نشر د. ناصر القدوة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات، ورقة نقاش بعنوان «البنى الفكرية لفتح وللفصائل اليسارية والإسلامية»، وهي ورقة مكثفة تقرأ أكثر من مرة لخضخضة النص، ليس لمحاولة فهم أين نقف الآن؟ وإنما لمعرفة كيف يمكن ألا نقف سواء بالتقدم للأمام أو العودة خطوات للخلف ثم الانطلاق إلى الأمام.
يقول مكسيم غوركي: «لا يكفي أن نقدم الموجود، من الضروري أن نفكر في المرجو والممكن». ورقة القدوة نجدها فكفكت الموجود، وفكرت في المرجو والممكن، في محاولة منه لتحقيق معجزة ينتظرها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية أيضاً، حيث يختتم الورقة بالقول: «إذا حقق الشعب الفلسطيني وقادته كل ذلك، نكون قد حققنا معجزة صغيرة، أعدنا عقارب الساعة للوراء قليلاً، وانطلقنا مرة أخرى في نضال جدي، في إطار بنية فكرية فيها الموحد للحركة الوطنية الفلسطينية، وفيها الخاص للتيارات الثلاثة...».
أضع في هذا الحيز المكاني للمقال عدداً من الأسئلة وبعض التصورات على شكل شظايا في محاولة إصابة الهدف أو محيطه، كمحاولة في تحريك النص الموجود داخل هذه الورقة لخلق نصوص نقدية بنّاءة ربما تساعد في ولادة التغيير الممنهج والبنّاء وليس إجهاضه!!
السؤال الذي يأتي على عاتقنا كشعب إجابته: هل نستطيع تحقيق المعجزة من خلال ما هو قائم من بنى فكرية ضمن الظروف التي نعيشها في مختلف القطاعات أولاً، وواقع المحيط بنا ثانياً، وارتباط واقعنا بواقع المحيط ثالثاً؟! هل نستطيع تغيير البنى الفكرية في ظل الشيخوخة_ليست فقط من حيث العمر_ التي أصابت عقول وأدوات قيادات من هم قائمون على المؤسسات المنبثقة عن الفصائل؟ بالتالي لن أستطيع الاستماع لتعقيب أو نقد ورقة القدوة ممن هم جزء لا يتجزأ من معضلة التغيير، فمن الأفضل الاستماع لأصوات القاعدة والدماء الشابة الطموحة.
ما هي وظيفة الأيديولوجيات في البنى الفكرية في ظل حالة التشرذم الحاد للمجتمع الفلسطيني؟ إن الوظيفة الحقيقية لأي أيديولوجية توحيد المجتمع وليس تفتيت ما هو مفتت، وأيضاً حشد القوى أمام الأخطار التي تعصف به، بالتالي نحن نبحث عن بنية أخلاقية وطنية يتم عكسها في إجراءات علنية للمحافظة على النسيج الفلسطيني الذي أصبح يتآكل!
قد يسأل سائل: هل هذا وقته؟! لماذا علينا النظر الآن للبنى الفكرية؟ نعم، والسبب الرئيس هو الحقيقة المحزنة التي وصلنا لها.. أنه حتى هذه اللحظة لم تنجح الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة «فتح» في إقامة الدولة ولا في تحقيق التحرر من الاحتلال والاضطهاد، فإن الوقت مناسب جداً، خاصة في هذه اللحظة من التطورات السياسية العالمية، فمن حق أي شعب دراسة ومعرفة أين أخذته البنى الفكرية والأيديولوجيات التي آمن بها منذ نشأتها؛ من أجل مجابهة تحديات الحاضر والخروج من المستنقع الذي نغرق به بصمت.
الظروف الحالية للقيادة الفلسطينية من مختلف الأطياف والظروف الدولية تظهر أن هناك قيادة جديدة على وشك التشكل. وهذه المسألة تحتاج إلى بنى فكرية واضحة المعالم وتحليل مستفيض على جميع المستويات، إذ كيف يمكن لقيادة سياسية ما وبنى فكرية معينة أن تؤثر على المجتمع الفلسطيني لمجابهة التحديات الصعبة للغاية التي قد تضع قضيتنا الفلسطينية في لحدها؟!
ينصح الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه كل محدق في الهاوية بألا يطيل النظر، لأن الهاوية ستحدق به أيضاً، والهاوية في البنى الفكرية الفلسطينية تتسع أكثر فأكثر علينا جميعاً؛ لدرجة أننا أصبحنا في مستنقعات بعيدة عن الفكر الذي تمأسست من أجله، وقريبين من بنى فكرية طاردة لا ترحم أحداً، حان الوقت للنظر خارج الهاوية للبنى الفكرية وصياغة ما يجمع قبل فوات الأوان.