الرئيسية / مقالات
يوميات مواطن عادي (27) حرية الصحافة... وصحافة الحرية والديمقراطية
تاريخ النشر: الخميس 12/06/2014 15:17
يوميات مواطن عادي (27) حرية الصحافة... وصحافة الحرية والديمقراطية
يوميات مواطن عادي (27) حرية الصحافة... وصحافة الحرية والديمقراطية

 مسلسل الإعتداء على الصحافيين يتواصل، ويبدو من مجريات الأحداث وتطورها أن لا نهاية له. آخر حلقات هذا المسلسل هو ما حدث بالأمس من إعتداء على الصحافيين وسط مدينة رام الله. ورغم تضارب الروايات وإختلافها حول طبيعة هذا الإعتداء، هل كان موجهاً ضد إعتصام لنقابة الصحفيين، أم ضد صحافيين كانوا يقومون بالتغطية الإعلاميةلمسيرة نظمتها إحدى القوى السياسية الفلسطينية، إلا أن الثابت بالصوت والصورة أن هناك إعتداء حصل من قبل قوى الأمن ضد الصحفيين، ونتج عنه أصابة وإعتقال بعضهم. والغريب في الموضوع هو تكرار الإعتداءات، ثم تكرارها مرة أخرى وثالثة ورابعة.. الخ من المرات التي لا نعرف متى تتوقف.

 

في العديد من الحالات التي لم تتمكن فيها قوى الأمن من نفي واقعة الإعتداء إضطرت لتشكيل لجان للتحقيق في بعض هذه الأحداث والوقائع من أجل "إستخلاص الدروس والعِبَر". وفعلاً تشكلت في مناسبات عديدة لجان تحقيق في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة لفحص تلك الأحداث والإعتداءات، ونادراً ما عَلِم المواطنون الفلسطينيون، بل حتى الصحافيون أنفسهم شيئاً عن نتائج هذه التحقيقات. ناهيك عن الدروس والعبر، والتوصيات التي خرجت عن تلك اللجان، والإجراءات التي إتخذتها الجهات المعنية لمنع تكرار مثل تلك الإعتداءات. وملخص الأمر بهذه الصورة يسلط الضوء على حقيقتين أساسيتين هما:

 

الحقيقة الأولى تشير الى دور الصحافة نفسها، وبحثها عن الحقيقة الموضوعية ونشرها للجمهور، كما هي. وهذا هو الحد الأدنى للدور الذي يمكن للإعلام القيام به في مجتمع ديمقراطي حقيقي تسود فيه حرية الرأي والتعبير، وتكون أحد أهم أعمدة الحكم والنظام السياسي الديمقراطي. وبالطبع فإنه لا يمكن النفي أنه يوجد لدينا صحافة بهذه المقومات والمواصفات، لكن لا يمكننا الإنكار أنه يوجد لدينا أيضا الكثير من العمل الصحفي والإعلامي الذي لا يمتلك أدنى درجات تلك المقومات والمواصفات. وهناك الكثير من الأدلة التي تشير الى ذلك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، هو أولاً "حياد" بعض الصحفيين في موقف الإعتداء على الصحافة، هذا على الأقل، وربما قد نجد أحيانا إنحيازاً "مضاداً" من قبل بعض الصحفيين تجاه الموضوع، وهذا مرتبط بعوامل متعددة منها مثلاً ثانياً تعدد إنتماءات الإعلاميين وتغليب الإنتماء "الآخر" الحزبي والسياسي...أو أي إنتماء آخرعلى الإنتماء للصحافة ورسالتها ودورها، بل إننا نجد ثالثاً أن معظم، إن لم نقل كل، الأحزاب والقوى السياسية وأجهزة الأمن والوزارات وهيئات العمل المجتمعي المختلفة، حكومية وغير حكومية لديهم أجهزة إعلامية متخصصة. والسؤال المطروح هنا ليس حيادية الصحافي في كل هذه الأجهزة الإعلامية في الظروف الطبيعية، لأنه عادة في الظروف الطبيعية نجد كل الصحافيين، حياديين وموضوعيين ويمتلكون مواصفات عالية. أما عند القضايا الحاسمة فإن التفاوت سرعان ما يطل برأسة كاشفاً عن طبيعة الحقائق والمواقف والأفراد. ودون الخوض في تفاصيل أكثر يكفي أن نطرح تساؤل واحد، وعلى سبيل المثال أيضا وليس الحصر، ما هو موقف الصحافيين العاملين في أجهزة الأمن التي إعتدت بالأمس على الصحافيين وسط مدينة رام الله؟

 

