الرئيسية / مقالات
عشية الثامن من آذار.. الورود لم تعد تكفي
تاريخ النشر: الثلاثاء 06/03/2018 06:23
عشية الثامن من آذار.. الورود لم تعد تكفي
عشية الثامن من آذار.. الورود لم تعد تكفي

خلال السنوات الاخيرة دأبت العديد من المؤسسات الرسمية والأهلية والخاصة على القيام بالأنشطة والفعاليات المختلفة احتفالاً بذكرى الثامن من آذار، وهو يوم المرأة العالمي. وتنوعت الفعاليات تنوع المؤسسات والأفكار والإمكانيات وغيرها من الأمور التي تشكل الأساس لإحياء هذه المناسبة، أو التعبير عنها. وهي بالإطار العام تعبير رمزي يراد منه الإشارة الى الإقرار والإعتراف بالحقوق المتساوية للنساء في مجالات الحياة كافة، أسوة بالذكور. وكذلك التعبير عن رفض مبدأ التمييز ضد النساء بكل أشكاله وأنواعه وما ينتج عنه من انتهاك للحقوق تصل الى درجة انتهاك أبسط واهم الحقوق الإنسانية وهو الحق في الحياة.
أساس فكرة هذا اليوم جاءت تاريخياً تخليداً لذكرى العاملات اللواتي سقطن في هذا اليوم من العام 1956 في مدينة نيويورك على يد قوات الإمن التي استخدمت العنف في مواجهة احتجاجي إضراب للعاملات على ظروف وشروط عملهن القاسية، وللمطالبة بتحسينها. مضت عدة عقود حتى أحيت بعض الأحزاب السياسية والحركات الإجتماعية في الولايات المتحدة نفسها تلك المناسبة بتظاهرات عام 1908حمل المشاركون فيها ذكوراً واناثاً الورود تعبيراً عن سلميتها في نفس تاريخ ذلك اليوم. ومرت عدة عقود أخرى حتى أقرت الامم المتحدة في العقد الذي اطلقته في العام 1975 تحت اسم "عقد المرأة" إعتبار يوم الثامن من آذار كل عام مناسبة عالمية، تعبر عن رمزية النضال من أجل تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في كل مناحي الحياة.
العقد الذي اقرته الامم المتحدة (75-1985) والمؤتمرات الثلاث التي عقدت خلاله في كل من المكسيك، كوبنهاجن ونيربوبي، والمؤتمرات اللاحقة في بكين وغيرها شكّل نقطة التحول التي أعطت رمزية هذا اليوم العالمي آليات مناسبة لتهيئة الظروف وتحويل المعاني الرمزية له الى حقائق على أرض الواقع. وشكلت الوثائق والدراسات التي ناقشتها هذه المؤتمرات، وشمولية المشاركين فيها كل أنحاء الكرة الأرضية، وتمثيلها لكل المؤسسات الرسمية والشعبية بمثابة كرة الثلج التي أنتجت في تدحرجها إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" التي إعتمدتها الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في العام 1979. ومع استمرار تدحرجها أنتجت آليات للرقابة على تنفيذ الإتفاقية وقياس مدى التقدم الحاصل على التقيد بنصوصها وبنودها.
بدون الانعزال عن هذه التطورات، وبجهود الحركة النسوية الفلسطينية والهيئات والمؤسسات المناصرة لها تصاعدت الجهود ووتيرة النضال من أجل مكافحة التمييز والعنف ضد النساء، ومساواتهن في مختلف مجالات الحياة. وإنخرطت مؤسسات المجتمع الفلسطيني عموماً، والنسوية والحقوقية منها خصوصاً فيما يشبه ورشة عمل متواصلة لتقصي جذور ومنابع التمييز والعنف ضد المرأة، والبحث عن السبل والوسائل التي تكفل تفكيك حلقاته المختلفة وكسرها، كمقدمة لبناء أسس صحيحة لمجتمع ديمقراطي فلسطيني تسوده العدالة والمساواة.
