تقرير تسنيم ياسين
إلى الجنوب الشرقي من قلقيلية، قرية غائبة عن الذكر غالباً، لكن زيارة واحدة لها تسكنها الذاكرة لما ستثيره من حسرة في قلب زائرها لعدم معرفته بها سابقاً وللضياع الذي يتهددها بسبب الاحتلال ولصوص الآثار، إنها قرية سنيريا.
البلدة القديمة في القرية هي الجيل الثاني لها، فتحت الأبنية مدينة رومانية قديمة مطمورة بسبب التغيرات العمرانية، أما الأبنية الحالية فهي امتداد لما بناه مؤسس القرية عيسى السنيري، الذي قدم من سوريا مع جيش صلاح الدين واستوطن الأرض.
500-800 عائلة هم من يسكنون البلدة القديمة من بين العدد الكلي للسكان البالغ ما يقارب الـ4000 نسمة كما يذكر باسل الرابي أحد أبناء شيوخ القرية.
معالم مهددة
في البلدة القديمة كان لا بد لفريق أصداء الذي زار المكان أن يقف أمام غرفة صغيرة مغلقة، ليسترسل الرابي في حديثه عنها قائلاً: "هذه الغرفة تضم رفات أجساد لا نعرف لمن تعود بالتحديد، فبعض الروايات تقول إنها لأصحاب الكهف لكن لم يثبت أي شيء من ذلك".
ويتابع الرابي: "لكن روايات أخرى أكدت أنها من شيوخ القرية والصالحين، وكانت هذه طريقة قديمة في الدفن، فبسبب طبيعة الأرض الصخرية لجأ الأهالي إلى دفن الأجساد في غرف خاصة، وحينما احتل الإسرائيليون القرية أغلق الأهالي الغرفة ولم يدخلها أحد منذ ذلك الحين".
الغرفة ليست إلا جزءاً من أقدم مساجد القرية، مسجد سنيريا القديم، الذي يحمل علامات تدل على أنه بناء مسيحي روماني، لكنه تحول إلى مسجد يضم رفات الشيخ المؤسس عيسى السنيري وزوجه، وأقدم خادم لمسجد القرية.
بيوت البلدة القديمة رومانية مرممة بجهد ساكنيها، الذين رفضوا شروط المؤسسات غير الحكومية التي عرضت ترميم البيوت مقابل استئجارها 15 سنة.
لكن تتابع العائلات وزيادة أعداد الأحفاد يهدد البلدة القديمة بأن تصبح مهجورة لأن بيتاً واحداً يملكه 400-500 شخص لكل منهم عائلة، ولا يتولى أي منهم مسؤولية ترميم البيوت خاصة بعد وفاة آبائهم.
أحد هذه البيوت المهجرة هو قصر الحاكم الروماني الإقطاعي مرار، تدل على ذلك مساحة البيت والغرف التي فيه، فإحداها من الواضح أنها مربط خيل، إضافة إلى المضافة الكبيرة في البيت، ونقوش البلاط المميزة عن غيره من البيوت".
خارج حدود البلدة القديمة وقف الفريق على حافة ما قيل أنها سابقاً كنت بركاً رومانية، استعملت لتجميع عصير العنب، يشرح باسل الرابي: "هذه من أضخم البرك الرومانية، ولكنها منذ أن كنا صغاراً مهملة وكنا نأتي نسبح فيها شتاءً، أما اليوم فهي مطمورة بالأوساخ".
(إهمال، لصوص، احتلال)
أينما يحل الزائر في سنيريا هناك آثار، وأينما وجدت الآثار وجدت الأوساخ المتراكمة، يقول باسل الرابي: "ليس لدى الناس ثقافة الحفاظ على نظافة الأماكن التراثية فمع أننا نحاول إصلاح المشاكل الأخرى إلا أن الأوساخ يتحملها المواطن فقط".
وكما كان الحال مع البيوت في البلدة القديمة التي يرفض أهلها ترميمها بسبب اشتراط المؤسسات غير الحكومية استئجار المنزل 15 عاماً، كذلك خلت البرك الرومانية من أي إشارة على بدء الترميم بسبب عدم وجود تمويل لدى المجلس البلدي بحسب الرابي.
الكابوس الثاني هو لصوص الآثار خاصة الذين انتشروا في فترات الانفلات الأمني، فبكل وضوح يستطيع الزائر أن يرى آثار الحفر والتكسير بغرف البيوت المهجورة بالبلدة القديمة، وهو ما يحرم التاريخ مما يحفظه ويوثقه.
خالد تميم الموظف في قسم السياحة والآثار في وزارة السياحة الفلسطينية، والذي كان مرافقاً للفريق في جولته، يتساءل: "مسؤولية السلطة الفلسطينية توظيف الحراس على المكان، ووظيفة المؤسسات غير الحكومية ترميم الآثار لكن ماذا عن الهيئات المحلية وسكان القرية؟"
الاحتلال الذي يتربص بكل حجر من حجارة الأراضي الفلسطينية لم يتوان عن محاولات مصادرة الأراضي والبدء بحفريات في المناطق التي تقع تحت سيطرته.
ويبين باسل الرابي: "الاحتلال عرض على المجلس أن يبني على الأرض التي فيها البرك الرومانية مدرسة للقرية التي تعاني أصلاً من نقص المدارس، لكن المجلس رفض لأننا نعلم أن هدف الاحتلال البدء بحفريات وسرقة آثار القرية".
من سطح المسجد القديم يتمكن الزائر من الإطلال على البحر المتوسط والداخل الفلسطيني الذي تعد سنيريا من أقرب نقاط الضفة عليه.