القدس المحتلة - خدمة قدس برس
في كل عام، تتكرر الجملة المعهودة في شهر رمضان المبارك "رمضان في القدس غير"، لتزرع بداخل كل زائر فضولًا لمعرفة ما تخفيه أو ما تخبئه تلك المدينة لعشرات آلاف الوافدين إليها.
لأن فيها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فللمكان قدسية دينية وتاريخية خالصة، إلى جانب ما يقوم به أصحاب تلك المدينة المحتلة من إضفاء جماليات عليها روحية ومادية حتى تجد بالفعل أنها "غير".
في يوم الجمعة، وهو اليوم الذي ترى فيه جموع المصلين قد لبت نداء القدس والأقصى بعدما سمح الاحتلال لهم بدخول أرضهم وقدسهم التي حرمهم منها سنوات طويلة، تجدهم يمشون عبر حواجز "الذل" عطشى لرائحة كعك القدس، تجدهم رغم الحر والشمس يركضون إلى الحافلات يتدافعون غير آبهين، فالقدس أهم من كل شيء، المهم أن يصلوا باكرًا كي "يشبعوا" منها، رغم أن ساعات لن تروي سنوات الحرمان.
وقالت الناشطة والصحافية حلا خلايلة: "رمضان في القدس يختلف عن أي مكان آخر، فهل يمكن أن تجد أجمل من أن يضع المقدسي كرسيًا أو اثنين أو عشرة على باب منزله من أجل زائري المدينة الذين أنهكهم تعب الحواجز وتفتيش الجنود والمشي لمسافات طويلة، لأن الاحتلال منع وصول الحافلات إلى نقاط قريبة من أبواب البلدة القديمة؟".
وأضافت خلايلة لـ "قدس برس"، أن المصلين يخرجون من الصلاة باتجاه أسواق البلدة القديمة فترى أصحاب المحال التجارية يوجهون أجهزة التبريد الكهربائية باتجاه المارة، ونساء يقمن برش المياه من منازلهن، لتخفيف الحر على المصلين الذين يغادرون القدس.
وتابعت، أن أجواءها (القدس) تختلف عن كل المدن، "رائحة الكعك، بائع الخروب، ومدرج باب العامود الذي يمتلئ بالفلسطينيين صغارًا وكبارًا مع انتهاء صلاة التراويح في المسجد الأقصى".
ولفتت الناشطة الفلسطينية النظر، إلى أن "المحتل لا يعجبه ذاك المشهد حتى بات يلاحق الجميع في محاولة لتفريغ باب العامود وتحويله لثكنة عسكرية خلال دقائق".
وأوضحت أن جميع المدن تتزين في شهر رمضان، "لكن أعين الفلسطينيين لا تتجه إلا للقدس، فزينة البلدة القديمة ننتظرها كل عام لرؤيتها ولنرى تميزها عن العام السابق".
وفي الجانب الآخر يُعاني زائرو القدس المحتلة المحرومين منها ولا يستطيعون الحضور إليها إلا بالشهر الفضيل، صعابًا كبيرة، ويتخذون طرقًا تعتبرها "دولة الاحتلال" غير شرعية، ويقولون إن الارتباط بهذه المدينة روحيًا ودينيًا هو ما يجعلهم يغامرون بحياتهم من أجل الوصول إليها.
أسيد عمارنة؛ صحفي من مدينة بيت لحم، يزور القدس كل عام فقط في شهر رمضان؛ بسبب إجراءات الاحتلال التي تمنعه وأقرانه من دخول المدينة والصلاة في الأقصى، كونهم من الفئة العمرية الشابة.
وصرّح عمارنة: "للقدس طابع ورونق خاص في جميع الأوقات، لكنها حقيقة في رمضان غير، فما أشعر به عند أول خطوة على ترابها لا تساوي أي شعور في مدينة أخرى".
وبيّن في حديث لـ "قدس برس"، أنه رغم كل المعيقات والرفض الأمني بحقه إلا أنه يحاول أن يقضي أطول فترة ممكنة في القدس، بما يتناسب وعمله، وأن يمشي في أزقة البلدة القديمة وأسواقها التي تنتعش في هذا الشهر الفضيل.
وأكد عمارنة، أنه "لا يوجد أي شعور بالصيام والصلاة والعبادة طالما كنا خارج القدس والأقصى".
ومن الخليل، يقول الصحفي مصعب شاور، إن ما يميز القدس عن باقي المدن الأخرى وجود الاحتلال الدائم فيها، ومنع دخول الفلسطينيين من أهل الضفة الغربية وقطاع غزة إليها.
ولفت إلى أنه أسير محرر وممنوع من الدخول إلى القدس عبر الحواجز العسكرية، أو منحه تصريح، "والشوق للمدينة يزيد من رغباتي في الوصول إليها مهما كلفني ذلك".
وذكر لـ "قدس برس"، أنه ما زال في كل مرة يصل بها بلاط المسجد الأقصى، وعيناه تغرورقان من الدمع متجهتان صوب القبة الذهبية، فرحًا وراحة نفسية ليس لها مثيل.
فرمضان في القدس "غير"، بناسها ومحالها وأزقتها وزينتها، حتى في حزنها فهي تختلف عن كل المدن، فالمشهد الاحتلالي يراه سكانها في كل شبر منها، يشاهدون كل عدة أمتار جنودًا إسرائيليين مدججين بالسلاح، يستفزون الكبير والصغير، يفتشون هذا وذاك، في محاولة للتنغيص على حياة المقدسي الذي أثقلته الانتهاكات الإسرائيلية اليومية، حتى في رمضان.