وصل الأمير محمد بن سلمان إلى سدة ولاية العهد في السعودية عقب عزل ابن عمه الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وأعلن بن سلمان تطبيق سياسات اقتصادية جديدة داخل البلاد وتدشينه ما سمي بـ"رؤية 2030" التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر دخل أساسي وتنويع الاقتصاد وزيادة الوظائف للسعوديين.
إلا أن نسبة البطالة ارتفعت بين الشباب السعودي بشكل كبير جداً، ما حدا بالسلطات لاتخاذ إجراءات قاسية في سوق العمل.
وتشير "رؤية 2030" التي أطلقها بن سلمان في العام 2016، إلى هدف زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22% إلى 30%، وخفض نسبة البطالة بين السعوديين من 11.6% إلى 7%.
لكن وفقاً لتقرير أصدرته الهيئة العامة للإحصاء، فإن معدل البطالة بين السعوديين بلغ 12.9% في الربع الأول من عام 2018، لكن عضو مجلس الشورى فهد بن جمعة، أكد في تصريحات صحافية متكررة، أن نسبة البطالة الحقيقية هي 34%، واعتبر كذلك أن سياسات وزارة العمل السعودية لمواجهة شبح البطالة لا تسمن ولا تغني من جوع.
وقررت الحكومة السعودية التوسع في "توطين الوظائف"، أو ما يعرف باسم سعودة الاقتصاد الوطني، من خلال حصر العمل في عشرات المهن والحرف بعدد من القطاعات المهمة بالسعوديين من دون غيرهم من الجنسيات، وكان من أبرز هذه القطاعات الاتصالات والذهب والتأمين والمواصلات ومحلات السيارات والدراجات النارية ومحلات الملابس الجاهزة وملابس الأطفال ومحلات الأثاث ومحلات الأواني المنزلية...
وتعتبر سياسات "سعودة" الوظائف قديمة في أدبيات الاقتصاد السعودي، وتم تعزيزها في عام 2009 عبر برنامج "نطاقات"، الذي يعطي صاحب العمل حق توظيف عدد معين من العمال الوافدين مقابل تعيين عامل سعودي.
إلا أن حصر التوظيف في قطاعات بأكملها للسعوديين من دون غيرهم، كان واحداً من سلسلة كبيرة من القرارات الارتجالية التي اتخذتها الإدارة السعودية الجديدة في محاولة تقويمها لمسيرة الاقتصاد المتهاوية.
وتسببت سياسات الحكومة في التوطين العشوائي للمهن البسيطة بحدوث كوارث في السوق السعودية وكذا بالنسبة للوافدين، حيث ارتفعت الأسعار في الكثير من القطاعات وتراجعت نسبة العمالة فيها، إذ إن عدداً كبيراً من المواطنين السعوديين لم يستفِد من هذه القرارات بسبب عدم رغبته بالعمل في مهن بسيطة، وخاصة أن معظم هؤلاء يحملون الشهادة الجامعية ويطمحون بالحصول على وظيفة في تخصصاتهم وليس في محلات مبيعات التجزئة والصيانة ذات الرواتب المنخفضة.
وتتنوع جنسيات الوافدين الذين اضطروا لترك سوق العمل بسبب "توطين" بعض القطاعات الاقتصادية، لكن معظم هؤلاء كانوا من الجنسية اليمنية، ما اضطر الكثيرين منهم للعودة إلى بلدهم رغم الحرب، بسبب عدم وجود فرصة عمل أخرى داخل السعودية ونتيجة فرض السلطات رسوماً شهرية على المقيمين وعائلاتهم ومرافقيهم.
وبحسب أرقام غير رسمية، فإن توطين قطاع غيار السيارات سيتسبب بإخراج 100 ألف يمني من أصل مليون و200 ألف يمني مقيم في السعودية، فضلاً عن القطاعات الأخرى التي كان اليمنيون يمثلون الشريحة الأكبر فيها وتم إبعادهم عنها، مثل قطاع الاتصالات والذهب.
