميع أجرام السماء فى حركة دقيقة دائبة لا تتوقف ولا تتخلف حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
الكاتب: أ.د. زغلول النجار.