في التاريخ القريب ساهمت مشاركة النساء الفاعلة في مجرى النضال الوطني الفلسطيني للإستقلال والتحرر من نير الإستعمار عاملاً اضافياً أعطى دفعة لتأسيس مجموعة مفاهيم ومصطلحات مرتبطة بالمساواة والعدالة، وجدت تعبيرات وأشكال مختلفة عنها في الوثائق والأدبيات التاريخية والقانونية الفلسطينية المعاصرة كوثيقة استقلال دولة فلسطين التي أقرها المجلس الوطني الفلسطيني في الخامس عشر من تشرين ثاني عام 1988، ثم لاحقاً في عدد من نصوص ومواد القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003، الذي يعتبر بمثابة دستور مؤقت لدولة فلسطين، وكذلك الحال في بعض القوانين والتشريعات اللاحقة كقانون الإنتخابات العامة وقانون انتخابات مجالس الهيئات المحلية والعمل .. وغيرها من القوانين، الأنظمة، اللوائح التنفيذية، والقرارات الحكومية التي شكلت جميعها أسس معقولة لإنطلاق عجلة النضال من أجل المساواة بوتيرة أقوى وأسرع، وتطبيقات محددة تتناول كل حلقات العنف والتمييز وتعمل من أجل تفكيكها وكسرها.
إذا كانت مصادقة دولة فلسطين على اتفاقية "سيداو" في نيسان عام 2014 بدون تحفظات على أي من موادها وبنودها ثمرة من ثمار هذا الجهد والعمل النضالي المتواصل، فإنها في نفس الوقت شكلت بمثابة رافعة إضافية من الممكن أن تساهم في دفع المسيرة الى الأمام، وإعطاء مفاهيم كالعدالة، المساواة معنى واقعي وملموس في كل مجالات حياة المجتمع. ومن المتوقع أن تساهم آليات الرقابة المعتمدة في الامم المتحدة في دفع المسيرة قدماً الى الأمام. وتشكل ثالثاً محل الإختبار الحقيقي والملموس وإمتحان فعلي للقدرة على تحويل المفاهيم والإلتزامات النظرية الى خطوات وأفعال تعكس وتعبر عن مدى الإستعداد للإلتزام بما تم التوقيع عليه.
قدمت دولة فلسطيت تقريرها الأولي الأول الى لجنة الامم المتحدة المعنية بمتابعة مدى التقدم الذي تحرزه الدول المعنية في تطبيق نصوص اتفاقية سيداو في آذار عام 2017، ثم قدمت مؤسسات المجتمعات المدني ما اصطلح على تسميته "تقرير الظل" الذي تعبر فيه عن رؤيتها، ومن زاويتها هي، ونظرتها لمدى النجاحات التي حققتها الجهات الرسمية في التقيد بالإتفاقية وكذلك الإخفاقات، وأبرز التوجهات التي يمكن التركيز عليها وفق أولويات هذه المؤسسات ورؤيتها لنصوص الإتفاقية مقارنة بالواقع القائم.
رغم أن التقرير الرسمي لدولة فلسطين يشير على مدار ما يزيد عن (70) صفحة الى التقدم الذي احرزته الدولة في مجال تطبيق الاتفاقية، ويعدد كل الخطوات والتطورات في المجالات كافة، إلا أنه يعترف في أكثر من مكان بأنه لا يزال هناك العديد من الجوانب التي يتوجب العمل عليها حتى بلوغ مرحلة التطبيق الفعلي على أرض الواقع. وكذلك الحال بالنسبة لتقارير الظل التي قدمتها مؤسسات المجتمع المدني، التي وإن أقرت أن هناك تقدم تم إحرازه فعلاً، إلا أنها إجمالا أشارت الى أن الهوة لا تزال شاسعة بين الإلتزامات والتعهدات وبين تحويلها الى خطوات ملموسة على ارض الواقع.