وظهر فشل سياسة "التوطين" مبكراً في ظل التقارير التي تنشرها الصحف السعودية أسبوعياً حول تذمر أصحاب الأعمال في قطاعات الذهب والاتصالات من عدم إيجادهم عمالة سعودية ترغب في العمل بهذه القطاعات، وأن الاستغناء عن العمالة اليمنية في قطاع الذهب تسبب بكوارث للكثير من المحلات، ما اضطر أصحابها لإغلاقها أو دفع رواتب للموظفين اليمنيين دون حضورهم، على أمل أن تتراجع الحكومة عن القرار.
وقد تعرض قطاع الاتصالات كذلك لضربة بمنع الوافدين من العمل فيه، إذ إن مهناً مثل الصيانة والمبيعات تشهد عزوفاً كبيراً من الشباب السعودي، وعدم مقدرة من أصحاب محلات الهواتف على توظيف أي وافد طبقاً للشروط الجديدة.
وفي حال تجرؤ بعض أصحاب المحلات على توظيف الوافدين بشكل خفي، فإن السلطات تسارع إلى إغلاق المحل والتشهير به.
وتظهر الأرقام الصادرة من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية حجم الأزمة، إذ أوضحت أن 810 آلاف وافد خسروا وظائفهم داخل السعودية خلال السنتين الأخيرتين، لعدة أسباب، من بينها سياسة التوطين، وكانت الصدمة الأكبر أن عدد الوظائف التي توافرت للسعوديين هو 43 ألف وظيفة فقط، وهو ما يعني أن سياسة السعودة لم تجر بالشكل المطلوب حتى الآن.
وبلغ عدد الموظفين الوافدين المسجلين 7 ملايين و708 آلاف في الربع الأول من هذا العام، بعدما كان يبلغ 8.4 ملايين في الربع الأول من 2017.
وتقول التحليلات إنه لا يبدو أن هناك جدوى حقيقية من "توطين الوظائف" في القطاعات التي يعمل فيها الوافدون برواتب متدنية، مع تيقن السلطات من أن السعوديين العاطلين من العمل، ومعظمهم من خريجي الجامعات، لن يعملوا في هذه الوظائف، وهو ما يحدث فعلاً في ظل تصاعد لأزمة سوق العمل أخيراً.
ونشر موقع "يوروموني" أمس الجمعة، تقريراً أشار فيه إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية انهار في عام 2017، بعد عام واحد من الإعلان عن رؤية 2030. إذ بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر 1.4 مليار دولار فقط في 2017، مقارنة بـ 7.5 مليارات دولار في عام 2016.
ويعتبر التقرير أن الأمور تزداد سوءاً. إذ في حين أن المملكة العربية السعودية لديها حاجة ملحة للعمال، سواء من ذوي المهارات المنخفضة أو العالية، لتسليم العديد من المشاريع المنصوص عليها في الرؤية، إلا أن الوافدين يغادرون بأعداد كبيرة.
وبين الربع الأخير من عام 2016 وإبريل/ نيسان الماضي، غادر البلاد أكثر من 800 ألف عامل أجنبي، حيث فرضت المملكة قواعد أكثر صرامة على وجودهم.
وخلال الربع الأول من عام 2018، أصدرت المديرية العامة للجوازات في المملكة 1.2 مليون تأشيرة إعادة دخول، مقابل ثلاثة ملايين خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، وهذا يتناقض مع الانفتاح على العالم الذي سعت الرؤية إلى التعبير عنه.
ويلفت التقرير إلى أن القيادة السعودية تريد رؤية المزيد من السكان المحليين يقومون بأعمالهم ويساهمون في الانخراط بنشاط في التحول القائم في البلاد.
لكن رحيل الوافدين لم يؤد إلى مزيد من السعودة في القوى العاملة، إذ ارتفع معدل البطالة بين السعوديين إلى 12.9% في الربع الأول من 2018 وفق الأرقام الرسمية، من 11.6% عندما تم الإعلان عن رؤية 2030.
المصدر: العربي الجديد