يقودناهذا الى الحقيقة الثانية وهي طبيعة الدور والحدود التي ترسمها السلطة السياسية والنظام السياسي للصحافة. وفي إعتقادي هي ترسم معالم صحافة أقل ما يقال عنها أنها "صحافة البلاط". كتب أحد الأصدقاء الصحفيين أمس عبارة جميلة جداً على موقعه للتواصل الإجتماعي يصف فيها صورة له قبل ثلاثين عام عندما بدأ العمل في الصحافة، حيث أوصاه مديره الذي ينتمي لنفس الحزب قائلاً له: "عليك أن تنسى هنا أنك تنتمي الى حزب معين، وأن تعمل من أجل الوطن والمواطنين جميعا، تتلمس قضاياهم المختلفة وتكتب عنها". أما اليوم فهناك من يريد، ويعمل على تكريس حقيقة مختلفة تقول: قبل أن تكون صحفياً، وربما من أجل أن تكون صحفياً، عليك أن تكون إبن هذا الحزب أو ذاك، هذا الجهاز أو ذاك، هذه المؤسسة أو تلك، داعماً ومسانداً لهذه الشخصية أو تلك. وعليك أيضا قبل كل ذلك ان تكون "مرناً"ومستعداً للتفاعل السريع مع التطورات والتغيرات، أن تكون مثلاً قادراً على الحديث بلغة سلبية عن هذا الطرف أو الحزب أو  الشخص، ثم العودة للحديث عنه كشريك ومناضل... الخ. أو على الأقل أن تتبع سياسة "إمساك العصا من منتصفها".

 

بدون الدخول في تفاصيل أكثر فإن النظام السياسي يريد صحافة يرسم هو حدودها ودورها ومهامها، بحيث تصبح جزء لا يتجزأ منه، بل إحدى الآليات التي يستخدمها كباقي الأجهزة والمؤسسات لإعادة انتاج نفسه، والحفاظ على ديمومة بقائه. ومن ينحرف قيد أنملة عن هذا الدور فإن الهراوات هي أقل ما يمكن أن يناله من جزاء. وللتوضيح فإنني أقصد النظام السياسي بالمعنى الواسع وليس المقتصر على السلطة السياسية فقط.

 

 

في كلتا الحالتين لا يمكن الحديث عن صحافة حرة، تعكس وتمثل الدور الهام الذي يمكن لها القيام به في المجتمع الديمقراطي بحيث تستحق بجدارة لقب "السلطة الرابعة". في الحالتين لن تكون الصحافة إلا مجرد أداة بهذه اليد أو تلك. وبدلاً من البحث عن الحقيقة ونشرها للجمهور والمواطنين تتحول الى مجرد بوق إعلامي ليس أكثر ولا أقل. ولهذا السبب أيضا تلقى خطوة "تشكيل لجنة تحقيق" في أعقاب بعض حوادث الإعتداء على الصحافيين تندراً، ليس فقط من الإعلاميين، وإنما أيضاً من جمهور المواطنين الذين يصل تندرهم لدرجة الإدعاء أنه حتى لو أكملت لجان التحقيق دورها، فإن توصياتها ستقع في نهاية المطاف إما في سلة المهملات، أو في إحدى أدراج المكاتب، في أحسن تقدير. وربما يذهب بعضهم للإدعاء أنه لو ثبت تورط أفراد فإنه سيتم إتخاذ إجراءات ضدهم أشبه ما تكون بالمكافأة. وبالمناسبة يخطر ببالي التساؤل إن كان هناك أحد الصحفيين قد تمكن من تتبع هذا الموضوع وإعلام الجمهور حول حقيقته الفعلية.

 

 

مختصر القول أن الإعتداء على الصحفيين يوم أمس لم يكن الأول ولن يكون الأخير، وهو ليس عمل فردي يقتصر على حزب أو فئة معينة أو هيئة معينة، وانما يعكس منهج عمل يقوم بالأساس على فكرة ترى أن حرية الصحافة هي يافطة عريضة يتغنى بها عند الحديث عن التجارب الديمقراطية. ولذلك تفتح الأبواب أمام الصحافة للإسترسال والغوص عميقاً عند الحديث عن الإنجازات والمكتسبات والإشادة بالأشخاص والهيئات والمؤسسات والمشاريع والرؤى والسياسات، ولا تلبث هذه الأبواب أن توارب عند بدء طرح الأسئلة والتساؤلات، وتغلق عند نقل الملاحظات والانتقادات. ثم تتحول الى عصي وهراوات عندما تعبر وتعكس المطالب بالعمل وإجراء التغييرات. وما أشبه اليوم بالبارحة حين كتبت قبل سبعة أشهر مقالة عنوانها "حرية الصحافة.. تساؤلات على طاولة رئيس الوزراء" حول ملابسات قضية إعتقال أحد الصحفيين في حينه. منذ ذلك الحين ربما المتغير الوحيد هو في الشكل والتفاصيل، أما الجوهر فهو واحد ويتكرر بإستمرار. وربما هذه المرة يحتاج الموضوع الى طرحه، ليس فقط على طاولة رئيس الوزراء، وإنما على طاولات أخرى عديدة ومتنوعة.

 

نبيل دويكات

رام الله-13حزيران 20213

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017