من رحم آلام الأمة وعذابات ملايين جماهيرها الكادحة وهي تكابد الجوع والفقر المدقع وواقع الجهل والضياع..ومن بين ظهرانيّ المكلومين وجراحات المعذبين والمسلوبين في أوطانهم الممزقة النازفة...ومن معمعان التخلف وحلكة الظلام الدامس الذي أسدل ستاره طويلاً على فضاء العرب وواقع أمتهم التي علمت البشرية سالف الزمان كل ذي صلة بالعلوم والطب والفلك والكتابة والرقي والحضارة...من بين الشقاق والأشلاء الممزقة والأجزاء المقطعة.. وسيادة إمارات الفساد والقمع والاستغلال والإقطاع والدكتاتورية، وأمراء التبعية والذيلية والسلبية ممن هانت عليهم أوطانهم وباعوا أشياءها وأجزاءها المقدسة، التي أضحت بين ليلة وضحاها سليبة الغزاة والطامعين والمستعمرين المستوطنين.. ورهنوا معها مقدرات وثروات الأمة جلها لقوى الامبريالية والصهيونية لقاء الحفاظ على مصالحهم الذاتية والآنانية....
..ومن وحي الإيمان بقدرة الأمة على تجاوز عذاباتها والقفز عن معيقات نهوضها.. ووصلّ حاضرها بماضيها.. كي تسبر أغوار مستقبلها المفعم بالأمل والتطلعات السامية..وكذلك الثقة المطلقة بقدرات وإمكانات الجماهير العربية الكادحة وجاهزيتها لخوض معركة الحرية والوحدة ودحر قوى الاستغلال والإقطاع والاستبداد وكل المشاريع الاستعمارية والصهيونية المعيقة لمسيرة الأمة في استعادة وعيها ودورها الطليعي والرائد بين الأمم.
من بين كل ذلك وعلى وقع ما تقدم وفي رحاب ذكرى السابع من نيسان الخالد من العام 1947م بزغت فلسفة البعث وأطل علينا بنوره معلناً أفول مرحلة التردد والنكوص والتراجع.. وخروج أمتنا من قمقم التخلف والعجز والإحباط والاستسلام لواقع التجزئة والتقسيم والاستلاب،والرضوخ لسطوة الاستغلال والإقطاع والقمع والاستبداد والديكتاتورية... إلى مربع العطاء والفداء والتضحية والإبداع الخلاق والتسلح بالجماهير العريضة من الكادحين في دروب النضال والكفاح في سبيل الوحدة والحرية والاشتراكية.. طريق الأحرار والثوار الأبطال الغيارى على عروبتهم.. ونحو العلياء والرفعة والتقدم والنهوض، واستعادة كامل الحقوق العربية المغتصبة وفي المقدمة منها الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة قضية العرب والبعث المركزية.
..نعم لقد شكلت انطلاقة البعث العربي الاشتراكي في السابع من نيسان سنة 1947م رافعةً جديدة للنهوض بواقع الأمة, وحلقة أخرى في مواجهة كل المشاريع الاستعمارية والتصفوية الهادفة النيل من وحدة الأمة وتقدمها وتحررها، وأضحى البعث معها بمثابة الصخرة الكأداء التي تحطمت على أطرافها كل ألأحلام الصهيونية والامبريالية وكل ما يحاك من مؤامرات ودسائس بحق أمتنا المجيدة...
ليس هذا فحسب فقد واصل حزب البعث زحفه النضالي الميمون وكانت تجربته الفريدة والنادرة في القطر العراقي الشقيق، وسلسلة الانجازات والإبداعات المرافقة لتلك التجربة خير شاهد على انجازات البعث وتضحياته الجسام والتي جعلت من العراق في ظل البعث عمقاً استراتيجياً للأمن القومي العربي وإنموذجاً يحتذى في عالمنا العربي، وخير سند لثورة الشعب العربي الفلسطيني في وجه الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، وعنوانا ومظلة يستظل بها كل الأحرار والمناضلين العرب الذين يقفون سدا منيعا في وجه كل المشاريع التآمرية والمشبوهة..مما أثار حفيظة الغرب الامبريالي ومعه كل القوى الاستعمارية والصهيونية التي أعدت العدة وجيّشت الجيوش وأقصى إمكانات قوى الأعداء والدول العظمى في سبيل القضاء على حالة النهوض العربي المواكبة لمسيرة البعث ونضاله..وفي سبيل اجتثاث جذوة البعث المتقدة..
