نجاح مسيرة العودة في اسبوعها الثالث ، أثبت مرة أخرى، وبصورة قاطعة صحة خيار المقاومة الشعبية بإعتبارها الشكل النضالي الأكثر فاعلية وتأثيرا والذي سيقربنا من تحقيق الحرية لشعبنا.
وللأسبوع الثالث بعد مظاهرات يوم الأرض المجيدة ، وقع الإحتلال وحكومة إسرائيل مرة أخرى في حالة الحيرة والفشل.
فلا القمع الوحشي، ولا إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين العزل أوقف التظاهرات، ولا الحرب النفسية التي أطلقها الإحتلال في وسائل إعلامه وعلى لسان الناطقين بإسمه أثرت في عزيمة المتظاهرين، وتلقى الإعلام الإسرائيلي صدمات متتالية بفضل وسائل الإتصال الإجتماعي، وما تنقله من صور حية لجرائم الإحتلال في قتل الأطفال و المتظاهرين العزل، وخلق ذلك ضغطا دوليا ملموسا على حكام إسرائيل ، بعد أن فُضحت جرائمُ الحرب التي يرتكبها قناصوهم ضد المدنيين والأطفال.
إتسمت مسيرات العودة في قطاع غزة بثلاث ميزات هامة ، حسن التنظيم والإنضباط ، ووحدة القيادة الوطنية، والإحتفاظ بزمام المبادرة دون أن يُسمح للخصم بإنتزاعها.
ومثلت مسيرات الضفة الغربية، رغم التفاوت في الحجوم والمشاركة، تأكيدا على وحدة النضال بين الضفة والقطاع في إطار شكل النضال الموحد.
أمامنا ثلاثة أسابيع وبضعة أيام قبل أن نصل إلى يوم الذكرى السبعين للنكبة في الخامس عشر من أيار، والذي يتوقع أن يمثل ذروة مسيرة العودة، وذروة هذه المرحلة من تطور المقاومة الشعبية.
ومن المهم أن يجري الإنتباه في هذه المرحلة الحساسة إلى عدد من المهام المطلوبة ، وأولها ضرورة قيام كل القوى الفلسطينية السياسية والمدنية بواجبها في توسيع أنشطة المقاومة الشعبية في القدس والضفة الغربية، والتغلب على العقبات الكثيرة التي توضع في طريقها، بما يتناسب مع مستوى الأداء الكفاحي الباسل في قطاع غزة.
أما الأمر الثاني فهو ضرورة الإستمرار في إفشال محاولات الحكومة والجيش الإسرائيلي استفزاز أهالي غزة وقواها بهدف جرها إلى مواجهة مسلحة، و هو استفزاز يرمي الى إحباط النموذج الشعبي المقاوم الذي ينتصر فيه الشعب الفلسطيني، والإستمرار في الإمساك بزمام المبادرة النضالية في تحديد شكل وطبيعة وإطار النضال الوطني الجاري ببسالة نبيلة منقطعة النظير.
أما المهمة الثالثة فتتمثل في ضرورة توسيع التأثير الإعلامي على الصعيد الدولي، بالكلمة، والصوت، والصورة وباللغات التي تفهمها شعوب العالم، ليس فقط من أجل أن يفهم العالم مغزى هذا الفعل النضالي الرائع وأهدافه فقط، بل ولكي يُعاد وضع قضية فلسطين في ذهن الإهتمام الشعبي العالمي بإعتبارها قضية نضال وطني تحرري من الطراز الأول.
وتكمن المهمة الرابعة في ضرورة إبتكار الوسائل والأساليب لإستمرار المقاومة الشعبية وأنشطتها بعد الخامس عشر من أيار ، بحيث يتم البناء على الذروة التي ستتحقق، وبما يضمن إستمرارية الفعل الكفاحي الشعبي.
لا تقل المقاومة الشعبية ثورية أو بطولة عن أي شكل نضالي آخر، بل ويمكن القول بكل ثقة أنها أصعب من أشكال النضال الأخرى ، لأنها تتطلب مشاركة جماهيرية واسعة، منظمة، ومنضبطة، بالمقارنة مع الأشكال الأخرى التي تحصر الفعل النضالي بأعداد ومجموعات محدودة، و المقاومة الشعبية بالتالي أقوى تأثيرا من حيث النتائج، وفي الظرف الفلسطيني فإنها تمثل فعلا هجوميا مبادرا وليس دفاعيا فقط كمعظم الأشكال الأخرى.
أقول ذلك لأنني لاحظت في وسائل الإعلام المحلية ، خفوتا في النبرة التي تميزت بها تصريحات عدد من القادة السياسيين أثناء تأكيدهم في الأسابيع الأولى على طابع المقاومة الشعبية وسلميتها ، وكأن هناك من يظن أن المقاومة الشعبية تمثل شكلا أضعف من الأشكال الكفاحية الأخرى، وهذا الظن يمثل خطأ كبيرا، ويتجاهل ما حققته نماذج المقاومة الشعبية من تأثير، بدأً بالإنتفاضة الشعبية الأولى التي قلبت موازين القوى مع الإحتلال في حينه، أو نماذج سفن كسر الحصار على قطاع غزة ، أو ماحققته الهبة الشعبية في القدس في تموز الماضي عندما أجبرت نتنياهو على التراجع عن اجراءاته ضد المسجد الأقصى.
دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا من دماء أبنائه حتى اليوم بإرتقاء سبعة وثلاثين شهيدا وإصابة أكثر من خمسة ألاف جريح منذ يوم الأرض وحتى اليوم ، بل إن عدد الشهداء وصل إلى خمسة وستين، وتجاوز عدد الجرحى التسعة آلاف منذ بدأت المظاهرات ضد قرار ترامب في الخامس من كانون الأول الماضي.
وهو ثمن باهظ وغال، ويجب أن يدفع حكام اسرائيل من سمعتهم، ومكانتهم، وقوتهم ثمن ارتكابهم لهذه الجرائم الوحشية ضد مدنيين وأطفال عزل، ولكن الوفاء لتضحيات هؤلاء الشهداء و الجرحى الأبطال يفرض الإستمرار في طريق المقاومة الشعبية التي ثبت قطعا أنها طريق شعبنا لتحقيق الحرية.