في الأيام الماضية تناقلت وسائل الإعلام الإلكترونية من جهة والمواطنون بواسطة أدوات التواصل المجتمعي من جهة أخرى؛ عددا من الأخبار/ الشائعات/ المعلومات المغلوطة زجّ بأسماء وعائلات وشركات لا ناقة لهم ولا بعير بالقضايا المطروحة. لتولد بعد ذلك حرب إعلامية من خلال الشجب والاستنكار وبيانات توضيحية والتنديد لتستغل المواقع الرخيصة المأجورة والتي لا تستند لأي مهنية حالة الفوضى الإعلامية بنشر الأخبار الصفراء التي أصبحت مصدر دخل لها.
وفي ظل غياب المعلومات من جهات الاختصاص، تصبح الشائعات هي الأكثر تداولا في مجتمع مثل مجتمعنا حيث تلوك الألسن كافة الشائعات وتضاعف من تفاصيلها برش البهارات والتوابل الحارة، كل حسب مصلحته في توجيه النيران ضد خصومه الذين هم بالأساس بعيدون كل البعد عن محيط دائرة الحدث نفسه، ما يؤدي إلى تشويه أشخاص أبرياء، والتكتم على من هم وراء الفعل!!
من يتحمل انتشار الشائعات؟ بصراحة الجهة الرسمية التي تمتنع عن نشر المعلومات في القضايا المختلفة بما ترتئيه بمصلحة القضية، ثم وسائل الإعلام التي تلجأ إلى التهويل والمبالغات بدون التأكد من المعلومات من جهات الاختصاص، ما يجعل المواطن يقع فريسة الشائعات دون أن يكون قادرا على التأكد من المعلومة الصحيحة ما يجعل المواطن عبارة عن وكالة أنباء متنقلة يبث الشائعات!!
ضمن خبرتي العملية السابقة في منصب إعلامي حكومي بفترة حساسة تصيب عصب الرأي العام بشكل شهري، أستطيع القول: عندما تكون هناك جهة رسمية واحدة تستطيع أن تخرج بلياقة للمجتمع لتوضح المعلومات الصادقة والمدعمة بالوثائق سوف تنتهي فوضى الشائعات، ولكننا لا نزال بعيدين عن هذا الفعل بشكل مؤسساتي لأسباب كثيرة منها:
التكتم على المعلومات التي يجب أن تكون متاحة للمواطنين، تفضيل صنّاع القرار التعامل مع الإعلام الدولي والأجنبي بالتحديد، تعدد الجهات الرسمية التي تدلي بدلوها دون تنسيق أو تخطيط، التنافس بين المؤسسات المختلفة الخاصة والأهلية والحكومية، التسابق على سرعة تقديم المعلومات «الخبر العاجل» من قبل المؤسسات الإعلامية ما يفقدها المقدرة على التأكد من صحة المعلومات.
لا يوجد مجتمع بشري دون شائعات، فالشائعات لا تزال الغذاء اليومي لكثير من المجتمعات المعاصرة ما جعل الأدوات التكنولوجية الحديثة إحدى أهم الوسائل في سرعة انتشار الشائعات وفي حالتنا الفلسطينية استخدمنا هذه الوسائل كأسلحة فتاكة في قتل بعضنا الآخر دون رحمة!!
وللأسف، ينساق الكثير منّا مع الشائعات، وننسى بأن هناك شائعات صناعة احتلالية يقف وراء بلورتها وتسويقها أخصائيون مدربون سواء لمعرفة ردود أفعال قطاعات وشرائح وطبقات في المجتمع الفلسطيني إزاء إجراءات أو قرارات تنوي حكومة الاحتلال تنفيذها، أو من أجل ضرب عصب المؤسسات، الأحزاب، النقابات، الجامعات والنسيج المجتمعي المتمثل في العائلة.
علاج ذلك كله يأتي فقط من خلال تواصل المسؤولين والمتحدثين بشكل مباشر مع وسائل الإعلام المحلية قبل الدولية، ومع قادة الرأي بأنواعهم من كُتاب الأعمدة ورؤساء التحرير في الصحف والمجلات، ومدراء المؤسسات الأهلية حسب الاختصاص، والنشطاء في وسائل الاتصال المجتمعية، والأهم لا يجب الرد على كل خبر كان أو شائعة لأن ذلك سيزيد الطين بلة، يقول الله في كتابه الكريم، «يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».