تبرز المعارضة، أو التحفظ الشديد، لـ"قانون القومية" في الصحف اليومية ووسائل الإعلام المركزية في إسرائيل، ولعل ذلك نابع من عدة أسباب، أبرزها معارضة النخب الإسرائيلية، من مثقفين وأكاديميين وأدباء وصحافيين، لحكم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وتوجهاتها التي تميل إلى التيار الصهيوني - الديني وتديين الحيز العام، ومن هنا خوف هذه النخب، الليبرالية نوعا ما ولكنها صهيونية بامتياز، من التغيير الكبير الحاصل في الواقع الإسرائيلي. ويرى بعض هذه النخب أن هذا الواقع يؤثر وسيؤثر على علاقات إسرائيل مع اليهود في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة. ويقارن آخرون بين الأجواء في إسرائيل في ظل حكم نتنياهو وأجواء التعصب القومي المتطرف في أوروبا الشرقية حاليا وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، وخاصة في بولندا وهنغاريا.
وأشار المحلل السياسي في "شركة الأخبار" الإسرائيلية (القناة التلفزيونية الثانية سابقأ)، أمنون أبراموفيتش، في مقاله الأسبوعي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الأحد، إلى التضليل الذي يمارسه نتنياهو في أدائه السياسي. فقد وصف نتنياهو سن "قانون القومية"، العنصري والمعادي للديمقراطية ويقصي العرب من الحيز العام، بأنه "لحظة مؤسسة في تاريخ الصهيونية ودولة إسرائيل"، لافتا إلى أن نتنياهو نفسه ادعى خلال خطابه الشهير في جامعة بار إيلان، في حزيران/يونيو 2009، أنه يؤيد حل الدولتين، وأن "حلمي بالسلام هو أنه يعيش شعبان بجيرة حسنة واحترام متبادل، ولكل واحد علمه، نشيده الوطني وحكمه الخاص"، بينما لا يعترف "قانون القومية"، الآن، بحق غير اليهود في فلسطين التاريخية.
ودعا أبراموفيتش قرائه إلى أن ينسوا للحظة العنصرية والدعاية التي "ترسخ الأبارتهايد بقانون"، وأن يبتعدوا عن تفكيرهم للحظة أن "الذين سنوا القانون نسيوا مواطنيهم الأليفين، الدروز والبدو والعرب الذين يخدمون في الجيش. فكل بند في هذا القانون سخيف ومتناقض أكثر من الذي قبله".
واحتج على أنه "بموجب هذا القانون، يتعين علينا أن نطبق في دولة إسرائيل حقا ’دينيا’. ماذا ينبغي أن يعني هذا؟ حتى الأسبوع الماضي كنت مقتنعا أن إقامة الدولة هدفه تطبيق وثبة قومية، ليس دينية – إذ أن الوثبة الدينية انتصبت بفخر في الكرة الأرضية طوال ألفي عام بالشتات. أو البند الذي يقر أن القدس ’الكاملة والموحدة’ هي عاصمة إسرائيل. فهذا البند يظهر كما هو بالضبط في قانون أساس القدس. أو، على سبيل المثال، البند الذي يتحدث عن الحفاظ على رابطة مع اليهود في الشتات. إذا أن قانون التهود وخطة حائط المبكى يعملان عكس ذلك (كونهما يقصيان اليهود غير الأرثوذكس)، وغايتهما الحفاظ على الحلف السياسي مع الأحزاب الحريدية على حساب أبناء الشعب اليهودي في أميركا".
وأضاف أنه "قال مؤيدو القانون من دون أي تهكم إن ’هذا القانون سيعزز كثيرا الاستيطان اليهودي في الجليل’. لكن يبدو لي أن الجليل بحاجة ماسة إلى غرفة طوارئ طبية متقدمة في كريات شمونيه، لمصنع يوفر كسب رزق، لتحسين جهاز التعليم، وليس لقانون لن يجلب عائلة واحدة ولم يمنع مغادرة أي عائلة (من الجليل)".
ورأى أبراموفيتش أن "قانون القومية" ينضم إلى قوانين أخرى عنصرية ومعادية للديمقراطية وإقصائية سنتها حكومات نتنياهو، وأن "سياسة التضليل والتظاهر بالمساواة المطلقة لا تفرق بين قضايا داخلية وخارجية وبين المجتمع والأمن... هل من الجائز أن من قال مرة (أي نتنياهو) إنه لا يمكن خداع كل الناس طوال الوقت، أخطأ قليلا بالحساب؟ ربما بالإمكان الاحتيال على الناس لفترة كافية لدفع 30 نائبا للبرلمان" في إشارة إلى عدد أعضاء الكنيست من حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو.
