ظَهَر وليد الإبراهيم، مؤسس شركة MBC، التي تُعَد أكبر شركةٍ إعلامية في العالم العربي، بعد اعتقاله في حملة مكافحة الفساد السعودية ليُعلن احتمالية إقامة مشروع مشترك مع الحكومة، مما يشير إلى وصول نفوذ النخبة الحاكمة إلى قطاع الشركات، في ظل استعداد ولي العهد السعودي لإجراء جولةٍ في الولايات المتحدة لجذب المستثمرين.
إذ قال الإبراهيم وفق صحيفة The Wall Street Journal الأميركية إنَّ الحكومة تُجري مفاوضاتٍ لشراء حصة أغلبية في شركته الإعلامية، مقابل احتفاظه بنسبة 40% من أسهم الشركة ومنصب رئاستها. وأكَّد الإبراهيم أنَّه لم يتنازل عن الشركة، مقابل إطلاق سراحه من اعتقاله في حملة مكافحة الفساد، لكنَّ أشخاصاً مُطَّلعين على المناقشات قالوا في وقتٍ سابق من الشهر الجاري، مارس/آذار، إنَّه تنازل عن الشركة مقابل حريته.
وفي لقاءٍ مع صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نظَّمه مسؤولون سعوديون، في وقتٍ متأخر من يوم الجمعة 16 مارس/آذار، قال الإبراهيم إنَّ الحكومة السعودية تتفاوض مع المساهمين الأربعة الآخرين -من بينهم 3 من أقرباء الإبراهيم- لشراء نسبة الـ60% المتبقية من الشركة التلفزيونية التي يقع مقرها في دبي.
أسهمي ما زالت معي
تحدَّث الإبراهيم (57 عاماً) علانيةً لأول مرةٍ، منذ إطلاق سراحه بعد احتجازه لمدة 87 يوماً في فندق الريتز كارلتون بالعاصمة السعودية الرياض، الذي استُخدِم كسجنٍ ومركز تحقيق مؤقتين في حملة مكافحة الفساد التي قادها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
كان الهدف من الحملة هو إظهار عدم تسامح الحكومة مع الفساد، في ظل سعيها لتنويع مصادر الاقتصاد في المملكة، بدلاً من اعتمادها على النفط فقط، وفق The Wall Street Journal.
وقال الإبراهيم إنَّه لم يُتَّهم بارتكاب أي مخالفات قط، مؤكداً أنَّه احتُجِز في فندق الريتز كارلتون بصفته شاهداً. وأضاف في اللقاء الذي أُجريَ على المسبح في أحد الممتلكات الخاصة بأحد أشقائه، حيثُ يعيش منذ إطلاق سراحه، في يناير/كانون الثاني: "صحيحٌ أنَّني قضيت بعض الوقت في فندق الريتز، لكنَّ أسهمي ما زالت معي. أنا لن أبيعها وإذا كانت الحكومة تشتري نصيباً من الشركة، فهي تريدني أن أديرها في المستقبل".
يُذكَر أنَّ الإبراهيم كان من بين 380 شخصية سعودية -من بينهم رجال أعمال بارزون ومسؤولون حكوميون بل وحتى أمراء- اعتُقلوا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي 2017، في حملةٍ لمكافحة الفساد، وبعضهم اعتُقِل للاستجواب فقط. وأُخلِيَ فندق الريتز من المعتقلين، في شهر فبراير/شباط الماضي، بعدما وافق العديد من المتهمين على التنازل عن أموالٍ أو أصولٍ قدَّرتها الحكومة بنحو 400 مليار ريال سعودي (107 مليارات دولار).
غموض تحقيقات الفساد أربك قطاع الشركات
جديرٌ بالذكر أنَّ غموض تحقيقات الفساد وتدخُّل الحكومة المتزايد في إدارة بعض أكبر الشركات في السعودية قد أربكا قطاع الشركات.
ومن المقرر أن يبدأ بن سلمان، الإثنين 19 مارس/آذار2018، جولته في الولايات المتحدة لمدة نحو 3 أسابيع، بجدول أعمال تأتي في مقدمته طمأنة المستثمرين العالمين بأنَّ السعودية مكانٌ آمن لأموالهم. ومن المتوقع كذلك أن يشرف في الجولة على العديد من الصفقات التجارية، من بينها استحواذ صندوق الثروة السيادي السعودي على حصةٍ بقيمة 400 مليون دولار من شركة إنديفور الأميركية، التي تضم أكبر وكالة مواهب في العالم.
ليس الإبراهيم هو المعتقل الوحيد من معتقلي الريتز السابقين الذي تحدَّث لمصلحة القيادة السعودية، إذ دافع الأمير الوليد بن طلال كذلك في مقابلةٍ مع وكالة رويترز عن طريقة تعامل الحكومة في تحقيقات الفساد، ونشر مؤخراً صورةً تجمعه مع الملك سلمان على موقع تويتر.
