الرئيسية / الأخبار / فلسطين
اندماجٌ، ففكٌ، فضباب.. البلدية المتحدة بجنين..من التنمية المستدامة إلى إعاقة الإجراءات المعيشية الروتينية
تاريخ النشر: الأربعاء 27/06/2018 18:57
اندماجٌ، ففكٌ، فضباب.. 	البلدية المتحدة بجنين..من التنمية المستدامة إلى إعاقة الإجراءات المعيشية الروتينية
اندماجٌ، ففكٌ، فضباب.. البلدية المتحدة بجنين..من التنمية المستدامة إلى إعاقة الإجراءات المعيشية الروتينية

تحقيق

تسنيم ياسين

آصال أبو سارة

قبل أسبوع تقريباً، قتل مجموعة من مزارعي قرى ميثلون والجديدة مجموعة من الخنازير التي هاجمت أراضيهم الواقعة بين المنطقتين، لتبدأ خلال الأيام التي تلت الحادث سلسلة من الاتصالات المتبادلة بين البلدية المتحدة المشتركة وبلدية ميثلون لتحديد من تقع عليه مسؤولية دفن جثث الخنازير.

صراع دفن الخنازير هو على سخفه برأي البعض إلا أن ما وراءه صراع يمتد لأكثر من 7 سنوات حول الصلاحيات والمسؤوليات بين البلدية المتحدة المشتركة التي من المفترض أن تجمع قرى صير والجديدة وسيريس وبلدة ميثلون، وبين الهيئات المحلية للقرى الأربع نفسها، فمن أين تبدأ تفاصيل الحكاية؟

عام 2011 وتنفيذاً لسياسة تنتهجها وزارة الحكم المحلي التابعة للسلطة الفلسطينية أُعلن تأسيس البلدية المتحدة التي ستجمع قرى سيريس وصير وميثلون والجديدة، وتقوم أساساً على إلغاء المجالس المحلية لتتحد بشكل كامل في جسم البلدية المتحدة.

الهدف الأساس من فكرة الدمج كان بحسب تصريحات وزارة الحكم المحلي حينها، الانتقال من مرحلة تقديم الخدمات إلى مرحلة التنمية طويلة الأمد.

وزير الحكم المحلي الدكتور حسين الأعرج، ابن بلدة ميثلون، يقول في مقابلة حصرية لأصداء: "منذ مجيء السلطة الفلسطينية ارتأت أن تعمل على دمج عدد من القرى والمجالس الصغيرة وذلك للمساهمة في تقديم خدمات بجودة أعلى وبتكاليف أقل على المجالس، ومن هذه المشاريع كانت البلدية المتحدة بجنين".

أحمد سيف رئيس قسم العلاقات العامة سابقاً في المتحدة، يقول في مقابلة سابقة لأصداء أن ما تم تنفيذه من مشاريع زادت كلفته على الـ5 ملايين دولار، وأن الفكرة بالأساس هي "أن دور البلديات لفترة طويلة كان يتوقف على تقديم الخدمات، لكننا بهذه الفكرة  أردنا الانتقال إلى مشاريع تحدث تنمية مستدامة في التجمعات الأربع".

ما قبل الدمج

الطريق التي ستوصلك إلى ميثلون هي نفسها التي ستوصلك إلى سيريس وإلى الجديدة وإلى صير، وإذا أردت أن تفرق بين القرى والبلدات الأربع فلن تستطيع دون أن تعود لأوراق لا تحفظها العائلات المندمجة مع بعضها، فالاندماج الاجتماعي والخدماتي كان موجوداً على أرض الواقع قبل الورق.

إدارياً، كان لكل منطقة حكاية، فميثلون كانت بلدة يعود تأسيس بلديتها إلى عام 1996، بقرار من الرئيس الراحل أبو عمار الذي وجدها مؤهلة بالكامل لذلك، وكانت لديها إيراداتها الخاصة من الكهرباء التي كانت بيد البلدية نفسها، حيث يقدر ما كانت تحققه شهرياً من الكهرباء فقط ما بين 70-80 ألف شيكل.

وبالنسبة لقرى سيريس وصير والجديدة فكانت عبارة عن مجالس قروية تعود في جميع خدماتها إلى مديرية الحكم المحلي بجنين.

