رامي مهداوي
منذ فترة طويلة لم أحضر عروضا مسرحية، بسبب فقدان خشبات المسرح الى العروض ومن زاوية أخرى هل اكتفينا بمسرح الحياة وبالأدوار المنسوبة لنا، كل في موقعه!! لهذا لا أعرف من أخذ الآخر ابني أم أنا الى مسرح القصبة لحضور مسرحية أطفال بعنوان "جنان أم جرابات طوال" وهي الإنتاج الجديد لمسرح الحرية للعام 2018.
هذه المسرحية للكاتبة العالمية السويدية آستريد ليندجرين، تروي قصة طفلة تبلغ من العمر 9 أعوام، تعيش وحدها في قصر القصور مع حصان وقرد، هي يتيمة الأم ووالدها قبطان يعيش بعيداً في البحار والمحيطات، تلتقي جنان بأولاد الجيران سمر وسمير وتبدأ بينهم صداقة بطعم المغامرات، جنان تمتلك قطعاً ذهبية تمكنها من شراء حاجاتها دون الحاجة لأحد، وهذا ما جعل البعض يطمع بها كاللصوص، تقرر دار رعاية الأطفال نقلها إلى مركزها وتتم الإستعانة بالشرطة من أجل ذلك، ولكن جنان تفضل البقاء في بيتها قصر القصور.
عرض ممتع بسيط، تفاعل الأطفال من حولي مع من هم على خشبة المسرح، استمتعت بضحكات الأطفال التي جعلتني أضحك على المشهد بشموليته المتمثلة في فضاء المسرحية بين أداء الممثلين الرائع والأطفال والأهالي، أما من حيث المضمون للنص المسرحي فأقول إن المسرحية طرحت موضوعا من أهم المواضيع التي يخشاها الأهل وهو تمرد الأطفال على ما يسميه الكبار القوانين والأحكام والأعراف والتقاليد والنمطية في التفكير.
هذه المسرحية جعلتني أذهب لأنقب عن المعلومات حول القصة الأصلية للمسرحية، لأجد بأن هناك جدلا عميقا كان ومازال في أوروبا بموضوع التربية، ففي العام 1945 أرادت الكاتبة ليندجرين أن تقدّم عملا مميزا للأطفال وصادماً للأهل من حيث التمرد على ما هو محيط بنا! لتخلق شخصية الطفلة "بيبي" ما تمت تسميتها عربياً بجنان، ذات ضفيرتين حمراوين، مرفوعتين لأعلى، وجوربين غير متطابقين، للتعبير عن الطفلة غير الملتزمة بالقوانين المجتمعية والأنظمة المحيطة بالطفل.
تلك القصة خلقت نقاشا عاصفا على الصعيد الاجتماعي والتربوي في المجتمعات الغربية حول الطفل وتصرّفاته، وبالأخص كيف يريد الكبار أن يرى الصغار!! وصورته التي أرادها الكبار عموماً، بمعنى ما هو القالب الذي يريد وضعه الكبار للأطفال. تطور النقاش في المجتمعات الإسكندنافية بالتحديد حول شخصية هذه الطفلة، لتطور من قوة شخصية الطفل وحريته بل الى قوة المرأة التي كانت تسعى إليها في ذلك الوقت.
وتفاجأت عندما وجدت بأن بلد العدل والحرية والمساواة ــــ فرنسا ـــــ لم تكن معجبة بشخصية الطفلة، ليس هذا فقط وإنما قاموا بدور مقصّ الرقيب في قصصها منذ 1951 وحتى 1995، فقد رأى هؤلاء أنّ شخصية الطفلة تعبّر عن الفوضى والاستفزاز، وتعلّم الأطفال أشياء خيالية، مثل رفع الحصان بيد الطفلة، وطرح أمثلة متعددة في رفضهم لقصص "بيبي" وأيضاً مسلسلها وأفلامها!
وعلى صعيد آخر، كانت الحركة النسوية الدنماركية اتخذت من شخصية الطفلة "بيبي ذات الجوارب الطويلة" رمزا لنضال حقوقي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ضمن حركة واسعة سمّيت "حركة الجوارب الحمراء" تهدف لمحاربة السلطوية والذكورية والنمطية في التربية.
عندما خرجنا من المسرحية أنا وابني تفاجأت بطرحه سؤالا "بابا شو افهمت من المسرحية؟" هذا السؤال كان سبب كتابة هذا المقال، وحتى أكون صادقا معك عزيزي القارئ كنت أنا من يريد أن يسأل ذات السؤال، لأني ربما كنت أعتقد بأني أنا من عليه أن يلعب دور الأستاذ وهو دور الطالب!!