تقرير إيناس سويدان، سارا دويك، أثير برهم
فوضى عارمة ومشاكل بالجملة، وبقايا خضار وفواكه متكدسة في كل زاوية، وصناديق تغلق الطرقات منذ سنوات طويلة، رائحة نتنة انتشرت في أرجاء المكان، وحيوانات وَجَدت فيه ملجأً لها، مياه عادمة تجمعت في ساحاته، وأوبئة في طريقها للانتشار، نحن لا نتحدث عن مكب نفايات، بل عن السوق المركزي لمدينة نابلس، الذي يعتبر الشريان الوحيد الذي يُغَذي المدينة وقراها بالخضار والفواكه، لا بد أنك ظننت أنك سترى أشهى منتجات المحاصيل، فَمِنَ المفترض أن يكون هذا السوق عنواناً للنظام والنظافة، ولكن حتماً ستغير رأيك بعد زيارتك للمكان.
مَن المسؤول عن نظافة هذا السوق؟ وعلى مَن يقع اللوم؟ ومتى سيستطيع أن يثق المواطن بما يُطعم منه عائلتَه؟للإجابة على هذه الأسئلة توجهنا في فريق أصداء الإخباري لزيارة سوق الخضار المركزي في مدينة نابلس.
وفي مقابلة مع التاجر أبو خالد صقر الذي يعمل في السوق منذ 46 عاماً، يقول "النظافة شبه معدومة هنا، والسوق لم يأخذ حقه في النظافة، وأيضاً إدارة السوق غائبة ما في مسائلة ولا محاسبة"، ويتابع "مش في وزارة صحة؟ وين الرقابة؟".
وينوه صقر أن المسؤولية لا تَقَع فقط على بلدية نابلس أو الصحة، بل هنالك ذنب ودور كبير للتجار في تَكدس هذه النفايات واختلاطها بالخضار والفواكه، فهو يرى أن تجار السوق يستطيعون إبقاءه نظيفاً لو اهتم كل تاجر بمكانه المخصص.
ويضيف أبو صقر أن عمال النظافة الخمسة لن يستطيعوا المحافظة على نظافة سوق كبير تزيد مساحته عن 50 دونم، وإبقاءه نظيف ومرتب، فهو بحاجة إلى ما لا يقل عن 12 عامل نظافة، مزودين بالمعدات الحديثة، بالإضافة إلى النقص الكبير في حاويات النظافة التي أصبحت مهترئة وغير صالحة للاستخدام.
ومن ناحيته يقول مدير السوق مهند عسقلان لفريق أصداء الإخباري، "لاشك إنه في بعض الإخفاقات في العمل، وأن هناك بعض الأمور لا نستطيع حلها وقت حدوثها، فمن الصعب جداً البدء بأعمال التنظيف قبل الانتهاء من أعمال السوق والبيع بشكل تام، وذلك بسبب صعوبة تنقل عمال النظافة بين "الصحاحير"، "والمخالات"، "والمشاتيح"، وسيارات الزبائن التي تقصد السوق للمتاجرة بالخضار والفواكه".
ويؤكد عسقلان أن حل هذه المشكلة تكاملي بين التجار وإدارة السوق والبلدية والصحة، وأن تكدس هذه النفايات طبيعي ومألوف في أي سوق خضار أو ورشة عمل.
"بشتغل وبنضف وبرتب وبعد نص ساعة برجع عالمكان يلي نضفته بكون أسوأ من قبل"، كانت هذه أحد كلمات عامل النظافة في السوقمجدي دويكات.
ويضيف دويكات أن 1% فقط من التجار من يُلقون نفاياتهم داخل مكب النفايات، أو يلتزمون بقانون إلقاء مخلفات وبقايا الفواكه والخضار بداخل المخالات المخصصة لهذا الغرض، بل غالباً ما يُلقونها إلى جانب مكب النفايات.
ويعاني عمال النظافة يومياً من الشاحنات التي تدخل السوق محملة بالنفايات لتلقيها في ساحات الحسبة، ومن التجار الذين لا يتعاونون أبداً في التنظيف، بل يضعون الحمل كاملاً على العمال، الذين يعملون ست ساعات متواصلة في تنظيف بقاياهم.
ويذكر المنتدب من قسم الصحة داخل سوق الخضار ظافر غزال لفريق أصداء الإخباري، عن الحل الذي اقترحه على البلدية لتخفيف حدة هذه المشكلة، وهو امتلاك الأرض المحاذية للسوق وتخصيصها للمخالات والصناديق التي ازدحمت بها ساحات السوق، والتي كانت سبباً أساسياً في انتشار الجرذان بشكل كبير، إلا أن هذه الأرض تحولت أيضاً لمكب نفايات صغير تابع للسوق خاصة أن هنالك أشخاص يحضرون نفاياتهم ويلقونها في هذه الأرض مما يزيد الوضع سوءاً.
وطالب غزال مرات عديدة بتعويض النقص في الحاويات وعمال النظافة الذين تم إقالتهم بدون إعادة توظيف عمال جدد، فيقول أن عدد عمال النظافة كان 12 عامل ولكن أصبح الآن 5 عمال فقط، واقترح تزويد السوق بحاويات جديدة ذات سعة أكبر وميزات معينة، تساعدهم على نقل والتخلص من النفايات بكفاءة أكبر مما هي عليه الآن.
ويقول رئيس قسم الصحة والبيئة في بلدية نابلس الدكتور نضال منصور لِفريق أصداء الإخباري، "صحيح أن تزويد السوق بالحاويات وعمال النظافة من مسؤليتنا، ولكن نظافة السوق ومتابعته والرقابة ليس من اختصاصي، فهي من مسؤلية مدير السوق والبلدية".
وينوه منصور أن اختلاط الفواكه والخضار المعروضة للبيع مع التالفة وتواجدها في هذه البيئة السيئة، لا يؤثر على انتقال الأوبئة والأمراض إلى الإنسان، أو على صحته.
ورداً على عدم تزويد السوق بالحاويات، يضيف منصور أنه في الوقت الحالي لا تتوافر إمكانيات لمثل هذه المتطلبات، وفي حال توافرها سيتم إرسالها للسوق فوراً، بالرغم من أننا لاحظنا في فريق أصداء أن هنالك عدد كبير من الحاويات التابعة للبلدية، والتي لا يتم استخدامها.
وفي حديث لأصداء مع مدير مكتب رئيس بلدية نابلس موسى الطنبور، يذكر الطنبور أن وضع الحسبة عندما استلمته الإدارة الجديدة لِبلدية نابلس كان مزري جداً، ولذلك استعانت البلدية بمتعهد خارجي، لتوفير آليات حديثة للسوق، ولكن لم يكن ذلك كافياً لِحل مشكلة تكدس النفايات، في ظل غياب الرقابة والمتابعة والالتزام بالقانون.
ويقول الطنبور موجهاً كلامه للتجار والعاملين في السوق، "إذا ساعدتني بالمحافظة على نظافة السوق، أنا سَأستطيع تطوير السوق بشكل كبير من خلال توفير مُعداتٍ جديدة، وتطبيق مشاريعٍ متجددة على أرض السوق، بدلاً من الميزانية الكبيرة التي يتم صرفها على نظافته".
ويشير الطنبور إلى المشروع الجديد الذي تعمل عليه بلدية نابلس، وهو إنشاء سوق جديد في منطقة بيت فوريك، وسيكون هذا السوق ذو مواصفات عالمية ومميزة وعلى مساحة كبيرة، ويأمل الطنبور أن هذا السوق الجديد سيكون ذوو أهمية كبيرة على مستوى فلسطين كاملة.