الرئيسية / مقالات
نهاية رجل فيسبوكي.. بقلم أ .عادل عاشور
تاريخ النشر: الخميس 02/08/2018 12:51
نهاية رجل فيسبوكي.. بقلم أ .عادل عاشور
نهاية رجل فيسبوكي.. بقلم أ .عادل عاشور

عشر سنوات تقريبا مرت على أول مشاركة لي على الفيس بوك، أتذكر في أول مرة رأيت بها الفيس على الانترنت سالت نفسي حينها عن ميزة هذا الموقع ولم سيكون ذو اهتمام أساسا ، فما الفرق بينه وبين المنتديات التي كانت دارجة حينها ، وما الفرق بينه وبين مواقع المحادثة و(التشات) ؟.

لم يمر كثير من الوقت حتى أدركت أن أصحاب هذا الموقع يعملون على تطويره بطريقة سريعة متجددة بناءا على خبرات كبيرة بما يرغبه المشترك بهذا الموقع وتوجهاته ، وبناءا على مصلحة الشخصية للمشترك ، بل أنهم على ما يبدو قد بنو الموقع وطوره بناءا على هواجس ونوازع المشارك كانسان في الاتصال والتواصل والتعبير عن الرأي وتسهيل الاتصال مع أصدقاء المدرسة القدامى والأصدقاء من نفس البلد وأصدقاء الأصدقاء وحتى الأصدقاء من نفس التوجه والرغبات ومجال تخصص الخ.......

يا الله كم هذا الفيس عظيم وذكي ، لقد أعاد الذكريات ووصلني مع من لم أرهم ولا اعلم عنهم شيئا منذ سنين ،هاهو صديقنا الذي تركنا ونحن في الصف السادس يلقي علي التحية ويبادلني الكلام عن ذكريات المدرسة ، يا الله كم يملك من المساحة التخزينية هذا الفيس يا ترى كم هو حجم خوادمه ؟! يا لسرعته وسلاسته ، يوجد تطبيق له على الاندرويد والـ اي او اس ! جميل ، ارفع عليه صور وفيديوهات ، انه يسألني بما اشعر! انه يملك صفحات مسلية ومجموعات هادفة ، حقا أن الفيس لهو الأداة الإعلامية الاجتماعية العصرية المستقبلية بدون منازع.

 

فلم يبرح الفيس بوك إلا أن أصبح منصة اجتماعية توائم توجهات المعظم، الصغير والكبير، الذكر والأنثى، المتعلم والجاهل المثقف والبسيط الجدي والهزلي ، فتدحرجت قوة الفيس بوك ككرة ثلج في أخر خمس سنوات وتعاظمت بمتوالية هندسية عجيبة جعلت منه جزء لا يتجزأ من حياة معظم الناس القادرة على الولوج للانترنت ،فغدت الصفحات التجارية والسياسية والإخبارية وغيرها يعج بها الفيس بوك ، فلم مثلا تشاهد التلفاز لترى الأخبار وهناك خاصية في الفيس تعرض لك المهم من كل فترة وتنقل الصفحات لك الأخبار حين وقوعها بالضبط، اذكر أن بعض هذه الأخبار حدثت في شارع بيتي لأعلمها أولا من الفيس بوك قبل أي جهة أخرى! ، لمَ اذهب إلى السوق لاشتري وابحث عن المحل المناسب والصفحات البيع والشراء تملأ الفيس بأسعار محروقة جدا ويمكن أن يصل لي المنتج دون أن أتحرك وأحيانا دون أن ادفع مباشرة ، لم أعلن عن شركتي ومتجري في الشوارع ووسائل الإعلام التقليدية وأنا بكل بساطة استطيع أن أعلن على صفحة خاصة لي بإعلان ممول اختار أنا لمن وكيف ومتى يكون هذا الإعلان .

