عقربا العيد.. صورة قلمية
كل عام وانتم بخير وتقبل طاعتكم
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد . بهذا يبدأ عندنا العيد في الوطن في الأرض التي ننتمي لها كما تنتمي لنا.
وَيَدُب الحِراك ويتلاشى الهُدوء والسكون، وَيغدوا الناس في رَوحَةٍ وَجَيه. ولا تَكادُ تَمُر بِطريقٍ إلا وأقدامُ المارة تَعجّه، وسيارات الناس تَدُكه، وصيحات الأطفال وألعابهم تَضُجّه.
فالعيدُ عَودةُ الحياة وَتَنسمُ الأجر وَوصلُ الأرحام والتقاءُ الأصحابِ والتزاورُ وَنزولُ الدور بِبَهجةٍ وسرور، فهذا يوم السعدِ والنور.
ومن جَميل هذا اليوم: صلاة العيد، سُنة دينٍ مجيد، أمر بها سيدنا مُحمدٍ ذو السيرة المحمود، فَيعتَلي الإمام خطيباً في الوجود، وذلك بعد صلاة ركعتي العيد، وَيُهَنِئُ المسلمين بهذا اليوم السعيد، يَومِ الجائزة والنعيم والمزيد. وقوله المُكرر:( ليس العيد لمن لبس الجديد إنما العيد لمن طاعاته تزيد). وما أن يَنفَضَ جَمعُهم الرشيد حتى يَنتَشروا في القرية على هَديٍ سديد.
ومما يُمارس صبيحة العيد طوافُ الناس على المقابر وزيارة تلك المدافن، فيترحمون على سكانها من المؤمنين، وتلك عادةٌ توارثوها على مر السنين. وفي هذا اليوم: الفاتحة للموتى مقروءة والرحمة لهم مطلوبة، ولذا تفتح المضافات أبوابها والبيوت غرف استقبال زوارها، وذلك حال من فقد قريباً من وقت قريب كحالي في فقد أبي رحمه الله في ذا العيد.
وفي العيد.. الأرحام سَعيدةً مَجبُورةً غَير كَسيرة، ولسانها بالدعاء لمن وصلها، فالرحم بالعرش مُعلقةٌ قولها: (اللهم صِل من وصلني واقطع من قطعني)كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم.
والأيادي بالخير يوم العيد مَمدودة والهدايا إلى البيوت قبل الرجال مَسبوقة، والأموال للأطفال مُهداه وللأرحام مُعطاة، وقولهم بالسلامة لمن أَعطى وَعيّدَ وزار.
وفي العيد أجمل الثياب مَلبوسَة، والبَسمَةُ في الوجوه مَغروسة، والبيوت مُزدانَةٌ مَحروسة، نظيفةً مَكنوسَة، والكل يُبدي كرمه وسروره. وفي العيد الموائِدُ مَمدودة وأصنافُ الحلوى غَيرَ مَحصيةٍ وَمَعدودة، والأطعمة والأشرِبةُ شَهيةً جَميلة، والبَسمةُ لا تُفارقُ أحداً، ولا تُغادرُ وَجهاً، ولا تَترك مُحَيّاً.
أما المَحلات والدكاكين فهي مُنذ أيام ما قبل العيد مَغزوَةً مَنزولة، فيشترى كُلٌ حلوى أرحامه وضيوفه، وتجد الناس في انتقاء أشكال الحلوى وصُنوفه. والأموال يومها مُتبادلةٌ مبذولة. وهنيئاً لهم فإن الله يُعطيهم بعطائهم من خيره ومزيده.
أما اجتماع الأهل وتزاورهم ووفودهم عند أقاربهم وأرحامهم فيمارسه الناس صغيرهم وكبيرهم صالحهم وطالحهم. ولذا تَجدُ ريح العيد ونسائمه تغشاهم وتنعشهم وللخير والبر تدفعهم، والله وحده يجزيهم ويتقبل عملهم.
وفي هذه الأيام المباركات تكثر الرحلات والزيارات، وتبدأ الرسائل والاتصالات، وتصاغ بأجمل الأقوال والعبارات، وكل يقصد الإفصاح بالمجاملات. ومن كثرة الاتصالات تَحِلُ عِلّةٌ بالجوالات، ويكاد البث ينقطع رغم قرب الهوائيات والمحطات، وما ذلك إلا لكثرة الضغط على الشبكات.
أما مجالس العيد فهي مقتضّة، والحديث فيها ذو ضَجّة، والنقاشات مُحتدّه والآراء مُعتدّة، وأخبار البلدة طاغية وأحداث السياسة حاضرة، والناس في النقاش بين اختلاف واتفاق.
أما الأطفال .. فهم صبيحة العيد أسعد الناس وأفرحهم، وجمع المال من الأقارب غاية مطمحهم،وأناقة ثيابهم وجديدها يُسعدهم، وألعابُهم مَفرَحُهم وَمَبهَجَهم، والبارود بأشكاله أجمل لُعَبهم. وليلة العيد عندهم أطول ليلة وأبعدها نهاراً لكثرة شوقهم ليوم العيد يوم الفرحة والسعد والخير الجزيل، وكلهم يومها فرح سعيد .
وأشهر حلوى العيد المعمول، تجده في كُل الدور، وهو للضيوف محمول، وكلٌ يصنعه بلونٍ ومذاق، وشَكلٍ وأطباق، وهذا أمرٌ يُشهد عليه بالاتفاق. ولا تكاد تدخل داراً إلا أوتيت بالشراب ساخناً وبارداً، وبالحلوى والمعمول إكراماً، وبالطعام فضلاً وإنعاماً، وتلك للعيد نعمة، فضلاً من الله ومنة.
تلك صورة العيد رسمتها لكم بريشتي ، وكل من أدرك العيد في بلدتي يُدرك معنى مقالتي، إذ الأمر في عقربا مُعاش يعرفه كل من بها ولد وعاش، وهذا هو العيد بواقعه المشهود لا الخيال المنشود.
وفي الختام: أسأل الله قبولاً منا للطاعات، ومغفرة للذنوب والزلات، وإنزال الخير والبركات، وكل عام وانتم إلى الله أقرب.
الحكواتي حمزة العقرباوي