وبدون الخوض في تفاصيل التقرير الرسمي للدولة وتقارير الظل فإنه يمكن إجمال القضايا التي لا تزال تحول دون التطبيق الفعلي لنصوص الاتفاقية فمن خلال نظره على مجمل القضايا التي أشارت لها اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة (لجنة "سيداو") في إجمال إستفساراتها وملاحظاتها على التقرير المقدم من دولة فلسطين، والتي من المتوقع أن تتلقى رداً رسمياً عليها خلال دورة اجتماعاتها المقبلة في تموز القادم من هذا العام.
في مجال التشريعات والسياسات تتساءل اللجنة عن الخطوات التي إتخذتها الدولة لموائمة التشريعات مع نصوص الاتفاقية، ويشمل ذلك نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية والأثر القانوني الذي قد يحدثه هذا النشر. كما تتساءل اللجنة عن التدابير التي إتخذتها الدولة لإلغاء كل التشريعات التي تميز ضد النساء. وتشير اللجنة هنا بشكل خاص الى "قانون الأحوال الشخصية"، ونوع التدريب الذي تقدمه الدولة للقضاة والمحامين والأئمة للتأكد من أن نصوص الشريعة الاسلامية لا تتناقض مع نصوص الاتفاقية. وتطلب اللجنة من الدولة تبيان الخطوات التي تم إتخاذها في مجال إستكمال عمليات المصالحة، وخاصة فيما يتعلق بإنتظام عمل المجلس التشريعي لاحقاً وممارسته لدوره في التشريع، وقيامه بمهمة توحيد القوانين في الضفة الغربية وقطاع غزة. والآليات التي يمكنه إتباعها في الرقابة على أداء السلطة التنفيذية عامة، وفي مجال التأكد من أن التشريعات المستقبلية تتوائم مع نصوص الاتفاقية خاصة. كما تسأل اللجنة عن عملية جمع وتصنيف البيانات المرتبطة بموضوع التمييز ضد النساء، وما الذي تنوي الدولة إتخاذه من إجراءات لتحديد الجهة المسئولة عن هذا الأمر.
في مجال التقاضي فإن اللجنة تشير الى أهمية موضوع المساواة في القدرة على الوصول الى القضاء، والتدابير التي إتخذتها الدولة لضمان حصول النساء على هذا الحق. كما تشير اللجنة الى شكل العلاقة بين المحاكم الدينية والمدنية، والعلاقة بين القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية، وتتساءل إذا ما كان بإمكان النساء اللجوء الى المحاكم المدنية للإعتراض على قرارات تصدر عن المحاكم الدينية. وهو بغية التأكد من أن نص المادة (30) في القانون الأساسي الفلسطيني التي تنص على أن "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة" يجد له تطبيق فعلي على أرض الواقع.
بالنسبة لدور وزارة شؤون المرأة كجهاز مسئول عن تحقيق المساواة للنساء، وكذلك بالنسبة لوحدات النوع الأجتماعي في الهيئات الحكومية فإن اللجنة تطلب توضيحات من الدولة حول طبيعة التحديات التي تواجهها، والإمكانيات والموارد البشرية والمالية التي توفرها لها الدولة لتمكينها من أداء دورها في مختلف المجالات. كما تتساءل اللجنة عن التدابير التي إتخذتها الدولة لمكافحة القوالب الإجتماعية النمطية والممارسات الضارة التي تكرس الأدوار النمطية والتقليدية بين المرأة والرجل، وما هي خطط الدولة من أجل تغيير هذه القوالب النمطية السائدة في الثقافة المجتمعية. وقدرة هذه التدابير على مواجهة بعض الممارسات الإجتماعية السائدة كالزواج المبكر مثلاً.


