لو حرف امتناع لامتناع، وصلاح الدين لن يظهر، وتلك الظاهرة التاريخية الإسلامية لن تتكرر. كثيرون هم الذين يرجون الله بإرسال شخص كصلاح الدين لإنقاذ الأمة، بخاصة على منابر يوم الجمعة. ربما يشعر خطيب يوم الجمعة باليأس، ولا يدري كيف يقوّم أمور الأمة الإسلامية، فيدعو الله أن يهيء للأمة رجلا كعمر بن الخطاب أو كصلاح الدين الأيوبي. وكالعادة يضج المصلون بقول آمين.
لكن السؤال: ماذا سنفعل لو ظهر صلاح الدين من بيننا؟ هل سنتركه وشأنه أم سنتبعه وننصره؟ بالتأكيد سيرسل رب العالمين صلاح دين جديد بهدف إنقاذ الأمة، ووذلك يحتاج إلى أناس يؤمنون بالعمل وبذل الجهود اللازمة من أجل التغيير، والالتزام بكل ما تتطلبه أمور التغيير. سيطلب الصلاح الجديد من الناس النوم مبكرا والاستيقاظ مبكرا للذهاب إلى العمل، إلى مواقع الإنتاج: إلى المزرعة والمصنع والورشة والمكتب. وسيطلب منا أن نكون على مستوى أخلاقي رفيع فلا نكذب ولا ننصب ولا نخادع ولا نغدر ولا نغتاب ولا نستهتر بالوقت ولا نستعمل الوساطات والمحسوبيات لأكل أموال وحقوق الغير، وسيطالبنا باحترام الآخرين والكف عن التآمر والمثالب، واحترام الطفل والمرأة. هل سنقبل بهذه الطلبات؟ وماذا سنصنع إن هو وضع قوانين تحاسبنا على الزيغ الأخلاقي وعلى الكسل والتواكل؟
الأسوأ الذي سنراه من صلاح الدين أنه سيعمل على تحرير القدس والأقصى، وسيطلب منا التضحيات اللازمة. وإذا كان سيحرر فإنه سيستجمع القوى المختلفة الفلسطسنسة والعربية والإسلامية في مواجهة إسرائيل وأمريكا. عندها ستغضب عليه أمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وستقرر هذه الدول قطع المساعدات المالية عنه، وستقرر إسرائيل عدم دفع أموال الضرائب التي تجبيها من وارداتنا من الخارج. عندها لن يكون صلاح الدين قادرا على صرف الرواتب آخر الشهر. وإذا لم يدفع صلاح الدين الرواتب فإن المظاهرات ستعم البلاد، وستتكرر الإضرابات في مختلف المؤسسات وستتعطل الحياة العامة. أمريكا وإسرائيل ستعملان ضد صلاح الدين وستقولان للشعب إن سبب المأساة هو هذا المتطرف المتعصب الذي رجوتم الله أن يبعثه لكم. وإذا كنتم تريدون مالا واستقرارا ماليا وتصنعون طبيخافإن عليكم التخلص منه. وستؤيد إسرائيل وأمريكا جماهير فلسطينية غفيرة، وستبدأ تتوعد صلاح الدين. وأخيرا ستقرر فئة فلسطينية التخلص من صلاح الدين وإلى الأبد، وتقوم بقتله. ستقول هذه الفئة إنها قامت بقتله من أجل الناس الذين لا يجدون ما يأكلون، والذين ضاقت بهم الحياة. وما هو الأهم؟ تحرير الأقضى والقدس أم الطبيخ؟ الطبيخ أهم، وللبيت رب يحميه. وإذا كان رب الأقصى لا يتحرك لإنقاذ الأقصى، فإن الناس يجب ألا يتحملوا مسؤولية تقع على رب العالمين. وسنقول خلفهم: آمين.
الدعاء بأن يهيئ الله لنا صلاح الدين غير حقيقي ولا ينسجم مع الواقع الثقافي الفلسطيني المنهار. لقد أوصلنا الغرب وبمساعدة السلطة الفلسطينية إلى عبادة القرش، وإلى التخلي عن مقدساتنا ومسؤولياتنا بتحرير وطننا. نحن لسنا بحاجة لصلاح الدين وإنما لقائد خائن لا يرفض لإسرائيل وأمريكا طلبا، ويبقي الشعب الفلسطيني تحت أحذية الصهاينة. هذا هو القائد الذي نبحث عنه من الناحية العملية. والكل يرى الآن أنه لا يمكن أن تتشكل حكومة فلسطينية إلا إذا كانت الخيانة أساس تشكيلها. كل حكومة تأتي تلتزم بالاعتراف بإسرائيل وتلتزم بالتنسيق الأمني معها، وإن لم تفعل ذلك، فإنها لن ترى النور. ربنا الآن هو المال، ورب الرب هو أمريكا والاتحاد الأوروربي، ورب رب الرب هو إسرائيل. ولهذا علينا ألا نكذب على أنفسنا، وربما نستطيع أن نتمسك بهذه الفضيلة ونرتاح من الدجل الذي يمارسه بعضنا ضد بعض. وربما نفتح بهذا طريقا إلى الجنة التي أغلقنا السبل نحو بواباتها.