بن سلمان لطالما أعرب عن اهتمامه بالاستحواذ على شركة MBC
جديرٌ بالذكر أنَّ محمد بن سلمان لطالما أعرب عن اهتمامه بالاستحواذ على شركة MBC. إذ تصل الشركة الإعلامية الخاصة البارزة في الشرق الأوسط إلى نحو 150 مليون مشاهد يومياً في جميع أنحاء المنطقة، فضلاً عن وجود حصةٍ سوقية بنسبة 50% من أسهمها في السعودية وحدها وفقاً لإحصاءات الشركة.
وقال أشخاصٌ مُقرَّبون من إدارة الشركة، إنَّ بعض المقربين من بن سلمان يتفاوضون مع الإدارة منذ عامين على شراء الشركة. بينما قال الإبراهيم إنَّ البيع سيتم على الأرجح.س
وقال الإبراهيم: "اتفاقي مع المساهمين الآخرين يقتضي منِّي الموافقة على ذلك. وأنا أوافق عليه بالفعل إذا حدث"، مضيفاً أنَّ تقدير قيمة الشركة يتراوح بين 3.5 و4 مليارات دولارات.
لكن أحد المُقرَّبين من إدارة الشركة قال إنَّ الحكومة السعودية عارضت تقدير قيمة الشركة بهذا الرقم، مؤكدةً أنَّ القيمة ينبغي أن تبلغ نحو 2.5 مليار دولار فقط. وقال الشخص نفسه إنَّ الحكومة قد تُكمل الصفقة مع شركة MBC في غضون أيام. وستسمح عملية البيع للإبراهيم بالبقاء في منصب رئاسة الشركة التي أسَّسها عام 1991، حتى وإن كانت ستُجرِّد أسرته من ملكية حصة الأغلبية.
من ضغط لإيقاف المسلسلات التركية؟
جديرٌ بالذكر أنَّ شركة MBC توقَّفت في وقتٍ سابق من الشهر الجاري عن عرض مسلسلات تركية درامية شعبية، في خطوةٍ جاءت بناءً على طلب بن سلمان لإرسال رسالةٍ سياسية إلى تركيا، وفقاً لما ذكره بعض المُطَّلعين على القرار.
وقال الإبراهيم إنَّ قرار وقف العرض جاء نتيجةً لضغطٍ سياسي مستمر منذ سنوات من جانب الإمارات العربية المتحدة ومصر على وجه الخصوص، إذ إنَّهما على خلافٍ مع تركيا.
وأضاف الإبراهيم أنَّه يرى الآن فُرصاً سانحة لنمو MBC في السعودية مع الدعم الحكومي. واجتمع الإبراهيم مع بن سلمان، يوم الإثنين الماضي 12 مارس/آذار، للمرة الأولى منذ انتهاء تحقيقات الفساد لمناقشة مشروعٍ لبناء مركز إعلامي مشترك في مدينة نيوم الاقتصادية، التي تبلغ مساحتها 10 آلاف ميل مربع (25900 كيلومتر مربع)، وتقع في شمال غربي المملكة، حسب The Wall Street Journal.
تُعَد المدينة جزءاً من سلسلةٍ من المبادرات الطموحة التي يقودها بن سلمان، الذي يسعى لتحويل المملكة العربية السعودية من دولةٍ معتمدة على النفط فقط إلى مركزٍ للتقنيات الجديدة والابتكار.
وقال الإبراهيم إنَّه يفكر في فتح مسارح في المملكة العربية السعودية، للاستفادة من رفع الحظر المفروض على دور العرض.
وأضاف الإبراهيم أنَّه قضى معظم وقته في فندق الريتز في مشاهدة التلفزيون. ومارس تمارين رياضية باستخدام زجاجات مياه كبيرة كأثقال.
وفقَّد كذلك نحو 50 رطلاً (22.5 كيلوغرام) من خلال صيامٍ متقطع. وبينما لم يكن لديه إمكانية استخدام الإنترنت أو الهاتف المحمول، قال إنَّه كان يتحدث بانتظام إلى أفراد أسرته ومحاميه كذلك في بعض الأحيان باستخدام أحد هواتف الفندق. وقال إنَّه لم يكن يتفاعل مع المحتجزين الآخرين الذين كان من بينهم 4 مساهمين آخرين في شركة MBC.
ولم يغادر الإبراهيم أراضي السعودية منذ إطلاق سراحه، لكنَّه قال إنَّه مسموحٌ له بالسفر، مضيفاً أنَّه يعتزم زيارة مقر شركته بدبي في وقتٍ لاحق من الشهر الجاري.
جديرٌ بالذكر أنَّ بعض الأشخاص المُقرَّبين من الإبراهيم وصفوه بأنَّه "رجلٌ مُحطَّم" بعد المدة التي قضاها في فندق الريتز. لكنَّه قال إنَّه لا يشعر بالغضب.
وقال الإبراهيم: "عاملوني باحترام. أنا متيقنٌ من أنَّك إذا سألت أي شخص: "إذا عاد بك الزمن إلى الوراء، فهل ستفعل الأمر نفسه؟" سيقول لا. إنَّها تجربةٌ جديدة بالنسبة للجميع".
المصدر: هاف بوست