في مجال مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة فإن اللجنة تتساءل عن التدابير المتخذة من الدولة من أجل تعزيز مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار وخاصة في المجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وغيرها من الأجهزة والمؤسسات العامة، حيث لا تزال نسب مشاركة النساء ضعيفة ولا ترقى لمستوى المساواة المطلوبة. وبالنسبة للمساواة في التعليم فإن اللجنة تركز على معرفة مدى التقدم ونوع التدابير المتخذة خاصة على صعيد تطوير مناهج التعليم، بصورة تكفل التصدي للأفكار النمطية السائدة عن أدوار الرجال والنساء، وضمان إحتواء هذه المناهج على ما من شأنه تعزيز الوعي بالحقوق المختلفة للنساء، بما فيها الحقوق الصحية، الجنسية، والصحة الإنجابية، وكذلك كيفية معالجة إرتفاع نسب الأمية بين الإناث، والإجراءات الكفيلة بضمان حصول النساء على التعليم الإلزامي المجاني، وإنخراط النساء بصورة متساوية في كافة مجالات الدراسة العلمية والتكنولوجية، وزيادة التحاق النساء بالمهن التي تعتبر في الثقافة المجتمعية حكراً على الذكور، وكيفية التصدي في هذا المجال للأفكار النمطية السائدة حول الأدوار التقليدية للنساء والرجال.
ينطبق الأمر ذاته على مشاركة النساء في الحياة الإقتصادية للمجتمع، ويشمل ذلك موضوع التمكين الإقتصادي للنساء، وزيادة نسبة إلتحاقهن في سوق العمل، وتحسين نوعية وطبيعة المجالات التي يلتحقن بها، وكسر االأفكار النمطية السائدة حول المهن التقليدية التي يلتحق بها كل من الرجال والنساء. كما تطلب اللجنة معرفة ما هي الإجراءات التي تتخذها الدولة لمحاربة تفشي البطالة في صفوف النساء، ومكافحة الممارسات السلبية كالتحرش الجنسي في أماكن العمل، والتمييز في الأجور على أساس الجنس.
بالنسبة للحقوق الصحية فإن اللجنة تطلب من الدولة تحديد ما هي التحديات المختلفة التي تواجهها النساء في الحصول على المساواة في الحقوق الصحية المختلفة. وكذلك الحال بالنسبة للإجراءات المتخذة من أجل تعزيز مشاركة الفئات المهمشة من النساء، كالنساء الريفيات، وضمان حقهن في الوصول الى والحصول على الحقوق الصحية والإجتماعية والخدماتية الحياتية، ونفس الأمر ينطبق على النساء ذوات الاعاقة وحقوقهن المختلفة، وبرامج الحماية الإجتماعية والإقتصادية التي تقدمها الدولة لهن. وهناك جملة من الأسئلة التي تطرحها اللجنة على الدولة لتبيان الإجراءات والتدابير التي إتخذتها أو تنوي إتخاذها لضمان التطبيق الفعال لمجمل نصوص وبنود اتفاقية "سيداو" فيما يتعلق بموضوع الزواج والعلاقات الأسرية وهو ما يمكن أن يفتح المجال لنقاش واسع حول الكثير من القضايا والأمور التي لم يتم طرقها سابقا سواء من الدولة وجهزتها أو حتى من المؤسسات الحقوقية والنسوية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني كالمادة (308) من قانون العقوبات الساري حالياً مثلاً، والتي تتعلق بموضوع إسقاط عقوبة الإغتصاب عن المُغتَصِب في حال زواجة من المُغتَصَبَة.
خلاصة القول ان العرض الإجمالي الموجز أعلاه حول بعض تساؤلات (لجنة سيداو) التي يجب على دولة فلسطين الإجابة عليها في تقريرها القادم الى اللجنة تشير الى أن هناك الكثير مما لا زال يتوجب عمله سوء من قبل الدولة وأجهزتها المختلفة، أو من مؤسسات المجتمع عموماً حتى نصل الى مرحلة يمكننا القول فيها أننا قطعنا شوطاً جيداً في تطبيق اتفاقية "سيداو"، وهو ما يمكن أن يعطي مناسبة الثامن من آذار يوم المرأة العالمي طابعه الخاص على المستوى الفلسطيني. وحينها فقط يمكننا تحويل الفعاليات الرمزية التي نقوم بها إحتفالاً بالمناسبة الى معاني فعلية على أرض الواقع، لأن الورود وغيرها من المظاهر الرمزية لم تعد تكفي.

نبيل دويكات
رام الله- 6 آذار 2018


 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017