نعم تداعّت جيوش الأمم على العراق كما تتداعى الأكلة على قصعّتها بعد أن خسرت الرهان على المطايا الصغار من فرس وغيرهم من العملاء والشراذم، وكانت حرباً ضروس أُستخدمت فيها كل أنواع أسلحة القتل والفتك والدمار، وهطلت معها النيران غزيرةً على بغداد العروبة، وواصلت إلقاء حممها واشتد أوارها طيلة ثلاثة عشر عاماً بشكل تصاعدي منذ العام 1991م حتى بلغت الذروة في العام 2003م، حيث وطأت أقدام الغزاة بلاد الرافدين ودنسوا أرضها حتى ظنوا ممات البعث ليطلقوا باكورة مشاريعهم الخبيثة وينثروا ما سموه الفوضى الخلاقة في ربوع وطننا العربي، عمدوا خلالها تسييد المشهد الطائفي المقيت على الحالة العربية، أملاً في المزيد من التفتيت والتقسيم، وعلى طريق وأد ودفن المشروع القومي العربي الوحدوي.
وفي ظل الاحتفاء بالذكرى الحادية والسبعين لانطلاقة المارد العربي يأتي هذا العام تأكيدٌ آخر على مواصلة البعث شق طريقه المخضب بدماء مئات الألاف من شهدائه الأبرار الذين خاضوا معركة الأمة وسطروا أروع الملاحم البطولية في المقاومة الباسلة ضد التحالف الأمريكي الصهيوني ومعهم كل الطامعين ببلادنا وكذلك المشاريع والمؤامرات المشبوهة.. وجعل من أجساد شهدائه الطاهرة جسراً للعبور بأمتنا نحو الخلاص والانعتاق من نير الاستعمار والصهيونية والصفوية.. وكذلك أنياب الاستغلال والاستحواذ والقمع والاستبداد والدكتاتورية والتفرد والفساد والتخلف المغروسة في الجسد العربي، ونحو تحقيق الأهداف النبيلة لجماهير أمتنا العريضة في الوحدة والحرية .
وعلى وقع الإحتفاء بالذكرى الحادية والسبعون لتأسيس حزبنا الشامخ حزب البعث العربي الإشتراكي وخطى مؤسسه القائد احمد ميشيل عفلق وهدي سيد شهداء العصر الشهيد الخالد صدام حسين وقيادة مقاومة البعث خير خلف لخير سلف الرفيق المجاهد عزت الدوري ..وبالرغم من شراسة العدوان والاستهداف لمسيرة بعثنا العظيم يواصل البعث ريادة نضال الأمة ..ولا زال يقف صخرةً كأداء صامداً شامخاً شموخ الجبال في وجه الرياح الاستعمارية العاتية, تتحطم على صخرة صموده تلك كل المؤامرات والدسائس قديمها وحديثها المحاكة في دهاليز الإمبريالية والصهيونية ومعها كل القوى الرجعية والطائفية ضد أمتنا ومشروع تحررها ونهضتها ..ويزداد البعث معها تصميما على خوض معركة الأمة بكل تفاصيلها حتى تحرير العراق وفلسطين وكل الأجزاء العربية السليبة تحريراً شاملاً وعميقا.
ورغم قساوة الظروف وحجم المؤامرة الكونية التي إستهدفت البعث العظيم ومحاولات إجتثاثه فقد أكد البعثيون دائماً وأبداً بصمودهم الأسطوري وثباتهم على المبادئ والقيم النضالية السامية والرفيعة انهم القادرون على البقاء في طليعة نضال الأمة وإفشال كل المؤامرات التي تستهدف الأمة وقضيتها المركزية –فلسطين- وأكدوا مرةً أخرى أن لا منجاة لأمتنا بغير البعث طريقا للوصول نحو العلياء والريادة مكان أمتنا الطبيعي بين الأمم ونحو الحرية والديمقراطية الحقة ونحو العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ومزيداً من التقدم والإزدهار والنهوض.
بقلم : ثائر محمد حنني
بيت فوريك – فلسطين المحتلة
نيسان - 2018