أما من ناحية توزيع السكان فكما يظهر مركز الإحصاء الفلسطيني فإنه كان عام 2011 على النحو التالي بينهم:

 

التجمع

عدد السكان

المساحة

ميثلون

7620

20 ألف دونم

سيريس

5353

12495 دونماً

الجديدة

5891

6360 دونماً

صير

815

12499 دونماً

 

رغم أن القرار لم يكن قد تم تبليغ الهيئات المحلية به قبل البدء، إلا أن إدارات الهيئات اجتمعت وقررت الآلية التي ستقوم عليها البلدية، بحيث تم الاتفاق على أن تتخذ القرارات بناء على تصويت الأعضاء الممثلين للمناطق المندمجة، وكان توزيعهم على نحو خمسة لميثلون التي هي أكبر التجمعات مساحة وسكاناً، وأربعة لسيريس و أربعة للجديدة، واثنان من صير الأقل سكاناً ومساحة. 

رئيس البلدية المتحدة حسام أبو مريم أكد لأصداء أن هذا التمثيل وفر توزيعاً عادلاً للمشاريع القادمة من الداعمين للبلدية، ويوضح: "كان يأتينا المشروع، نجلس جميعاً نناقشه ويتم توزيع المشاريع على المناطق الثلاثة بنسبة وتناسب، بحيث كانت ميثلون تحصل على حصتها كاملة دون أي نقص".

أما في ميثلون فكان الرفض هو الغالب خاصة من السكان الذين رأوا في الفكرة تقاسماً لإيرادات بلديتهم مع القرى الثلاثة الأخرى وذلك بسبب الفجور الكبيرة في المستوى بينهم.

محمود ربايعة رئيس بلدية ميثلون الحالي وضح لنا سبب رفض الأهالي الفكرة قائلاً: "نحن بلدية منذ عام 1996 ولدينا إيراداتنا الخاصة، بالتالي حينما جاءت الفكرة من الناس من استوعبها ومنهم من لم يستوعبها، لكننا بسبب ما وعدنا به من أن نصبح "سنغافورة فلسطين"، قررنا المخاطرة ودخلنا الدمج".

قشاتُ قصمِ ظهرِ البعير

"هي القشة التي قصمت ظهر البعير" تكررت المقولة والمصير واحد، تململ وتذمر بعد الاندماج في البلدية المتحدة كان لعدد من الأسباب التي تقصاها فريق البحث لاكتشاف السبب الرئيس وراء التذمر الكبير من فكرة الدمج، خاصة وأن هذا التذمر مرفوض لدى القائمين الحاليين على بقايا المتحدة.

إحدى القشات كانت مشكلة الكهرباء، فبلدية ميثلون التي كانت تملك إيرادات الكهرباء ويتم الدفع مباشرة من قبل المواطنين مقابلها، وجدت نفسها مجبرة على تسليم الكهرباء للمتحدة التي من بعدها انتقلت إلى شركة كهرباء الشمال، وبالتالي حرمت البلدة من مورد رئيسي سابق، كان يحقق لها كما أشرنا سابقاً 70-80 ألف شيكل.

يوضح ربايعة: "للأسف، ما وُعدنا به سابقاً لم يتحقق، فلا مشاريع ولا أي تطور عاد على بلديتنا، هم أرادوا أن يصغروا ميثلون بدلاً من رفع القرى الثلاثة الأخرى، الكهرباء منذ نقلها إلى الشمال وحتى الآن ما عاد علينا منها لا يتجاوز الـ140 ألف شيكل".

توزيع المشاريع كان أيضاً قشة أخرى، فقد رفض ربايعة قطعياً ما ذُكر على لسان أبو مريم رئيس البلدية المتحدة من أن توزيع المشاريع كان بالنسبة والتناسب، بل أكد لنا أن ما كان هو توزيع على حسب الحاجة وهو ما خلق الفجور الكبيرة بين ممثلي ميثلون والقرى الأخرى، بحيث كان يأتي المشروع مثلاً شق طريق، فيتم رصده بالكامل لإحدى القرى بدلاً من توزيعه وذلك لأن ميثلون حاجتها لشق طريق أقل".

أما بالنسبة لوزير الحكم المحلي الدكتور حسين الأعرج فقد كانت القشة بحسب قوله هي إخضاع البلدية المتحدة لنظام الانتخابات بينما "خلا  الاتفاق من تحديد الآلية التي ستتشكل من خلالها البلدية المتحدة، فهل سيتم اختيار والرئيس والأعضاء بناء على التعيين؟ أم الانتخاب؟ وبالتالي هذا سهّل عملية سيطرة إحدى القرى على البلدية والقرارات".

وبحسب الوزير فإن مواطني ميثلون حينما وجدوا أنهم لا يعرفون من سيتولى إدارة الأمور وعلى أي أساس، انسحبوا من الانتخابات بحيث توجه منهم فقط 10% من سكان المنطقة، وهو ما انعكس على حصة البلدة من مشاريع البلدية المتحدة.

