بقلم:أ.د.يوسف ذياب عواد
مدير جامعة القدس المفتوحة بنابلس
قلما عرفت فلسطين مبدعا معطاء، وباحثا ناجزا ومتفانيا في عمله وانتمائه، وإنسانيته، وحزمه، وعزمه، وجلده وصبره، وشكيمته التي تقهر التعب ... قدر ما بلغ إليه الأستاذ الدكتور المهندس عدنان الكيلاني أستاذ الهندسة الصناعية ومخطط كلياتها في عدد من الجامعات العربية . ولد الكيلاني عام 1943 ، في مدينة طوباس التي نشأ في حاراتها، وأزقتها، ومزارعها، وغورها الوفير بالخيرات، التي كانت ولا زالت ذكرياتها ماثلة في عمق ذاته رغم ابتعاده عنها ما يزيد عن 60 عاما. فهو ابن الشيخ إبراهيم زيد الكيلاني أحد رجالات طوباس ومن وجوه الخير فيها. بدأ مسيرته العلمية في مدرسة طوباس الابتدائية حيث اكتشف المعلمون نباهته وذكاءه، وسرعان ما نقلوه من الصف الأول إلى الصف الثاني ،ثم إلى الثالث الابتدائي في غضون أسبوعين بحكم قدراته العقلية الفذة. وعندما أنهى المرحلة الابتدائية انتقل إلى المدرسة الفاضلية في طولكرم وأنهى ( المترك ) عام 1960 ،ولم يحالفه الحظ بأن يكون من العشرة الأوائل إبان الحكم الأردني إذ انتقل والده إلى رحمة الله تعالى وقت الامتحانات، وأصر عليه المعلمون والإدارة بإجراء الامتحانات رغم الظرف الصعب الذي يمر فيه وأكمل ونجح بتفوق ،ثم انتقل إلى مصر العربية للحصول على التوجيهي المصري وحصل على الترتيب الثالث بمعدل 84.7%، وكان قد حصل الأول 86% .التحق وقتها بجامعة القاهرة ودرس الهندسة تخصص (الميكانيك) ثم أكمل الدراسات العليا وحصل على الماجستير في ذات الجامعة عام 1967، ثم واصل مسيرته التعليمية في انجلترا، التي أبدع وتميز فيها وعين معيدا في جامعة مانشيستر مما مكنه إكمال ماجستير ثاني في الهندسة الميكانيكية التطبيقية، وانتقل فيها للعمل في جامعة بيزلي في اسكتلندا حيث حصل على دكتوراه دولة من المجلس الأكاديمي الوطني البريطاني، وهو مجلس مخصص لمنح الجوائز للمبدعين، و يترأسه الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث ، وكان بذلك أول مهندس يحمل الدكتوراه 1 من حملة الجنسية الاردنية عام 1973. ثم انتقل بعدها للعمل في جامعة أوكسفورد في انكلترا كمدرس وزميل باحث، وفي أثناء عمله في الجامعة منح شهادة توضح قدراته التدريسية والبحثية، وعمل بعدها عضو هيئة تدريس لمدة عام في الجامعة التقنية في بودابست، ثم انتقل إلى العمل في ليبيا وكان بوضع له مكانته وبعدها انتقل إلى العراق فكان فارس الميدان في إنشاء الكليات الهندسية وتطويرها وحصل على امتيازات قل مثيلها ، منها درع صدام 1983 بصفته أفضل باحث ومدرس حينها، ومن ثم عاد إلى الأردن سنة 1984م وعمل بالجامعة الأردنية حتى عام1987م ، وانتقل بعدها للعمل في جامعة القدس المفتوحة نائبا لرئيسها المرحوم د.وليد قمحاوي، كما ترأس برنامج تكنولوجيا المعلومات وكان من أبرز الأكاديميين الفاعلين ، حيث شغل مديرا لدائرة الشؤون الأكاديمية وعضوا في مجلس الجامعة، كما شارك في إعداد نظام العاملين الأكاديميين والإداريين والفنيين في الجامعة، وبقي فيها حتى عام 1990، ثم عاد إلى العمل في الجامعة الأردنية، وأسهم بإدراج تخصص الهندسة الصناعية فيها، وتقلد مناصب عدة منها: العمادة لكليات الهندسة مع تفضيله للعمل البحثي والترقيات، والخطط والمناهج.كما درس في معظم الجامعات الأردنية، ومن ضمنها جامعتي فيلادلفيا والجامعة التطبيقية، وتقلد فيها مناصب أكاديمية مرموقة.
حصل على العديد من الجوائز منها لقب رجل العام (man of year) في العام (2000م)، ومنح جائزة نوبل في نيسان(2002)، كما ورد اسمه على قائمة العلماء المميزين للقرن العشرين في الطبعة التاسعة سنة 2003 ،نظرا لخدماته المميزة للبعد الإنساني العالمي في آذار 2002م، واختير في العام (2010) نائبا للمدير العام للمعهد الأمريكي للبيبلوغرافيا في قارة آىسيا، . ثم عين رئيسا للمنظمة الدولية للمواد المتقدمة (ICAMR ) سنة 2016 ، وحصل على لقب الباحث الأول في جامعة العلوم التطبيقية بالأردن في أيار عام 2016. ، كما ورد اسمه ضمن القياديين البارزين في العالم في مجال اختصاصه البحثي في نفس العام، وكانت آخر جائزة من المنظمة الدولية للمواد المتقدمة كأفضل باحث للعام 2017 وتم ترشيحه لنفس الجائزة عام 2018، وحصل على ميدالية ذهبية في العام 2017 تقديرا لتميزه وسط آلاف الباحثين المشاركين من مختلف دول العالم في السويد ، وعين رئيساً للمجلس العالمي للمنظمة العالمية للمواد المتقدمة ( IAAM) ومقرها سويسرا، وتضم المنظمة (50000) عضوا موزعين على (135) دولة ، وقد تم منحه عضوية مجانية لمدة 5 سنوات قادمة .
أشرف أ.د.م.زيد الكيلاني على أكثر من (135) مشروع تخرج على مستوى البكالوريوس، وأكثر من (35) رسالة ماجستير و(10) رسائل دكتوراة، وتفوق الأبحاث المنشورة له على (385) بحثاً محكماً. ولا يزال قلمه ينبض بكل ما هو جديد ومفيد في زمن الحداثة والحاجة الملحة في توظيف البحث العلمي في خدمة المجتمعات التي باتت تزخر بكثير من التحديات.
هذا جزء يسير من مسيرة عطاء كبيرة لا زالت تتدفق لنابغة علمية أسهم إسهاماً كبيراً في تطوير الهندسة بمختلف قطاعاتها واختصاصاتها، ولمع عالمياً لقاء جهود علمية مباركة تحتل مكان الصدارة في الاهتمامات البحثية الجديدة، الأمر الذي يشعرنا بالإعجاب والاعتزاز الكبيرين لهذه القامة العلمية العملاقة التي تجاوزت بتأثيراتها دولاً عربية وأجنبية وخلدت إرثاً جميلاً تمتشقه الأجيال الصاعدة لتشق طريقها نحو العلياء وتحقق الرفاهية لشعوبها بكل اقتدار.