"هناك الشمس لا تغيب أبداً، والثلج لا يزول".
في هذه الأجرام السماوية القزمية الغامضة التي لا يتغير مناخها.
هناك شيء ما قد يكون مختبئاً منذ تريليونات السنين.
"إنها ليست مقدمة رواية خيال علمي مشوقة"، بل أسئلة ترصد ناسا مليارات الدولارات لإجابتها.
إذ تواصل وكالة "ناسا" الأميركية إرسال المركبات للفضاء، التي يبدو أنها قد تكتشف أشياء ستغير النظرة التقليدية للكون.
وتحاول التوصّل عبر تلسكوباتها إلى كواكب خارج النظام الشمسي، لكنها تقع في الوقت ذاته في النطاق الصالح للحياة حول نجومها المستضيفة.
"خردة فضائية" سيُصبِح هذا مصير مسبار الفضاء كيبلر، حسب توقعات ناسا، عندما ينفد وقوده في الأشهر القليلة القادمة، فيصبح بذلك خردة فضائية، ولكنه أدى مهمته بشكل جيد على ما يبدو.
فقد أطلقت ناسا كيبلر، في السادس من مارس/آذار 2009، للبحث عن وجود حياة خارج النظام الشمسي، وهو يحتوي على تلسكوب طوله واحد متر، ينير كاميرا رقمية 95 ميغابكسل.
ويمكن له اكتشاف اختلافات طفيفة في سطوع 150 ألف نجم بعيد، للبحث عن دلالات لوجود أحد الكواكب التي تمنع جزءاً من ضوء النجوم أثناء عبورها عبر خط رؤية التلسكوب.
بدأ عالم الفضاء في وكالة ناسا "بيل بوروكي" تصوره لمهمة كيبلر في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.
وبدأ تجميع كيبلر في عام 2000، بينما أطلق في عام 2009، وكان من المخطط أن تستمرَّ رحلة كيبلر لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، قد تزداد قليلاً في حال عدم نفاذ الوقود.
وبالفعل انتهت المهمة الأصلية لكيبلر في عام 2013، بعدما توقف اثنان من أصل أربع عجلات للتوجيه.
أما مهمته الحالية لكيبلر فهي مهمة استكمالية K2.
عثر تلسكوب كيبلر على ما يقرب من 2500 كوكب حتى الآن.
وجاءت أبرز الاكتشافات، في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي 2017، عندما أعلنت وكالة الفضاء الأميركية ناسا عن وجود نظام نجمي يشبه نظامنا الشمسي، ويبعد عنا 2545 سنة ضوئية، ويتألف من ثمانية كواكب تدور حول نجم أطلقوا عليه "كيبلر 90″.
ويبعد نظام النجم الجديد وكواكبه عن نظامنا الشمسي ما يقارب 490 سنة ضوئية.
وقبل ذلك، وتحديداً في عام 2014، أعلنت ناسا عن اكتشاف Kepler-186f، ويعد أول كوكب خارج النظام الشمسي له حجم الأرض تقريباً، كما أنه يقع في النطاق الصالح للحياة حول نجمه المستضيف Kepler-186، ما يسمح بوجود الماء السائل على سطحه.
ومع تقاعد كيبلر، تستعد ناسا لإطلاق ما هو أقوى منه لاستكمال المهمة.
بمساحة تغطية أكبر بحوالي 350 مرة من كيبلر، ستُطلق وكالة ناسا القمر الصناعي "TESS "، في السادس عشر من أبريل/نيسان 2018، بقيادة جورج ريكر، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بغرض البحث عن كواكب تدور حول النجوم الأكثر لمعاناً في سماء الأرض.
وتحمل المركبة الفضائية التي تعمل بالطاقة الشمسية أربع كاميرات 16.8 ميغابيكسل، توفر مجالات رؤية واسعة، يمكن أن تغطي كل منها مربع قياس 24 × 24 درجة عبر السماء، بما يكفي لتشمل كوكبة كاملة.
وستكون مركبة الإطلاق عبارة عن صاروخ Falcon 9 من SpaceX.
ويستخدم TESS مداراً جديداً لم تسبقه إليه أي مركبة فضائية من قبل، ليكون على علاقة وثيقة مع القمر.
فبعد إطلاقه، سيوسع TESS مداره تدريجياً، حتى يدور بالقرب من القمر، كما سيدور حول الأرض في نصف الوقت الذي يستغرقه القمر لإتمام دورة كاملة حول الأرض، ما يساعد على استقرار المركبة ضد الاهتزازات الناتجة عن جاذبية القمر.
