اختتم الصديق الكاتب د. سفيان أبو زايدة إحدى مقالاته بالقول، «ان الجدال والخلاف فيما بيننا هو أشبه بالاختلاف بين الفصائل الفلسطينية في السجون الإسرائيلية على من يمثل المعتقلين أمام سلطات السجن او الخلاف على من يجلس بالقرب من شباك الزنزانة». هذا التشبيه البليغ المؤلم لواقعنا الفلسطيني يلخص العديد من الانقسامات المختلفة على صعيد الفصائل فيما بينها وبين الفصيل الواحد وبين الانقسام الجغرافي فيما بيننا كشعب فلسطيني.
غزة تعاني آلاما وجراحا كثيرة على كافة الأصعدة، ومجدداً أقول علينا التمييز بين غزة وحركة حماس وما تقوم به من أفعال على الصعيدين التكتيكي والإستراتيجي، وعلينا ألا نكون رومانسيين ــــــ وساذجين في بعض الأحيان ــــــ عند النظر لما تقوم به «حماس» من خطوات مدروسة؛ فهي تتقن تحريك الشارع ليس فقط الفلسطيني وإنما العربي، وأيضاً هي تمتلك أوراقا لا تمتلكها دول عربية، والأهم من وجهة نظرها العقائدية لا يوجد شيء تخسره وإنما العكس مطلقاً حتى لو أقامت الصلح مع إسرائيل.
«حماس» تستطيع أن تضع يدها بيد الشيطان وتبرر ذلك بسهولة، بطبيعة الحال أدخلها ذلك المعادلات الدولية أكثر من مرة وعلى أصعدة مختلفة، حتى لو لم تكن «حماس» المعادلة لكنها الجزء الأهم من المعادلة، وعلى سبيل المثال المعادلة الحالية القطرية والتركية.
وهنا علينا الانتباه، الانتباه على الضحية الفلسطينية بأشكالها المختلفة على صعيد القضية والواقع الإنساني في قطاع غزة وعلى صعيد بقايا الدولة المتناثرة بالضفة والواقع الاقتصادي، هذه الضحية هي المعادلة غير المرئية بشكل واضح بسبب انعدام الرؤية التي يعاني منها النظام السياسي الفلسطيني. لهذا غزة تعاني من واقع إنساني لا مثيل له عبر تاريخ النضال الفلسطيني، والضفة تعاني بواقع اقتصادي واستيطاني مُدمر؛ بالتالي حال الشارع الفلسطيني بانتظار حالة الخلاص لأنه تعب وتعب كثيراً جداً.
جمهورية «حماس» الإسلامية ستكون المُخلص للواقع المّر الذي يعاني منه القطاع، هذه الجمهورية ليست دولة بالمفهوم التقليدي والكلاسيكي بالعلوم السياسية، وإنما جمهورية تستند استنادا تاما على دولة الاحتلال بشكل أساسي وعدد من الدول متمثلة بمصر، قطر، تركيا.
هذه الجمهورية هدفها إدارة الحياة اليومية للقطاع وتحسين ظروف الواقع الإنساني من خلال عدد من المشاريع الاقتصادية وأهمها ميناء برقابة أمنية دولية إسرائيلية وصولاً للسماح للعمال في قطاع غزة للعمل داخل إسرائيل، وما يحدث في الكواليس الأميركية وإسناد عدد من المؤسسات الدولية من حشد الأموال لهذه الرؤية التي ستمهد بالفصل التام عن الدولة المتناثرة بالضفة لكن على خطوات.
الآن حركة حماس تلعب مع إسرائيل «لعبة عض الإصبع» من يصرخ أولا من الوجع يخسر …ليس لأنه صرخ …بل لأنه بطبيعة الحال حرر أصبع خصمه من فمه عندما صرخ فيما بقيت يده في فم خصمه ينهشها كما يشاء. فهل ستتذكر «حماس» بأن فلسطين ليست مجرد غزة؟! وأن غزة ليست مستقلة ومحررة بل تخضع للاحتلال الإسرائيلي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وأن فلسطين مازالت بين أنياب إسرائيل!!