لنبتة التين مع المواطن التلاوي غرب نابلس حكاية لا تنسى، تروي قصص توارثها الأبناء عن الأجداد، فاحتواء القرية على العديد من أشجار التين بكافة أنواعه، جعل من اسمها ملاصقا لهذه النبتة المباركة.
"عسل يا تين، تلاوي يا تين" كلمات تسمع صداها على بعد مترات في الطريق المؤدية لمنتزه جمال عبد الناصر في نابلس، فتنظر لتجد ازدحاما لبسطات التين المتصافة لمختلف الباعة، فيتراكض المواطنين لشراء التين التلاوي المميز بمذاقه، ورغم غلاء ثمنه تجده على قائمة المشتريات الرئيسية للمواطن خلال موسمه.
وخلال مقابلة مع رئيس مجلس قرية تل، منذر زيدان، يقول لموقع أصداء :"تشتهر تل بشجر التين حيث يوجد في القرية حسب التقديرات 4500 شجرة، ويشكل للمواطن مصدرا للدخل، لا سيما وأن تل تنتج أكثر من 2طن من التين يوميا".
ويشير زيدان أن التين مهم من الناحية الاقتصادية، حيث يصل كيلو التين ببداية الموسم 15 شيكل.
ويضيف زيدان أن للتين ارتباط جليٌ باسم القرية وذلك بموجب الإنتاجية العالية، وما يميز هذه الثمرة طعمها اللذيذ وصلابتها بتعداد أنواعها.
تعددت مسميات أنواع التين فهناك تسمية العناقي وهو من أشهر أنواع التين في القرية، بالإضافة للخرطماني والحماري، والحماضي، والسوادي، والبلاطي، والموازي، والقليل من العذلوني.
ذهب الفلاحين
وفي السياق ذاته يقول المزارع، وليد اشتية، لموقع أصداء :"الفلاحون في قرية تل يزرعون أنواع التين حسب طلب السوق، لذلك يتوجه الفلاح لزراعة نوعي الخرطماني، والحماضي، لأن من أولويات المزارع الربح".
ويكمل اشتية أن موسم التين عادة يبدأ في شهر تموز، فيعمل على تطعيم ثمرات التين بزيت الزيتون، وينتظر مدة حتى تنضج ليقطفها، ولكن تختلف المدة الزمنية لكل نوع، فالتين الحماري يحتاج أسبوع حتى ينضج وخلال الموسم يحتاج إلى 6 أيام، والتين العناقي والسوادي يحتاج إلى أسبوع كامل وفي الغالب 8أيام.
يستذكر اشتية عام 1987، حيث كان يباع ما يقارب 80% من ثمر التين التلاوي للداخل المحتل، ولكن مع نقص ثمر التين لم يعد يكفي السوق المحلي، إلى جانب الإغلاق الإسرائيلي الذي أثر على سعرها.
مع طلوع الشمس يصحو المزارع مبكرا لقطف ثمرات التين، ويضيف اشتية أن شكل ثمرات التين يتغير مع تغير درجات الحرارة لذلك يجبر على قطفها مبكرا، ليعرضها على سوق المزاد في القرية، ثم تباع لأغلى سعر يعرض من تاجر.
الموقع وأصل التسمية
يذكر أن قرية تل تقع إلى الجنوب الغربي لمدينة نابلس، وتبلغ مساحة أراضيها 13776دونم، ويصل عدد سكانها حوالي 6000 نسمة، وتحيط بالقرية أراضي صرة، وعراق بورين، ومادما، وعصيرة القبلية، وزيتا، وفرعتا، وجيت، واماتين، والجنيد.
ويعود أصل كلمة تل إلى السريانية والتي تعني الارتفاع، حيث تبعد عن مدينة نابلس مسافة 14كم، وترتفع 2064قدما عن مستوى سطح البحر.
وفي جهته يتحدث مدير دائرة الخدمات في وزارة الزراعة ،عرفات اشتية، لموقع أصداء :"تقدر قيمة مساحة الدونمات المزروعة في قرية تل 500دونم، من أصل مساحة مزروعة في الضفة الغربية تقدر 4600دونم".
ويشير اشتية إلى أن انتاجية قرية تل تقدر 500طن لكل دونم، ويتم تسويقها لمدة شهرين ونصف تقريبا.
ويقول اشتية أن ما يميز التين في تل عن باقي القرى أنه ينمو بتربة كلسية، حيث تكون رطبة في فصل الصيف، بالإضافة لكثرة الينابيع.
سلاح التين
وتعتبر نبتة التين سلاحا منافسا للجانب الإسرائيلي، ويوضح اشتية "أن اختلاف العمالة بين كل منطقة بحيث أن المزارع يتعب على مزروعاته دون أتعاب ودفع لأحد، لأن أغلبية عماله من العائلة، مقارنة مع الجانب الإسرائيلي الذي يشغل لديه عاملين مقابل أجر مادي".
تتعرض ثمرة التين لخطر التقلص بفعل التوسع العمراني، وانتشار مرض حفار ساق التين الذي يؤدي لتفريغ ساق الشجرة وموتها.
تطعيم التين
ويرد اشتية على العديد من التساؤلات بخصوص التين المطعم بزيت الذرة، والذي يعتبره المواطنون أسلوب خدعة في كثير من الأحيان، " عملية التطعيم لفاكهة التين مفيدة جدا، لأن الفاكهة المطعمة تغلق فوهة رأسها مما يجعلها غير معرضة لذبابة الفاكهة"، وهذه العملية تحدث بشكل دوري وتجعل من فاكهة التين ناضجة بشكل أفضل.
تنعم فلسطين بتنوع خضارها وتراثها الذي توارثوه الأبناء عن أجدادهم، ورغم صدامات الحياة والتضييق الدائم على الأراضي واقتلاع الأشجار، ما زالت جذور الماضي معلقة بالأرض، وهذا ما يثبته السوق الفلسطيني بتعدد أنواع التين المزينة لأرصفة الشوارع والمحلات.