تابعت، الشهر الماضي، مسلسل «عوالم خفية»، الذي تدور أحداثه حول مذكرات خاصة بفنانة مشهورة تدعى «مريم رياض» تقع مصادفة بيد الصحافي «هلال كامل»، ومن الحلقة الأولى يبدأ لغز مقتل هذه الفنانة رمياً من شرفة غرفتها، حيث تكشف المذكرات قضايا فساد متنوعة، ما جعلها سبباً في قتلها، حتى تموت معها تلك الأسرار.
ونجد مع تصاعد الأحداث أن مذكرات «مريم رياض» تدين رجالاً مهمين في عالم السياسية والحكومة والدين والاقتصاد والفن، وتفضح قضايا فساد أغلقت منذ سنوات طويلة، مثل: التجارة بالدين، والمخدرات، وبالأعضاء البشرية، وصفقة «الأنسولين المغشوشة» التي تسببت في موت أكثر من 300 مواطن، ووجهت فيها أصابع الاتهام إلى وزير الصحة، وتستمر المفاجآت التي تفجرها حلقات المسلسل خلال رحلة صفحات المذكرات.
مسلسل «عوالم خفية» من تأليف ورشة كتابة لأمين جمال ومحمد محرز ومحمود حمدان، وإخراج وإنتاج رامي إمام، ويشارك في بطولته إلى جانب عادل إمام، كل من: فتحي عبد الوهاب وأحمد وفيق وصلاح عبد الله وبشرى ورانيا فريد شوقي وهبة مجدي ومي سليم وأسامة عباس، وعدد من كبار نجوم السينما المصرية كضيوف شرف.
بعد هذه المقدمة السريعة، أستطيع القول: إن هذا المسلسل على الرغم من الضجة الإعلامية التي تعرض لها منذ عرض أول حلقة بسبب اعتقاد الشارع المصري والعربي بأن هذا المسلسل يتناول قصة حياة سندريلا السينما المصرية سعاد حسني؛ إلاّ أنه من أكثر المسلسلات الهادفة على كافة الأصعدة، وغير مكرر من حيث الفكرة والمضمون والإخراج مقارنة مع بعض المسلسلات العربية في السنوات الماضية.
وهذا ما ينطبق على «الزعيم» عادل إمام بحد ذاته، إذ خيراً فعل بأنه جدد ذاته بذاته من حيث تغييره المؤلف الدائم لأغلب أعماله، وهو الكاتب الساخر يوسف معاطي، وإعطائه مساحة لشباب جدد، وأيضاً من خلال الأسلوب فقد انتقل «الزعيم» من أسلوب الفكاهة إلى التشويق ومن أسلوب الرسائل المُبطنة إلى الحديث مباشرة عن معاناة المجتمع المصري والعربي في العديد من القضايا التي تُنهك قواه.
«الزعيم» في «عوالم خفية» دق جرس الخطر حول العديد من المواضيع الحساسة بمجتمعنا العربي، وأبرز أهمية دور صاحبة الجلالة المتمثلة بـ «السلطة الرابعة» في الكشف عن القضايا التي تنخُر جسد المجتمع الذي أنهكه العديد من الأمراض، وهنا قام «الزعيم» بتعرية العديد من المُسلمات والبديهيات التي يعتقد المجتمع العربي أنه ممنوع المساس بها.
لهذا فإن العوالم الخفية التي نعيشها في البيت، دور الأيتام، المؤسسات الحكومية، المسجد والكنيسة، المؤسسات الأجنبية، الحزب، القطاع الخاص، الفن...إلخ، وما يمثله ذلك من أفراد ومجتمعات تتشابك مع بعضها البعض ضمن شبكة مصالح قائمة على تضليل الحقائق بمسميات مختلفة، مثل: الوطنية! الدين! الإنسانية! الأمن! المصلحة العامة! كل ذلك وربما أكثر قام «الزعيم» بمس عصب تلك «التابوهات» من خلال المسلسل الذي تمنى كل مشاهد عربي بأنه ليس مجرد مسلسل، وإنما حقيقة في معالجة الواقع!!