أما بالنسبة لقرار نقل الكهرباء للشمال فقد أبدى الوزير تأييده للقرار بإرجاعه السبب إلى أن القانون يفرض على كل البلديات نقل ملكية الكهرباء لشركة الشمال، لكنه لا ينفي كون هذا الإجراء زاد من نقمة المواطنين خاصة في ميثلون، الذين اضطروا أن يزيدوا ما يدفعونه مقابل الكهرباء.

وبينما يؤكد حسام أبو مريم رئيس البلدية المتحدة أن البلدية المتحدة حققت نجاحاً متواصلاً وكانت ستزيد نجاحها وتتخطى مشاكلها لولا الفك الذي جاء مفاجئاً، إلا أن الوزير حسم قراره بأن فكرة الدمج مجهضة منذ البداية بسبب إخضاعها لنظام الانتخابات، ولأنها قامت على إلغاء وجود المجالس المحلية وهو ما خلق مشكلة في استيعاب الفكرة لدى المواطنين.

فك الدمج

في ميثلون ساد الاعتقاد بأنهم ظلموا وتم الالتفاف على حقوقهم، لكن أبو مريم رئيس المتحدة أنكر لفريق التحقيق بشكل كامل الظلم على ميثلون وأكد على أنهم "يعتقدون بأنهم تم الانتقاص من حصصهم لكن الحقيقة أنهم كانوا يأخذون كل ما استحقوا".

المدير الإداري في البلدية المتحدة المشتركة جمال نعيرات الذي تم نقله للمتحدة منذ بداية تأسيسها بعد أن كان لأكثر من 15 سنة يعمل في بلدية ميثلون، اعترف بأن ميثلون تقلصت حصصها ولكن كان من الممكن تدارك الأمر لولا القرار الأكثر مفاجأة من الدمج، فك الدمج.

بعد أن استلم الوزير حسين الأعرج وزارة الحكم المحلي، واطلع على وضع البلديات المتحدة على مستوى الوطن بالأخص المتحدة بجنين، كان قراره فك الدمج لإعادة هيكلة البلديات لتصبح مجالس خدمات مشتركة بين القرى والبلدات المتحدة.

ويقوم فك الدمج على إعادة تكوين المجالس المحلية في كل تجمع من التجمعات المتحدة، ومن ثم تقاسم الصلاحيات بينها وبين الجسم الذي يجمعها وهو البلدية المتحدة المشتركة.

وكما وضح لنا الدكتور الأعرج فإنه "من أنصار التجمع ولكن دون إلغاء وجود وكينونة المجالس المحلية، وبالتالي تحقق البلديات المشتركة ما قامت عليه أساساً وهو التعاون على المشاريع التنموية طويلة الأمد، فيمنع إقامة مشاريع داخل التجمعات المتحدة وإنما على حدودها أو ما يصل بينها، مثل الطرق أو شبكة الصرف الصحي وما إلى ذلك".

"فك الدمج كان مفاجئاً لنا، صدقاً لم نعرف ما الذي دار في الوزارة قبل إعلامنا بأنه تم فك الدمج لاستحداث جسم جديد تحت مسمى البلدية المتحدة المشتركة"، يقول نعيرات، "حسناً، لم تجهزوا الناس قبل الدمج وبعده وحتى نحن لم نكن نعلم، استجبنا للأوامر ولكن، ماذا بعد الفك؟"

واتهم نعيرات الوزارة بعدم إيجاد بديل واضح ومحدد، فكما صرح لفريق التحقيق فإنه "إلى الآن لا يوجد نظام قانوني مكتوب وواضح ينظم العلاقة بين المجالس المحلية والتجمعات المنضوية تحت البلدية المتحدة المشتركة، الوضع بالنسبة إلينا ضبابي".

ويتابع نعيرات: "نحن الآن نعمل وفق تعليمات من وزارة الحكم المحلي وهو ما يؤدي بنا إلى القيام بأدوار ليست لنا وفق ما تم الاتفاق عليه عند فك الدمج، مثل النفايات هي ليست من مسؤولياتنا ولكننا الآن نقوم بها، كذلك التراخيص، فمع أن ميثلون أخذت التراخيص الخاصة بها إليها ولكن باقي القرى الثلاث نحن نقوم بالتراخيص".

عدم الوضوح انعكس جلياً على توزيع الصلاحيات بين أطراف الخلاف، فكل ما له علاقة بمهام البلدية صار أساساً لنزاع يتحمل تبعاته المواطن، وكما يوضح رئيس المشتركة أبو مريم فإن "القرار جاء تصعيباً للمواطن، فبدلاً من أن ينهي إجراءات الحصول على خدماته في مكان واحد صار يضطر لقضاء يوم كامل بين المشتركة والمجلس المحلي في بلده".

