نشر موقع ميدل إيست آي تقريراً سلط من خلاله الضوء على ظاهرة الإساءة للاعبين ذوي البشرة السوداء في فرنسا، والتي تشهد انخفاضا طفيفا في الوقت الحالي نظير تتويج المنتخب الفرنسي بكأس العالم لكرة القدم. ويجمع الكثيرون على أن المجتمع الأوروبي سيستأنف ممارساته العنصرية في حق اللاعبين والمهاجرين الذين يمتلكون أصولا إفريقية بمجرد انتهاء الاحتفالات.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن فرنسا حققت كأسها العالمية الأولى سنة 1998 بقيادة الأسطورة زين الدين زيدان، الذي يمتلك أصولا جزائرية، فضلا عن ليليان تورام وتيري هنري، الذين تقمصوا قميص منتخب الديكة بغض النظر عن أصولهم الإفريقية. والأمر سيان بالنسبة للمنتخب الفرنسي المشارك في النسخة الحالية من المونديال، الذي ضم تشكيلة من اللاعبين الذين تعود أصولهم إلى المستعمرات الفرنسية السابقة، حيث تعود أصول آباء اللاعبين وأجدادهم إلى خارج البلد الأوروبي.
وأضاف الموقع أن قوام المنتخب الفرنسي لكرة القدم في الوقت الحالي يعكس سياسة الدولة الفرنسية المتعلقة بالهجرة وتاريخها الاستعماري الطويل، وهو ما يقود بعض المشجعين لدعوة الأفارقة لدعم منتخب بلادهم نظرا لكون أغلب لاعبيهم ذوي أصول إفريقية. عموماً، يمكن القول إن مساهمة اللاعبين من ذوي البشرة السوداء في فوز فرنسا باللقب الكروي الأغلى وضعت أسسا وقتية لمجتمع فرنسي يسوده التسامح.
وتطرق الموقع إلى الفترة التي تلت فوز منتخب الديكة بكأس العالم 1998، حيث أصبح الفرنسيون البيض متسامحين مع نظرائهم من ذوي البشرة السوداء والسمراء، فضلا عن معاملتهم كجزء من الأسرة الفرنسية. وعلى الرغم من هذه الأجواء المبهجة، لم تدم نشوة الانتصار طويلا، وذلك لأن فرنسا لم تتخلى قط عن عنصريتها، بل أدرجتها بين طيات النسيان إلى حين انتهاء الاحتفالات.
وأورد الموقع أن المجتمع الفرنسي سيشهد أجواء غير مسبوقة خلال الأسابيع القادمة، حيث سيُسمح للمواطنين الفرنسيين ذوي الأصول العربية والإفريقية بولوج الأماكن العامة والخاصة دون إزعاجهم أو التدخل في خصوصياتهم. وستبدو فرنسا خلال هذه الفترة مثل المدن التي نقرأ عنها في القصص الخيالية، أين يكون المواطنون متساوين في الامتيازات، في حين ستقوم معاملاتهم اليومية على الاحترام المتبادل.
وأفاد الموقع أنه سيقع تعليق العمل بالعنصرية حتى إشعار آخر، وسيطغى تأثير كأس العالم على تفكير المواطنين الفرنسيين، وسيُمنح ذوو البشرة السوداء امتيازات افتراضية، وسيسعى الجميع لمحاولة تقليد لهجتهم وطريقة لباسهم والبعض من معتقداتهم. ويرجع هذا التغيير المفاجئ إلى حقيقة كون نمط حياة المواطنين من أصحاب البشرة السوداء أصبح مثيرا للغاية في أعين الفرنسيين البيض، على الأقل حتى هدوء الاحتفالات الصاخبة التي تقترن بتتويج الفرنسيين باللقب الذي غاب عنهم 20 سنة.
وأوضح الموقع أن المجتمع الفرنسي سيشهد استفحال ظاهرة "العنصرية الإيجابية"، حيث يبدأ أصحاب البشرة البيضاء بمعاملة ذوي البشرة السوداء على أنهم خلقوا من أجل ممارسة الرياضة ورفع الراية الفرنسية في المحافل والفعاليات الرياضية الكبرى. وبموجب ذلك، سينشأ توجه فكري يقضي بإخفاء العنصرية الحقيقية وراءعبارات خطاب التسامح الليبرالي المنمقة. ولا يخفى على أحد أن السود أنفسهم سيرضون بهذا الأمر، حيث سيظنون بأنه بمثابة انتصار على التعصب والكراهية.
وألمح الموقع إلى حقيقة أن الاحتفاء بكيليان مبابي وزملاؤه سيتلاشى بمجرد زوال النشوة المصاحبة للتتويج بالمونديال، وهو ما يعني أن الأمور ستعود لطبيعتها بعد ذلك. وستعود فرنسا لكونها دولة تُمارس داخل مدنها جميع أشكال العنصرية والقسوة، كما سيتخذ المهاجرون الذين قدموا بعد استعمار فرنسا لبلدانهم موضعهم الاعتيادي باعتبارهم غرباء داخل الجمهورية الفرنسية.
اقرأ أيضا: هذا هو صاحب أول "سجدة" في تاريخ نهائي كأس العالم
وأشار الموقع إلى ظفر أشبال المدرب ديدييه ديشان بكأس العالم بالانتصار الرمزي، حيث ستعود الأمور إلى طبيعتها بشكل تدريجي. وبعد نجاح اللاعبين ذوي البشرة السوداء في إطلاع العالم على قيمتهم الحقيقية ودورهم في تحقيق النجاحات الرياضية العملاقة، سيظهر بعض الأشخاص الذين يسلطون الضوء على دور فرنسا في جمع بعض اللاعبين من ذوي الأصول الإفريقية وصقل مواهبهم لكي يتمكنوا من الفوز بكأس العالم.
وتطرق الموقع إلى بعض الآراء التي تفيد بأن غياب اللاعبين ذوي البشرة السوداء لن يؤثر كثيرا على قوة المنتخب الفرنسي، وأن اللاعبين البيض كانوا ليتوجوا بكأس العالم ببساطة. وبقدر ما قد تبدو هذه التوقعات شديدة التفاؤل، إلا أن الواقع مختلف، حيث أن اللاعبين ذوي البشرة السوداء كان لهم الفضل الأكبر في جلب الكأس العالمية إلى الأراضي الفرنسية. وبشكل عام، لن يكون شكل العالم الغربي كما هو عليه الآن في حال كان خالياً من المواطنين ذوي البشرة السوداء.
ونوه الموقع إلى سعادة المواطنين ذوي البشرة السوداء حول العالم بالإنجاز الذي ساهم اللاعبون السود في تحقيقه، حيث تحصلوا على الشرف والتقدير الذي يستحقونه. ويمكن لمثل هذه النجاحات أن تمنح المسلمين وذوي البشرة السوداء بصيص أمل بأن الواقع سيتغير وبأن السياسات الوطنية والخارجية الفرنسية لن تتعارض مع كرامتهم وتتسبب في إهانتهم مجددا.
وفي الختام، لا يمكن القول إن التتويج باللقب الكروي الأغلى على الإطلاق سيساهم في تغيير سياسات ومعتقدات مترسخة في المجتمع الفرنسي، حيث سبق للفرنسيين إهانة المقاتلين السينغاليين واستخدامهم كدروع بشرية لحماية جنودهم. ولإن حلت الكرة مكان البندقية، إلا أن الإمبراطورية الفرنسية لا تزال تجني ثمار تعب وتضحيات المواطنين ذوي البشرة السوداء.