الرئيسية / ثقافة وأدب
باولو فريري وحقيقة التعليم
تاريخ النشر: الأربعاء 23/05/2018 16:26
باولو فريري وحقيقة التعليم
باولو فريري وحقيقة التعليم

بقلم: أشرف آسيا
لا شك إن التخلص من الجهل والتحرر من القهر لا يتم إلا بالوعي السياسي وفك قيود الأوهام والأساطير التي تصنعها وتروجها القوى المسيطرة في المجتمع لا يُصنع إلى بالتعليم، الذي وصفهُ نيلسون مانديلا قائد حركة مناهضة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا ب "السلاح الأقوى بالعالم"، الذي يمكن الإنسان من العيش بكرامة الحياة.
ولكن هنالك الكثير من شعوب العالم الثالث تمتاز بنسبة متعلمين عالية جداً، ولا زالت لحد الآن ترزح تحت وطأة الاستعمار الخارجي وتختنق بالاستبداد الداخلي وتحترق بالجهل المزري وتتحاصر التعصب الاجتماعي القبلي والتبعية والفقر !، إذاً أين المشكلة؟
عملة نادرة
باولو فريري (1921_ 1997) المفكر البرازيلي المعاصر الذي كرس حياته للارتقاء بمستوى التعليم، يبين العلاقة القوية بين "الديكتاتورية" وبين الأساليب التعليمية الرديئة المستفحلة في بلادنا، وانتشار أساليب تربي على القهر والخوف وتقبل رأي القوي دون معارضة وحتى التفكير بصحته!، من خلال طمس مهارات التفكير النقدي للواقع والمجتمع والحال السياسي، ولهذا السبب اعتبر فريري إن قرار تعليم الشعب القراءة والكتابة هو نفسه قرار سياسي.
حسب فلسفة فريري فإن العلاقة تم نسجها بصورة مخيفة عبر قرون وعقود من الذل والهوان حتى أصبح المعلم المبدع الذي يعمل على تمكين الطلاب من خلال تنمية إدراكهم لقدراتهم المعرفية والمهاراتية عملة نادرة، ولو وجد لتكالبت عليه الأيدي لتكميم فمه وإغلاق عقله، وعدا عن الأسلوب العقيم للاختبارات المركزية الموحدة التي تتعامل مع الطلاب كأنهم ماكينات لتعليب المعرفة والمعلومات في مصنع اسمه المدرسة إلا وسيلة لعملية تكبيل قهرية مستمرة.


ترجمة الحياة
أوغستو بوال مؤسس مسرح المضطهدين الذي كافح لإعطاء المواطن فرصة التعبير عن رأيه وكسر حاجز الصمت، يتطرق في فصل من فصول كتابه "المسرح التشريعي" لدور باولو فريري في تأييد أن المعلم ليس شخصاً يُحمِل المعرفة كما تُفرَغ الشاحنة ويكومها في رأس شخصاً آخر_ سرداب البنك حيث تخزن النقود_ المعرفة: المعلم شخص لديه مساحة من المعرفة ينقلها إلى التلميذ، وفي الوقت نفسه يستقبل معرفة أخرى من التلميذ، ما دام التلميذ يملك أيضاً مساحته الخاصة من المعرفة، فأقل ما يمكن أن يتعلمه المعلم من تلميذه هو كيف يتعلم تلميذه هو كيف يتعلم تلميذهُ، حيث يختلف التلاميذ من واحد لآخر وهم يتعلمون بشكل مختلف.
وفي هذه الحالة يتعلم المعلم والطالب ، كما ذكر أن معلم أرجنتيني من قرطبة علم مزارعاً كيف يكتب كلمة "محراث" والمزارع بدوره علمه كيف يستخدمه.
بوال الذي كان صديقاً لفريري لعقودٍ زمنية، استنتج أن تعلم القراءة هو تعلم للتفكير، والتفكير نوع من الفعل، وبالرغم من الاحترام الواجب لأجداد الكتب الدراسية القديمة وجداتها، أو العناية الواجبة بالكتاكيت والبيض، فإن الفلاح يحتاج إلى معرفة كيف يكتب اسم المنجل الذي يخدم به الأرض، والبناء كيف يكتب اسم الطوب الذي يشيد به البيوت، والطباخ أسماء التوابل التي يمنح بها نكهة للفاصولياء والطحين الخشن.
ويضيف بوال أن فريري اختراع منهجاً عارضاً بالحروف والكلمات، لطرح الألم الذي يشعر به الفقراء داخل أجسادهم، لكن دون أن ينسوا أن يعرضوا أحلامهم وأمالهم!، المنهج الذي يُعلم الأميين أنهم متعلمون في لغة الحياة والعمل والمعاناة والنضال، وأن كل ما يحتاجون إليه هو كيف يترجمون ذلك الذي يعرفونه من حياتهم اليومية إلى علامات على الورق، وفريري الذي يساعد المواطنين على طريقة سقراط " أن يكتشفوا بأنفسهم ما يحملونه داخل أنفسهم.
أزمة المونولج
بوال في لونه المسرحي القائم على تشجيع المتفرج على الصعود للمنصة والبوح بما يجول في داخله، دون اقتصار الحديث للممثل فقط، ليشكل المسرح سياسة تبادل الآراء والتعلم نحو كل ميادين ومجالات الحياة، منطلقاً أنه يمكن أن تُعَلِم شيئاً ما لشخص ما فقط إذا كان يعلمك شيئاً، لأن علاقاتنا الإنسانية حوارات: الرجال والنساء، السود والبيض، طبقة وأخرى وبين الدول.
ومفهوم فريري للمضطهدين قائم على ديالوغ يتحول إلى منولوج، نتيجة أن الديالوغات أي الحوارات إذا لم يتم تغذيتها بحرص أو طلبها بشكل نشط، تتحول بسرعة إلى منولوغات يملك فيها الحق بالكلام فقط لطرفي الحديث: طبقة واحدة، جنس واحد ومجموعة واحدة من الدول، أما الأطراف الأخرى فتخضع للصمت والطاعة وهم المضطهدون، كما هو الحال في معظم بلادنا العربية التي تعاني من أزمة مونولوج مستفحلة.
وعلى صعيد ثقافة البشر ومعاملاتهم، يعتبر بوال أن منهج فريري أسمى من تعلم القراءة والكتابة حيث يتعلم الإنسان ما هو أكثر، يتعلم ان يعرف وأن يحترم الآخر ويتقبل الاختلافات بوجود المختلف، والإنسان موجود لأن غيره موجود، وحتى يكتب الإنسان على ورقة بيضاء يحتاج قلماً أسود، وللكتابة على لو أسود يجب أن تكون الطباشير بلون مختلف، حتى تكون أنت يجب أن يكون غيرك.
 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017