أزادت متوالية الفيس المتطور تعقيدا بسرعة أصبح الفيس بوك فيها يتطور كل لحظة ليوائم رغبات الناس وأهدافهم وهواجسهم ، فذلك ينتظر تعليقات فلان من باب الفضول وتلك تماحك فلانة بالفستان او سهرة في مطعم الجديد والمدير يعد كم من موظفيه رد على منشوره (صباح الخير) ومن أسرع ، وكل يبلس القناع الذي يريد أن يبدو عليه أمام الناس،وذلك ينشر مواعظ دينية ويستحلف الناس أن ينشروها ، وذلك لا يعلق لهذا لأنه لم يعلق له على صورته عندما عاد من السفر ......ولكن لنكون واعين أن كل هذا لم يتم لسواد عيون المشتركين فالفيس بوك لم يضع كل هذا التطور الضخم لمنصته إلا لربح المادي المحض ولا شيء أخر ، هذا حقهم ولا ألوم احد، ولكن ذهبت منصة الفيس بوك لأبعد من ذلك عندما بدأت تستغل كم المعلومات الضخم التي جمعته عن الناس لتعطيه لشركات أخرى بهدف الربح المادي فكانت هذه أول ضربة من الفيس بوك لجمهوره العريض التي أثارت مخاوف الناس وقلقهم اتجاه منصتهم المُدمَنة ، أنا سأذهب لتفاصيل أدق من ذلك ، لم يتورع الفيس بوك عن إلهاب جشع الناس وفضولهم وحشريتهم و أمراضهم النفسية بل عززها وكل ذلك بهدف إشعال المنصة بالمشاركات والتفاعل وبتالي معرفة معلومات أكثر يبنى عليها مرابح اكبر بإعلانات أفضل ، وفي خضم غفوة الإنسان الفيس بوكي المغمور بالفيس بوك عمد الفيس بوك بضرب خصوصية الناس وحريتهم ،مستغلا إدمان الناس عليه وغفلتهم، فقد عمل الفيس بوك طيلة أعوام بتقريب الناس من الناس وجمع المعلومات المشتركة وربط الناس يبعضها بأي ثمن وبصورة بغيضة ليس لأي هدف نبيل إلا لهدف مادي ،فبالوقوف مع نفسك لحظا مفكرا، ما دخلي أنا مثلا أن يعرض علي الفيس بوك صداقة رجل مجهول لي في بلد أخر ولكن كل ما يميزه انه جار صديقي المدرسي في مكان عمله، مع العلم أن صديقي هو جاره في العمل وليس صديقه ! هل هذه الصداقة بمفهوم العالمي الجديد أم هذه الصداقة بمفهوم الفيس بوك وحده؟ هل هذه الصداقة مجدية ؟ اكرر الأهداف أساسا هو إلهاب هذه المنصة وجمع المعلومات لتحسين طرق الدعاية لا أكثر، فما حاجة معظم أصدقائي لمعرفة جميع الصفحات التي أعجب بها ولم يقرؤون ما اعلق أو ما أرد به على المعلقين في تلك الصفحة! لن نفهم أنا وأنت الكثير من خوارزميات الفيس بوك ولكن أؤكد لك كان كل تفصيل موجود في هذه المنصة أي منصة الفيس بوك وضعت أساسا لذلك الغرض (إلهاب المنصة لجمع المعلومات وتحسين الداعية)، الفيس بوك تمادى فعلا عندما يريك الصفحات التي يعجب بها أصدقاؤك بل والتي علق عليها أصدقاؤك بالصدفة ، والهدف واضح هو أن تتفاعل أيضا أنت كما تفاعل صديقك ،وقد نسي الفيس بوك أو تناسى أن معظم من هم على الفيس أساسا ليسوا أصدقاء بل حتى ليسوا معارف وكثير منهم لا يجمعهم ولا يجمعني بهم أي اهتمام أو توجه ولكن لا اعلم متى وكيف أصبحوا أصدقاء وهم كذلك! ....

وليكن ،فما المشكلة إذا ؟، المشكلة أن الفيس بوك قام على فكرة الاتصال والتواصل والمشاركة، ولكن في خضم كسر الخصوصية المقزز التي اتبعه الفيس بوك بعرض تعليقي السياسي مثلا على احد الصفحات ليقرأه البقال الموجود في شارعنا والمضاف لدي كصديق،فستكون لي حسابات أخرى، ومثلي تماما أصبح هؤلاء المعلقون المتحمسون(الذين يلهبون الفيس بوك أساسا والذين يقوم نشاط الفيس عليهم) متوجسون في أي تعليق مستقبلي لأنه ببساطة سيرى صديقي الذي لا اعرفه شخصيا التعليق وأيضا صاحب البقالة الحشري الذي لم اره يعلق بتاتا قبل ذلك على اي موضوع و الذي سيلمح لي انه قرأ ما كتبت وما رد الناس علي على تلك الصفحة بابتسامة صفراء باعثة للاستفزاز مع نصيحة تافهة ممكن ان يلقيها علي من باب المصلحة!،

ولكن يسأل سائل أو لم تكتب أنت التعليق ليراه الناس؟ ، نعم، أنا كتبته ليراه الناس ، ولكن ليس كل الناس ، ممكن أن القي تعليقي السياسي أمام شخص غريب لأوصل فكرة معينة ، ولكن لو عقد نفس النقاش مع أخي الأكبر أو الأصغر أو أمي مثلا فلن أتناقش معه ولن اعلق له نفس التعليق الذي علقته للغريب ،سيفهم هذا الأمر من السطحيين على انه مضحك، وسيقول البعض أن هذا الكلام يبدو غريبا ،سأقول بعيدا عن المزايدات و بموضوعية هذا الكلام أضحى هو الواقع للأسف فهو لا يعبر عني شخصيا بالضرورة بل هو حالة شبه عامة لا نستطيع إخفاؤها ، وعليه أصبح كثير من الناس تتجنب التعليق ، لأنها ببساطة لا تريد أن تُرى تعليقاته من قبل المتطفلين ، لذلك نرى انه أصبح كثير من الناس يعبر عن آراؤه من وراء حساب وهمي ، أصبح كثير من الناس في الموقع مراقب فقط على الفيس بوك ، لا مشاركة، لا تعليق ،ولا حتى إعجاب(لايك) ،لماذا؟ لأن كل إنسان لا يريد أن يكون مكشوفا لهذه الدرجة ، هي هذه الكلمة (مكشوفا) كل منا ولد بفطة تقدس خصوصيته وفي نفس الوقت فطرة ترغب بالتواصل

تحول الفيس بوك فجأة من مكان للتواصل الاجتماعي إلى مكان للتربص والمراقبة الاجتماعية الجميع ينظر وينتظر يراقب بصمت لا يعلق لا يعجب بشيء فقط ينظر يراقب يتربص ، هكذا أصبح الفيس بوك من مكان للتواصل كما بدأ إلى مكان لجمع المعلومات والتربص سواء من الفيس نفسه أو صديق الصديق او صديقنا البقال ، إذا استمر الفيس بوك على هذا الحال للأعوام القادمة فسيندثر اندثار مذموما، أول هذا الاندثار هو خسارته للمليارات من قيمة أسهمه قبل ايام على خلفية فضيحة الخصوصية التي سمع عنها الجميع....النفاق الاجتماعي ..,,,المشاكل الاجتماعية وأمراض عصرية بدأت في الظهور ، ستسرع في انتهاء الفيس بوك ما لم يغير من تعامله المادي مع مشتركيه في مقابل خصوصيتهم المقدسة

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017