يتعرض سوق الباشورة في القدس المحتلة، أحد أقدم الأسواق في المدينة، لخطر المخططات الإسرائيلية الذي يسعى لطمس السوق؛ تمهيدا لإغلاقه، من خلال اتخاذه عدد من الإجراءات الاقتصادية التي تسببت في إغلاق عدد من محاله في السنوات الأخيرة.
يقع سوق الباشورة داخل أسوار البلدة القديمة من القدس، ويعود تاريخه إلى عهد الرومان الذين حكموا المدينة المقدسة منذ عام 63 قبل الميلاد حتى عام 636 ميلادية، ويزدان بأعمدته الرخامية الجميلة، فيما سعى الاحتلال بعد استيلائه على شرقي القدس في حرب 1967 إلى تهويد القدس، وغير اسمه إلى سوق الكاردو.
يتمتع السوق بموقع استراتيجي؛ حيث يقع في منتصف الطريق الواقع بين المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ويشكل نقطة وصل بين جنوب البلدة القديمة باب المغاربة وشمالها باب العامود.
ورغم صغر حجم السوق، حيث لا يتعدى طوله 250 مترا، وعدد محلاته لا تتجاوز 25 محلا، إلا أنه يتعرض لحرب اقتصادية تقودها إسرائيل؛ لإجبار التجار وأصحاب المحال التجارية على إغلاقه؛ تمهيدا لاستبدال محلات تجارية به تعود ملكيتها لأثرياء يهود في المدينة؛ نظرا لما يتمتع به من إرث تاريخي يمتد لأكثر من ألفي عام.
ضرائب ورسوم مرتفعة
"عربي21" ترصد في هذا التقرير الجهود التي تقودها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لإغلاق السوق؛ تمهيدا لإفراغه من الوجود المقدسي.
يقول الحاج ياسر الكركي (84 عاما)، أحد تجار التحف والهدايا في سوق الباشورة، إن "السلطات الإسرائيلية منذ احتلالها للقدس في العام 1967 اتخذت -وما زالت- العشرات من الإجراءات العنصرية بحق سوق الباشورة، من بينها فرض الضرائب والرسوم الجمركية بصورة مضاعفة كل عدة أشهر، إلى أن وصلت قيمة المدفوعات السنوية التي يدفعها التجار تحت بند الرسوم والضرائب إلى أكثر من 900 ألف شيكل (25 ألف دولار)".
ويضيف الكركي في حديث لـ"عربي21": "كما ألزمت السلطات الإسرائيلية المحال التجارية بإغلاق أبوابها من الساعة 6 مساء وحتى صباح اليوم التالي طيلة أيام الأسبوع، وحديثا تم اتخاذ قرار بإغلاق السوق يوم السبت الذي يعدّ بمثابة العطلة في الدين اليهودي".
وتابع: "بالرغم من أن السوق يقع في منطقة سياحية بجوار المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وبذلك فإن الاعتماد الكلي لحركة البيع والشراء في السوق تعتمد على السياح والوافدين من الخارج، إلا أن شركات السياحة الإسرائيلية توجه الإساءة للتجار العرب في السوق، واصفة إياهم بالإرهابيين، وهو ما يجبر السياح على مغادرة المكان؛ خوفا على حياتهم".
منافسة إسرائيلية
فيما رأى التاجر عصام اشتيه، صاحب أحد محلات الأقمشة في السوق، أن "بلدية القدس التابعة للاحتلال سمحت للعشرات من التجار الإسرائيليين بافتتاح محال تجارية بالقرب من سوق الباشورة بإعفاء ضريبي لفترة تتراوح من 3-5 سنوات، وهو ما يعطي التجار الإسرائيليين فرصة للمنافسة من خلال بيع المنتج بسعر منخفض مقارنة بما يتم بيعه في سوق الباشورة".
وتابع اشتيه، في حديث لـ"عربي21"، بأن "هذا الإجراء من السلطات الإسرائيلية أدى لعزوف عدد من التجار في سوق الباشورة عن الاستمرار في مزاولة عملهم، ما دفعهم إلى اتخاذ قرار ببيع محالهم التجارية للتاجر الإسرائيلي الذي يبدي استعداده لشراء المحل؛ لأن بلدية القدس ستمنحه إعفاء من أي رسوم أو ضرائب لمدة 5 سنوات".
وأكد التاجر اشتيه أن "عدد المحال التي أغلقت في السوق تجاوزت 14 محلا تجاريا، تم بيع عدد من هذه المحال لتجار إسرائيليين وجزء آخر ما زال مغلقا".
حملات المقاطعة
رغم كل المحاولات الإسرائيلية الرامية لطمس كل ما له علاقة بإرث تاريخي يثبت أحقية الفلسطينيين في هذه المدينة، إلا أن سكان القدس نجحوا في السنوات الأخيرة في تنظيم حملات مقاطعة للمحال الإسرائيلية في المدينة.
وفي السياق ذاته، أكد الناشط رامي صالح من بلدة سلوان في القدس، أن "سكان القدس يدركون حجم المؤامرة التي تحيكها السلطات الإسرائيلية بحقهم، التي تهدف لترحيلهم خارج المدينة من خلال استخدام أسلوب العقوبات الاقتصادية. وبالرغم من ذلك، نجحنا في تنظيم حملة مقاطعة لشراء أي منتجات أو سلع من محال يديرها تجار إسرائيليون، كان آخرها حملة المقاطعة الواسعة في عيد الفطر الأخير".
وتابع الناشط المقدسي، في حديث لـ"عربي21"، بأن "هذه المبادرات يتم تنظيمها بشكل فردي من خلال توعية سكان المدينة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب رفض السلطات الإسرائيلية إعطاء الترخيص اللازم لتنظيم أي مبادرات من هذا النوع".
وأقر صالح بصعوبة هذه الحملات في تحقيق أهدافها كما هو مخطط له، وذلك "يأتي نتيجة رغبة المواطنين بشراء السلع بسعر أقل، وبمقارنة سعر المنتج الإسرائيلي ونظيره الفلسطيني نجد التفوق السعري للمنتجات الإسرائيلية بصورة كبيرة".