"القانون يقصي اليهود غير الأرثوذكس بالعالم"
تطرق محلل الشؤون الأميركية في صحيفة "معاريف"، شلومو شمير، إلى العلاقة بين إسرائيل ويهود أميركا. وكتب أن "يهود أميركا غير موجودين، ليس لدى أولئك الذين بادروا إلى قانون القومية، ليس لدى أولئك الذين يرفضون القانون وليس لدى أولئك الذين يعبرون عن ندم ويطالبون بتصحيحه".
وأشار شمير إلى أن البند 6 في القانون "يتطرق باختصار شديد إلى مجال العلاقات بين إسرائيل والشتات" وأن زعماء ورؤساء منظمات يهودية في الولايات المتحدة يصفونه بأنه "فضائحي" و"رجس" و"إخفاق تاريخي". وينص هذا البند في "قانون القومية" على أن "الدولة ستعمل من أجل ضمان سلامة اليهود في العالم وترصد موارد للحفاظ على هذا الرباط".
لكن شمير، المقيم في نيويورك، نقل عن "زعيم يهودي في نيويورك" قوله "إنني لا أفهم (نص البند)، إذ أن اليهود في أي دولة في العالم لا يواجهون خطرا جسديا وتهديدا حقيقيا على وجودهم. وما معنى ’رباطهم’. علاقة؟ التعبير عن إعجاب؟ مساعدة؟".
ورأى شمير أن "الأمر البارز في مضمون البند، هو أن من صاغوه حاذروا وابتعدوا كثيرا عن ألا يثيروا غضب الشركاء الحريديين في الائتلاف، وهو محاولة لعدم ذكر مساواة في الحقوق للتيارات غير الأرثوذكسية. وتحدث القنصل الإسرائيلي العام في نيويرك، داني ديان (وهو رئيس مجلس المستوطنات الأسيق)، في محادثة مع صحافي عن أن عدد وقوة ردود الفعل الغاضبة التي تلقاها من يهود ضد قانون القومية وضد اعتقال الحاخام من التيار اليهودي المحافظ (غير أرثوذكسي) في حيفا نزلت عليه كإعصار... لكن في إسرائيل لم يفكر أحد أن بند الشتات يقصي عمليا وجود الجالية اليهودية الكبرى في الولايات المتحدة ويتجاهل وجود جاليات يهودية في العالم".
"قانون القومية" والعداء للسامية
رأى المؤرخ الإسرائيلي والمحاضر في الجامعة العبرية في القدس، ديمتري شومسكي، في مقاله الأسبوع في صحيفة "هآرتس"، اليوم، أن ثمة بعدا آخر لـ"قانون القومية"، يتعلق بالتماهي ما بين الأنظمة المتعبة قوميا وبين حكومات إسرائيل الأخيرة برئاسة نتنياهو. وأشار بداية إلى اغتيال الرئيس البولندي الأسبق، غابرييل نروتوفيتش، في نهاية العام 1922، وبعد أسبوع على انتخابه للمنصب، على أيدي بولندي متعصب قوميا. وسبق هذا الاغتيال تحريض أرعن شنه "الحزب الديمقراطي القومي" وهو حزب قومي متعصب ومعادي للسامية. ووفقا لشومسكي، فإن هذا الحزب المتطرف سعى إلى تقويض شرعية انتخاب نروتوفيتش لعدة أسباب، بينها أنه انتخب بفضل تأييد كتلة الأقليات القومية في البرلمان البولندي، والتي بادر إلى تشكيلها نواب بولنديون يهود.
وأشار شومسكي إلى أن "’الديمقراطيين القوميين البولنديين اعتقدوا أنه لدى الحسم في القضايا الهامة للدولة، وبينها انتخاب رئيس، ينبغي أن تشارك ’أغلبية بولندية’ فقط، أي أبناء الشعب البولندي، الذين يُعتبرون بنظرهم، ’الأصحاب الوحيدون’ للدولة". وأضاف أنه توجد أوجه شبه جوهرية بين معتقدات البولنديين المتعصبين قوميين حينذاك وبين اليمين الإسرائيلي الذي حرض على رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، يتسحاق رابين، بسبب اعتماده على أصوات النواب العرب لدى إقرار الكنيست لاتفاقيات أوسلو، وأدى في النهاية إلى اغتيال رابين.
وأضاف أنه "في صلب هذا التشابه يقف توجه قومي متعصب أيديولوجي، مشترك بين الحزب الديمقراطي القومي البولندي، بين الحربين العالميتين، والبيبيستيين (أي أنصار "بيبي"، ألا وهو نتنياهو) في إسرائيل قبيل اغتيال رابين وبعده. وفي أساسها كراهية ’الآخر’ القومي الداخلي، أي اليهودي البولندي في بولندا والعربي الفلسطيني في إسرائيل".
