بقلم – سليمان الوعري
يصادف يوم 28-5 الذكرى الرابعة والخمسون لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ، تأتي هذه المناسبة وأوضاع المنظمة لا تُبشر بخيّر ، بسبب المؤامرات الداخلية والخارجية والتي أدت الى إضعافها ووضعها في زاوية يصعُب الخروج منها..
فانسداد الأفق السياسي ووقف المفاوضات واستمرار الاستيطان وتهويد القدس والتعنت الاسرائيلي بسبب الدعم الامريكي اللامحدود من جهه ، واستمرار الانقسام الداخلي وعدم التوافق على استعادة اللُحمَة بين شطري الوطن من جهة أخرى، وعدم الاتفاق على انضمام حركتي حماس والجهاد الاسلامي لمنظمة التحرير واجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني لإعادة احياء النظام السياسي الفلسطيني من جديد ، وبناء منظمة التحرير على أسُس ديمقراطية وتعدديّة وتفعيلها و/أو اصلاحها وفقاً لرؤى سياسية جديدة تتناسب مع واقع الاحتلال واستمراره في رفض تطبيق الاتفاقات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية ، وعدم القدرة على تحقيق السيادة على الارض في تجسيد اقامة دولة مستقلة بعد الحصول على الاعتراف الاممي بدولة مراقبة في الامم المتحدة..
وبالتالي لايمكن أن تَحل الدولة مَحل المنظمة في القريب المنظور، وهنا تكمُن أهمية اصلاح المنظمة وتفعيلها واعادة بنائها .
إسرائيل من جانبها أضعفت الجانب الفلسطيني، وراوغت وما زالت تراوغ في المفاوضات، تناور وتماطل وتعد ولا تفي بوعودها، وهي تضرب بعرض الحائط كل القرارات الدولية وقرارات الأمم المتحدة ، وقامت بتقسيم الضفة الغربية عبر حواجزها وطرقها الالتفافية ومستوطناتها غير الشرعية إلى معازل وكنتونات، وهي بذلك حققت مصلحتها في عدم وجود دولة فلسطينية مستقلة متصلة ذات سيادة ، حيث أصبحت أدنى مُقومات الدولة غير موجودة .
إن الانتخابات في بلادنا كانت بداية لأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية لرفض التعامل معها كمبدأ ديمقراطي ونهج حياة ، واصرار بعض الاطراف على التهرب من هذا الاستحقاق الديمقراطي حيث نعيش حالياً في وضع مأزوم وفاقد لجميع الشرعيات بعد انتهاء المدة القانونية للمجلس التشريعي والرئاسة الفلسطينية وعدم التعامل بموضوع انتخابات المجلس الوطني بالجدّية اللازمة
إن تجارب الشعوب الإنسانية والسياسية وجدت في الانتخابات الطريقة المثلى لاختيار القيادات ومنح الشرعية للقيادة السياسية ، فالانتخابات هي مشاركة ديمقراطية تهدف الى حل الازمات السياسية من خلال صندوق الاقتراع الذي يعطي الناخب الحرية في منح الشرعية لمن يراه مناسباً
ان الحديث عن دمقرطة منظمة التحرير ليس بجديد ، بل هو مطلب قديم وكان هناك اتفاق بين الفصائل الفلسطينية والمستقلين على عقد انتخابات المجلس الوطني ، التي يجب حسم مسألة التزامن مع الانتخابات التشريعية ويجب التفريق بينهما ، ونتج عن اعلان القاهرة ما سمي " اتفاق القاهرة " في 4/5/2011 تشكيل اطار قيادي مؤقت يُنهي عمله المُحدد بإجراء انتخابات المجلس الوطني ، ولم يتم العمل في هذا الاتفاق لاسباب نعلمها جميعاً ،ما يعكس انه لم تكن هناك جديّة في اجراء الانتخابات في ظل وجود فيتو عربي واسرائيلي ودولي على إصلاح وتفعيل منظمة التحرير .
