الرئيسية / الأخبار / فلسطين
حكاية مناضل توالت عليه الاحزان والنكبات
تاريخ النشر: الثلاثاء 24/04/2018 21:20
حكاية مناضل توالت عليه الاحزان والنكبات
حكاية مناضل توالت عليه الاحزان والنكبات

كتبت شذى عابد
يجلس على كرسيه الخشبي العتيق، بين رفوف دكانه الصغير التي تكاد تخلو من بضاعتها، ييلاطف الصغير و الكبير بإبتسامته التي ارتسمت على شفتاه رغم مرارة الحياة التي خطت تجاعيدها على وجهه الشاحب.

يغلق دكانه الصغير و يسير بنا إلى منزله المتواضع البناء، و وسط فوضى الأوراق التي أخرجها من حقيبة سوداء فور وصولنا، يحكي لنا قصة عُمر سرقه الإحتلال، موثقة بتلك الأوراق المكدسة والقصاصات التي عفى عليها الزمن (المهترأة).

فقد عاش بين أهله ورفاقه في بلدة قصرة إلى الجنوب الشرقي من مدينة نابلس، ترعرع فيها و تعلم في مدارسها.

كان الشاب نادر حسن ذو البشرة السمراء و الشعر الأسود المجعد وطنياً لا ينازعه أحد في انتمائه لوطنه، يحمل سلاحه على ظهره و ينتشر في الجبال، مع مجموعة بلغ عددها 25 فرداً، بين أشجار الزيتون و البيارات، يجلسون تحت ظلالها يخططون و يناقشون أحوال البلاد.

حماسته الجارفة كانت تدفعه إلى المشاركة في الأعمال النضالية بإستمرار، و من هنا كانت بداية الحكاية.
صيف عام 1969، قام نادر و مجموعته بنقل السلاح إلى المقاومين في معركة جماعين، على دابة يقودها شاب لا يتجاوز الخامسة عشرة، في صناديق بلاستيكية تعلوها قطوف العنب.

لكن سرعان ما باغته الإحتلال و اقتاده ليقر على المجموعة بأكملها، اعتقل البعض و استشهد الآخر، و آخر فرّ تاركاً عقدين و نصف من عمره تضيع في قبو لا حياة فيه ولا نور، حتى ظنه الجميع في قائمة الشهداء.

يقول نادر : "لم يكن أمامي خيارسوى الهروب و الإختباء في ملجئٍ صغير، كان قد بناه والدي خصيصاً في بيتنا، لا تتعدى أبعاده المترين دون ارتفاع، يمر فيه اليوم بألف سنة، لا تكاد تختلف فيما بينها، أقضيها في الإستماع لنشرات الأخبار و قراءة القرآن و كتب الدين.

يتابع و الدموع تملؤ عينيه : "كنت أدعو الله أن يأخذني لأرتاح من هذا العذاب"، مرت السنون و تعاقبت فصول كثيرة، لم أميز حرها من بردها، تزوج أشقائي الأربعة..
و شقيقاتي السبعة..
توفي خالي.. انطفأت أرواح و خلقت أخرى، و لم أستطع مشاركة عائلتي في فرح أو ترح.
جيش الإحتلال لم يكل أو يمل من البحث عنه ومطاردة أشقائه وتعذيبهم، فهذا أخوه شاهر الذي اقتادته عرباتهم المدججة بالأسلحة والأسلاك الشائكة، من بلدته إلى نابلس على آلة التعذيب الكهربائي، ليبقى ثلاثة أشهر بعد الإفراج عنه ممدداً على سريره دون حراك.

ستٌ وعشرون عاماً من عمر العائلة، عاشتها بين دموع الخوف والألم على نجلها المتوفى و هو على قيد الحياة، يناجي ربه ليلاً و نهاراً أن يخفف عنه بلاءه.

دارت عجلة الحياة ببطءٍ شديد، وأطفأ نادر شموع الخامسة و الأربعين، ووالده العجوز لا يزال يطرق الأبواب سعياً لتخليصه، و مع قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية كان بصيص الأمل يزداد لدى العائلة، انطلق والده إلى مكتب الأمن الوقائي في أريحا و حدثهم بما جرى.

بعد أيام، أرسل رئيس الأجهزة الأمنية آنذاك جبريل الرجوب بشاب إلى منزل العائلة، انتقلت معه إلى مكتب الأمن الوقائي في أريحا، لفترة الخمس شهور، وشهر آخر قضيته في نابلس إلى أن جاء العفو من سلطات الإحتلال الإسرائيلي.

استقبلته البلدة بحفاوة شديدة، و عاد نادر للحياة بعد أن كان من الشهداء، تزوج و أنجب سبع فتيات أصغرهن في الثامنة من عمرها، لتعود المياه إلى مجاريها، لكن ثلثي عمره اللذان ضاعا سدىً ظلا ينغصان حياته، لاسيما بعد أن باتت الطلبات التي يقدمها لتفريغه في الأجهزة الأمنية كـ ردٍ على التضحية التي بذلها في سبيل وطنه حبراً على الورق لا أكثر.

اليوم يجلس نادر ابن الثمانية و الستين وسط براءة بناته و مداعبتهن، و بحشرجة تكاد تخفي صوته و عيون تمتلئ بالحزن و الدموع، يقول : "لن يمنعني سني الكبير وجسدي الهرم من السعي للمناشدة بتفريغي في الأجهزة الأمنية".

يعم الصمت أجواء المكان، وعلامات الحزن البليدة تخيم على وجه زوجته، يلتفت إليها لبرهة ويتنهد، ثم يقول : "ما ضل من العمر قد ما مضى"، آملاً أن يحصل على موافقة بشأن تفريغه في إحدى الأجهزة الأمنية، لأجل راتب شهري يعيل بناته بعد رحيله.

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017