مع صدامات تداخل الصلاحيات، غرقت المشتركة بالديون لتصل إلى 450 ألف شيكل، بسبب عدم وجود مصادر إيرادات للبلدية، فبعد انتقال بعض الصلاحيات إلى المجالس المحلية وانتقال تعامل شركة كهرباء الشمال من البلدية للمجالس المحلية كل على حدى، فقد موظفو البلدية الأمن الوظيفي لهم.

"البلدية لم تعد قادرة على دفع رواتب موظفيها" يشكو نعيرات، "إلى الآن أنا لا أعرف ماذا سيحدث حينما أتقاعد فلا مال لدى البلدية تدفعه لنا، حتى أنها مدينة لصندوق التقاعد بدلاً من أن تضع فيه المال، لا شيء الآن معروف لدينا، لا صلاحيات، ولا الإيرادات، ولا الرواتب، كل ما نتعامل به الآن هو الضباب".

وفي اقتراح الحل أبدى أبو مريم موافقته على انفصال ميثلون وحدها وعودة سيريس وصير والجديدة متحدة مع بعضهم، ولكن مع حسن النية البادي، كان الاقتراح كفيلاً لدفع رئيس بلدية ميثلون إلى رفضه رفضاً قاطعاً، وذلك "لأن ميثلون هكذا ستخسر كل حقوقها في المتحدة والمشتركة، فميثلون هي من قدمت ما يزيد على الـ60% من إيرادات البلدية المتحدة سابقاً، والآن ليس من المعقول أن نعود من البداية، الآن نحن نصلح ما أُهمل أثناء فترة المتحدة، ونتمنى ألا نعاود التراجع".

وطالب محمود ربايعة بإيجاد حل سريع وواضح لكل ما هو عالق وأبدى استعداد بلديته للتعاون بشكل كامل مع أي قرار تتخذه وزارة الحكن المحلي، ويوضح: "نحن لسنا ضد الدمج ولكن بشرط ألا يتم هضم حقنا، وأن يتم تحديد الصلاحيات بشكل كامل وتام بين الأجسام المختلفة، فشق طريق سيريس نابلس على من الآن؟ وإقامة الملعب أيضاً على من؟"

لكن لدى الوزير الذي قابلناه في منزله كانت الإجابة واضحة، "لا يوجد تداخل بالصلاحيات، كل شيء بالنسبة إلينا في الوزارة واضح، الاتفاق هو أن تكون التراخيص والتنظيم والتخطيط بيد المشترمة ولكن الإيرادات توزع 50% بين الطرفين في حال سيريس وصير والجديدة، أما ميثلون التي تمتلك قسم هندسة خاصاً بها فتكون الإيرادات 90% لميثلون و10% للمشتركة، المشكلة في الحقيقة هي أنهم لا يريدون أن يقرأوا القانون".

ويقر الوزير الأعرج لفريق التحقيق بوجود تعثر في تطبيق القانون والقرار بتفاصيله، موضحاً: "التعثر له سببان، الأول أن المجالس الأربع حينما تم الاتفاق على إقامة المشتركة اعتبروا ذلك بداية للانفكاك الكامل، وبالتالي هم الآن يعملون على هذا الأساس، وأما الثاني فوجود فجوة في العملية وفهمها بين مديرية الحكم المحلي والمجالس المحلية الأخرى خاصة في هدف المجالس المشتركة".

ومع تصاعد الاتهامات وأزمة التداخل الموجودة على أرض الواقع، تبقى البلديات والمجالس دون ما تثبت به نفسها وتنمو، فما كان مقصده التنمية المستدامة أصبح الآن معيقاً للإجراءات المعيشية الروتينية في القرى والمجالس المتحدة.

يشار إلى أن التجربة لم تقتصر فقط على جنين بل طبقت أيضا في مجالس مرج ابن عامر، والكفريات وغيرها، واشتركت معظم هذه المحاولات بالمصير نفسه، اتحاد، فنزاع، ففك، فضباب.

 

المزيد من الصور
اندماجٌ، ففكٌ، فضباب.. 	البلدية المتحدة بجنين..من التنمية المستدامة إلى إعاقة الإجراءات المعيشية الروتينية
اندماجٌ، ففكٌ، فضباب.. 	البلدية المتحدة بجنين..من التنمية المستدامة إلى إعاقة الإجراءات المعيشية الروتينية
اندماجٌ، ففكٌ، فضباب.. 	البلدية المتحدة بجنين..من التنمية المستدامة إلى إعاقة الإجراءات المعيشية الروتينية
تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017