في ظل التقلبات الاقتصادية والسياسية التي يمر بها الشعب الفلسطيني، ورغم قيد المقاصة التي تلتف حول عنق السلطة الفلسطينية التي أنجبت تبعية اقتصادية كأنها طويلة الأمد، فالسلام الاقتصادي أصبح هو الحجة الأقوى، ولكي نعيش بسلام أجبرنا على الخضوع لأي مشروع تعرضه إسرائيل، ومن هنا أثرنا سلبا على جهود حركة المقاطعة BDS التي تسعى جاهدة أن تكون جدارا إسمنتيا أمام الضغوطات الإسرائيلية.
النجاحات التي حققتها حركة المقاطعة BDS عام 2017 وجملة الإنجازات على مستوى الحكومات والهيئات والمنظمات الأممية، والتي دعمت مقاطعتها لإسرائيل، وخاصة حينما أقر الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا خفض التمثيل الدبلوماسي في تل أبيب، ومع ترشيح حركة المقاطعة BDS لجائزة نوبل للسلام، وهذا عرض دورها المتعاظم في النضال السلمي من أجل حقوق الفلسطينيين.
الجهود الإسرائيلية ضد المقاطعة بدأت ظاهرة للعيان، فقلقهم بدأ ينمو بعد كل تلك النجاحات، وخاصة بعد إقناع 26 نجما من هوليود رشحوا لجائزة الأوسكار رفضهم تلبية رحلة إلى إسرائيل، والعديد من المطربين الغربيين، وأضف إلى ذلك إخفاق مناقصة شركة المواصلات العامة الإسرائيلية إيجيد في هولندا، بمبلغ قيمته الإجمالية 190 مليون يورو.
جهود المقاطعة الحثيثة ضربت جذور الأمان الإسرائيلي، لكن السلطة الفلسطينية غير قادرة على مقاطعة البضائع الإسرائيلية بموجب اتفاقيات موقعة مع الإسرائيليين إلى جانب الجزء الاقتصادي من اتفاقية أوسلو يسمى بروتوكول باريس، هي فقط تستطيع مقاطعة بضائع المستوطنات لأنها لم تشملها اتفاقية أوسلو.
وتقدر الأسواق الفلسطينية من حجم الصادرات الإسرائيلية 6.8% ، وتقدر 1.2% من حجم وارداتها، في حين تقدر الأسواق الإسرائيلية 86.7% من حجم الصادرات الفلسطينية، و65.8% من وارداتها. ومن هنا نجد أن السوق الفلسطيني يعتبر شريكا تجاريا مع الاحتلال الإسرائيلي، فالغالبية العظمى من الصادرات التي تدخل للضفة الغربية وقطاع غزة من إسرائيل.
حيث تشكل واردات الفلسطينيين للعالم 5مليار و363 مليون دولار، وتشكل صادراتنا 926 مليون دولار، والفرق بينهم يوضح عجز الميزان التجاري ، وهذا يظهر ضعف العلاقات التجارية الفلسطينية مع المحيط العربي خصوصا مع دول الجوال كمصر والأردن، حيث تقدر واردات المناطق الفلسطينية من دول الجوار 2.6%.
حركة المقاطعة الإسرائيلية BDS حاولت توجيه ضربات سلمية شكلت هاجسا للإسرائيليين، فالجمرك الذي تدفعه بضائع المستوطنات حينما تدخل الحدود الأوروبية أقلقت إسرائيل، ومع ذلك انتهجت إسرائيل خطط بديلة لتسيير بضائعها ومنتجاتها للدول الغربية بمساعدة فلسطينية، فوجود شراكات استثمارية بين الإسرائيليين والفلسطينيين تقدر بقيمة 3مليار دولار، ووجود وكلاء رسميين، وتبيض المنتجات الإسرائيلية، واستثمارات بالمستعمرات تقدر بقيمة نص مليار دولار، هذا جعل من المنتجات تدخل إلى الدول الأوروبية دون جمارك وتزيد قدرتها التنافسية كباقي المنتجات، وهكذا أصبحنا نساعد إسرائيل في كسر عزلتها عن العالم، ونقلل من جهود حركة المقاطعة BDS.
التمكين السياسي يتطلب تبعية اقتصادية، وهذا النهج الذي اتبعته إسرائيل مع الفلسطينيين، فقد تكون طاولة المفاوضات أوقعت الفلسطينيين في فخ يصعب التخلص منه، فالآن التبعية الاقتصادية عبارة عن ورقة ضاغطة لتحقيق مصالحها السياسية والعودة لطاولة المفاوضات ورسم الحدود والتخلي عن ملف الآجئين، فهي لا تريد أن نشعر بالاستقلال الٌاقتصادي حتى تقيدنا مكان الألم.
فالمقاصة هي حجر النرد الذي يحرك جميع الأطراف، فكل تصرف لا يرضي الجانب الإسرائيلي تضغط على السلطة بالمقاصة، ولو حاول الفلسطينيون مقاطعة إسرائيل بشكل كامل فهو غير قادر على كسر الاقتصاد الإسرائيلي، لأن حجم الاستهلاك الفلسطيني من المنتجات الإسرائيلية يقدم ب4 مليار دولار، وبالمقابل إسرائيل تنتج كل سنة 320 مليار دولار.
السلبيات التي تلحق إسرائيل ضئيلة لكن في المقابل الإيجابيات التي سيحصل عليها الفلسطينيين كبيرة، ففك التبعية يحقق وعاء ضريبي إضافي وتشغيل أيدي عاملة، وتقليل معدلات الفقر، فالفلسطينيون قادرون على مقاطعة مليار و150 مليون دولار مع وجود بدائل حالية فلسطينية وهذا يخلق 70 ألف فرصة عمل جديدة.
لكن لإتمام هذه المقاطعة يجب أن تلعب الحكومة دورا عميقا ليس بالإجبار على المقاطعة بل بطلب توفير منتجات جيدة وبالجودة المطلوبة لتكون قادرة أن تحل محل غيرها من المنتجات في السوق الفلسطينية.
إن مساعدة الحكومة للسير بخطوات المقاطعة ضعيفة، فعدم وجود معارض للمنتجات الوطنية، وتعزيز المنتج الوطني، أضعف الخطوات الأولى التي يجب أن نسير فيها، وكل هذا لأن السلطة وقعت في خطط اقتصادية إسرائيلية خاصة المقاصة، لكن السلطة لو تبني خطط جديدة إستراتيجية على المدى البعيد ستجد نفسها قادرة على المقاطعة من خلال استغلال الموارد الاقتصادية.
"يوم لك ويوم عليك "، كانت إسرائيل في وقت سابق تشارك بالدعوة لمقاطعات عديد من الدول كتركيا، وحركة حماس في غزة وإيران، لكنها الآن هي من تتعرض للمقاطعة من العديد من الدول.
ومن الواضح أن إسرائيل تتأثر كثيرا بحركة BDS، خاصة بعد طرحها عقوبة مدتها 7 سنوات بالسجن الفعلي لكل من يدعو للمقاطعة، وقد تصل العقوبة إلى المؤبد، فهذا يوضح تأثرها العميق والخسارة التي تتعرض لها، فمعرفة قيمة حركة BDS وقوة أثرها سيجعل الشعب الفلسطيني قادر أن يبدأ بالخطوات التي تكسر العلاقات الاقتصادية ومن ثم السياسية، لكن ما يحدث الآن يظهر لنا العكس، وأن الروابط بدأت تزيد بحجة السلام الاقتصادي والمفاوضات، حتى أصبحنا مقيدين من كل جانب.