ان عقد المجلس الوطني الفلسطيني بتاريخ 30/4/2018 برام الله واضافة أعضاء جدد بطريقة توافقية يعتبر خطوة اولى في الاتجاه الصحيح على طريق عقد مجلس توافقي وحدوي يضم جميع الاطراف الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير، والاتفاق على اجراء انتخابات ديمقراطية للمجلس الوطني في الداخل والخارج رغم وجود صعوبات في انجاز الانتخابات في الخارج ،الا انه يجب المحاولة مع الدول التي يتواجد فيها الفلسطينيون في الشتات وهي تتركز في الاردن وسوريا ولبنان وتربطنا بها جميعاً علاقات اخوية متينة .
ان عقد المجلس بهذه الطريقة لم يرقى لمستوى طموحات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج لاصلاح منظمة التحرير ضمن عملية ديمقراطية شفافة نستطيع من خلالها اعادة الحياة للمنظمة من خلال اشراك جميع الاحزاب والحركات الوطنية والاسلامية الفلسطينية، والعمل على اكتشاف وجوه جديدة وادخال عنصر الشباب ،بدلاً من الوجوه التي الفناها على مدار العقود الماضية ، لذلك يجب العمل بجدية تامة وبالسرعة الممكنة لعقد مجلس وطني جديد وعلى حركتي حماس والجهاد النزول عن الشجرة قليلاً من اجل انقاذ المشروع الوطني الفلسطيني والعمل على اصلاح المنظمة من داخلها وليس من خارجها .
وتقع على عاتق فصائل منظمة التحرير مسؤولية كبيرة لأنها لم تعمل على تطوير نفسها وتطوير برامجها السياسية والاجتماعية وفقدت جماهيريتها وفقدت القدرة على التواصل مع عامة الشعب بشكل مقنع من جهة، والضغط من اجل تطوير المنظمة من جهة اخرى ، فقد اصبحت فصائل ضعيفة منضوية تحت لواء (المنظمة/ السلطة) تنتظر موازناتها الشهرية دون الارتقاء لمستوى الاحداث التي شهدتها القضية الفلسطينية منذ توقيع اتفاق اوسلو حتى اليوم ، ولم نسمع عن أي فصيل فلسطيني انه قام بتعديل ميثاقه ليتناسب ويتوافق مع التطورات التي شهدتها القضية الفلسطينية ، ولا بد لهذه الفصائل إن أرادت الاستمرار والنجاح أن تعيد النظر في برامجها المختلفة وتحدد اهدافها بوضوح وأن تمتلك الارادة اللازمة لذلك ، وأن تجيب على السؤال المهم والصعب وبصراحة ودون مواربة ، وهو هل ما زالت الفصائل الفلسطينية فصائل تحرر وطني؟؟
فإن كانت اجابتها بنعم فعليها طرح برنامجها التحرري من جديد ، وإن كانت الاجابة بلا فعليها طرح البرنامج البديل .
ما لم تمتلك القيادة الفلسطينية وقيادة فصائل العمل الوطني الارادة السياسية الحقيقية للتغيير الايجابي في أوضاع منظمة التحرير فإن مشروعنا الوطني برمّته سيكون في خطر، والوقت لم يعد في صالحنا لأن الأرض تصادر يوماً بعد يوم والقدس تُهود ، وباتَ من المُلح إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وفقاً لهذه الوقائع الاحتلالية في ظل تعنت اسرائيل ورفضها تطبيق قرارات الشرعية الدولية وواقع العالم العربي والدولي من حولنا ، ولابد من اتخاذ قرار جريء بإعادة بناء المنظمة على اسس ديمقراطية وتعددية وتفعيلها وإعادة هيّبتها لتكون هي الحاضنة الحقيقية للشعب الفلسطيني بكل أطيافه في الداخل والخارج .