وربط شومسكي ذلك بالبيان المشترك الذي أصدره نتنياهو ونظيره البولندي، قبل شهر، حول قانون المحرقة البولندي، الذي يجرم من يربط الشعب البولندي أو أفرادا فيه بجرائم النازية ضد اليهود في بولندا. وكتب أنه "على ضوء هذا الاقتراب الفكري العقلي بين اليمين البولندي التاريخي واليمين الإسرائيلي الحالي، ينبغي أن نعترف بأنه خلافا لرأي معظم المحللين الإسرائيليين، ليس بالإمكان النظر إلى البيان الإسرائيلي البولندي المشترك على أنه نابع من مصالح واعتبارات سياسية صرف. وما من شك في أن سعي زعيم المحرضين (نتنياهو) ضد رابين واليسار إلى مصالحة تاريخية مع الورثة الروحانيين والسياسيين للمحرضين ضد نروتوفيتش واليسار البولندي يعكس أكثر شيء تطلع بنيامين نتنياهو إلى دفع وتطوير خطاب قومي متعصب أيديولوجي عام مع شركاء لمصطلحات أساسية في المركزية - العرقية والعنصرية".
وشدد الكاتب على أن "التشابه التاريخي بين دولة العنصريين بزعامة نتنياهو وبولندا القومية المتطرفة في الفترة بين الحربين، هام من أجل فهم أعمق للبيان المشترك لنتنياهو ونظيره البولندي، يتعلق ليس فقط باستبداد الأغلبية في بولندا حينذاك وإسرائيل اليوم، وإنما برد الفعل المضاد أيضا للأقليات القومية الملاحقة. ومثلما يحارب الممثلون البرلمانيون لمواطني إسرائيل الفلسطينيين من أجل مساواة مدنية كاملة، وهي مستحيلة من دون اعتراف الدولة بحقوقهم القومية الجماعية ومن دون إعادة تأسيس إسرائيل كدولة مجمل مواطنيها، فإن مبعوثي الجمهور اليهودي في البرلمان البولندي رفضوا بشدة، وبنظر القوميين المتعصبين البولنديين بوقاحة لا صفح عنها، أفكار الحزب الديمقراطي القومي والتي بموجبها بولندا ومواردها بمثابة مُلك حصري للأغلبية القومية البولندية".
واضاف أن "العداء البولندي المنفلت للسامية، الذي استفحل عشية نشوب الحرب العالمية الثانية، وجرى التعبير عنه في أعمال القتل الواسعة في أماكن عديدة في بولندا خلال فترة الاحتلال النازي وبعدها، كان يمثابة ’رد بولندي لائق’ على الرفض العنيد لليهود لقبول التفوق المدني للأغلبية البولندية في دولة متعددة القوميات".
ورأى أن "موافقة نتنياهو على تطهير القومية البولندية من المسؤولية عن قتل اليهود بأيدي جيرانهم اليهود إبان المحرقة، هي إشارة إلى شركائه الأيديولوجيين في بولندا الحالية أنه قد يفهم رغبات آبائهم الفكرية المعادية للسامية. إذ أنه هو نفسه، مثل الحزب الديمقراطي القومي البولندي في حينه اضطر إلى مواجهة أقلية قومية متمردة، التي من شدة وقاحتها ليست مستعدة لقبول الفكرة ’القومية الديمقراطية’ ("يهودية وديمقراطية") حيال دولة كملك جماعي حصري للأغلبية القومية".
وخلص شومسكي إلى أنه "يوجد أكثر من رمزية في أن القانون القومي المتعصب العنصري الحقير، ’قانون القومية’، دخل سجل القوانين الإسرائيلي بعد أقل من شهر من البيان المشترك الإسرائيلي – البولندي، الحقير هو الآخر، حول تبييض النزعة القومية العنصرية البولندية. وإذا كان البيان يعبر عن توق نتنياهو إلى حوار فكري مع ورثة عداء القوميين البولنديين المتعصبين للسامية، فإن قانون القومية، الذي غايته إبعاد الـ’الآخر’ العربي عن الحياة العامة المدنية في إسرائيل ومحو حضوره في الحيز العام والسياسي فيها، يعكس ويطبق بشكل مخزٍ توجه مركزية العرق للقوميين المتعصبين البولنديين، مثلما جرى التعبير عنه في الماضي تجاه يهود بولندا. وهكذا، فإن العداء البولندي للسامية، الملطخة يديه بدماء ضحايا يهود، يحظى بحياة جديدة في دولة اليهود".
عرب 48