وسيقوم TESS بمسح السماء لمدة عامين، يقوم خلالها ببث المعلومات التي جمعها إلى الأرضكل أربعة أشهر.
https://www.youtube.com/watch?v=-AIbD2WxyN8
فيديو لتوضيح كيفية الدوران
صُمم قمر الاستكشاف TESSلفحص 85% من السماء، وقياس سطوع النجوم في مسافة 300 سنة ضوئية.
ويعتقد أنه سوف يسجل وجود مجموعة من الكواكب الخارجية، التي تحجب بشكل دوري جزءاً من الضوء من قبل نجومها المضيفة.
وستقضي بعثة TESS عاميها في التأرجح في مواقع مختلفة في السماء، تتغير كلَّ 27 يوماً، بحيث تكون بعيدة دائماً عن الشمس، وتراقب في العام الأول الجزء السماوي الخاص بنصف الكرة الجنوبي.
أما في العام الثاني فتراقب الجزء الخاص بنصف الكرة الشمالي. إذا استمرت المركبة بحال جيدة فمن المتوقع أن تستمر في رحلة استكشافها لمدة قد تصل إلى عشر سنوات.
ويتوقع ريكر العثور على ما يتراوح بين 10 و20 ألف كوكب خلال تلك المهمة الجديدة، وفيها سيقوم TESS بمسح 200 ألف من ألمع النجوم بالقرب من الشمس للبحث عن الكواكب الخارجية.
سيستخدم القمر TESS الاستراتيجية نفسها التي استخدمتها كيبلر للكشف عن الكواكب، وذلك عن طريق رصد انخفاضات السطوع البسيطة الناتجة من مرور الكوكب بين النجم المضيف ومنظور المركبة الفضائية.
ولكن من المفترض أن تكون زاوية بحث TESS أوسع أي أنه يغطي مساحة أكبر بحوالي 350 مرة من كيبلر.
وأحد الفروق بينهما أن اكتشافات كيبلر معظمها لعوالم بعيدة على بعد بضع مئات من السنينالضوئية من الأرض؛ حيث تمكن من العثور على كواكب على بعد يصل إلى 3000 سنة ضوئية.
أما TESS، فيستهدف العثور على كواكب قريبة ستكون على بعد يتراوح ما بين 30 و300 سنة ضوئية فقط.
من المتوقع أن يعثر TESS أيضاً على ما بين 3000 إلى 4000 كوكب تدور حول نجوم صغيرة وباردة نسبياً، ذات تصنيف طيفي من نوع M تسمى القزم الأحمر.
ومن السهل استكشاف الكواكب التي تدور حول النجوم القزمة، لأنها تدور بالقرب من نجومها المضيفة. كما أن رصد تلك الكواكب يكون أكثر سهولة، لأن مدة دورانها حول نجمها القزم لا يتجاوز 14 يوماً.
عادة ما تكون الكواكب التي تدور حول النجوم القزمية مغلقة مدياً "أي أن الزمن اللازم لإتمام دورة حول محوره مساوٍ للزمن اللازم لإتمام دورة حول نجمه المضيف".
ويعني هذا أن هناك جانباً من الكوكب دائم المواجهة للنجم، مما يجعله في حرارة دائمة، والجانب الآخر في ليل متجمِّد دائماً.
على الرغم من طبيعة الكواكب الغريبة هذه، يأمل ريكر في العثور على حياة في قاع المحيطات أو في مخابئ على الكواكب التي تدور حول نجوم قزمية، فعمر هذه النجوم يصل إلى تريليونات السنين، ما يسمح بتشكل وتطور الحياة على سطحها.
يتوقع العلماء أن تجد TESS آلاف الأنظمة النجمية التي تدور فيها الكواكب في مسافات أقرب للأرض بحوالي 10 أضعاف، وأكثر لمعاناً من الأنظمة التي عثر عليها كيبلر.
وسيفتح ذلك إمكانات جديدة لقياس كتل الكواكب والكثافات، ودراسة الأجواء المحيطة بها، وتوصيف نجومها المضيفة، وتصور الطبيعة الكاملة للأنظمة التي توجد بها الكواكب.
سيُساعد نظام "TESS" الفلكيين في الحصول على فكرة أفضل عن مدى انتشار الأنواع المختلفة من الكواكب عبر مجرتنا.
لكن ناسا لم تكتفِ بذلك، فما زال هناك أخطر من المهمة، إذ تعتزم إطلاق منظار جيمس ويب الفضائي في عام 2020.
وسيكون هذا المنظار قادراً على قياس أطياف الضوء الذي يمر عبر الأجواء الخارجية للكواكب التي سيكتشفها TESS أثناء مرور الكواكب أمام نجومها.
إذ إن امتصاص بعض الأطوال الموجية للنجم من خلال الغلاف الجوي للكوكب يكشف عن تكوينه الكيميائي، وربما يشير إلى وجود كائنات حية على سطحه.
عربي بوست