الرئيسية / منوعات / تكنولوجيا
تكنولوجيا ضد أيديولوجيا الإنترنت وفتنة الأجيال (2 ـ 4)
تاريخ النشر: الأثنين 05/11/2018 15:32
تكنولوجيا ضد أيديولوجيا الإنترنت وفتنة الأجيال (2 ـ 4)
تكنولوجيا ضد أيديولوجيا الإنترنت وفتنة الأجيال (2 ـ 4)

جزء كبير من التأثير العام لشبكات التواصل الاجتماعي ( فيسبوك وتويتر وغيرهما) يرجع بصورة أساسية لدورها في إعادة توزيع السلطة علي إنتاج المعرفة وتداولها خارج قنوات السيطرة التقليدية ولمصلحة جيل رقمي جديد ونخبته.
فعندما ظهرت هذه الشبكات في السنوات الأولي من القرن الواحد والعشرين، وجد فيها معظم الشباب في العديد من دول العالم وطنًا بكرًا يهاجرون إليه بديلًا عن دولة «الكبار»، وكل ما تمثله من سلطة أيديولوجية خانقة علي القيم والأفكار والعقول. وليس غريبًا إذًا أن يكون أكثر من ثلث مستخدمى فيسبوك، وأكثر من 70 فى المائة من مستخدمى تويتر فى العالم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 سنة!
لكن ما بدأ بالرفض والهجرة الرقمية انتهى بالعودة ثم الصدام مع هذه السلطة والصراع معها، فيما يمكن أن نطلق عليه النسخة الرقمية من التكفير والهجرة.
حدث ذلك في مصر في الدعوة والحشد والتغطية الإعلامية البديلة لإضراب 6 أبريل، وأحداث المحلة في 2008، وحدث أيضًا في إيران أثناء أزمة انتخابات الرئاسة هناك في 2009، وما صاحبها من اضطرابات.
وكان هناك موقف في هذه الأثناء له بعض الدلالات المتصلة بسياق الحديث هنا. ففي حوار له مع قناة الجزيرة تعليقًا علي الأزمة الانتخابية في إيران 2009، قال الكاتب محمد حسنين هيكل، إن هناك آلاف المواقع علي تويتر أنشئت قبل أيام قليلة من الانتخابات الإيرانية، وكان الهدف منها إرباك النظام، وتأجيج الغضب ضد النتائج التي ستعلن، وأضاف أن كثيرًا من هذه المواقع انطلق من إسرائيل.
كان ما قاله هيكل صحيحًا في معظمه. وقد فعلت وزارة الدفاع الأمريكية نفس الشيء في ليبيا في 2011، عندما استخدمت تقنيات متقدمة لإنشاء وإدارة آلاف الحسابات المزيفة علي تويتر علي أنها لمواطنين ليبيين يقولون بأن نظام القذافي يرتكب مجازر ضد شعبه، ويطالبون العالم الخارجي بالتدخل لإنقاذهم من هذا النظام.
ولم يحاول معظم الناشطين من الشباب المصرى علي مواقع التواصل الاجتماعي في وقتها التأكد أولًا من صحة كلام هيكل من عدمه، فجاءت تعليقاتهم تحمل نقدًا شديدًا وسخرية حادة مما قاله عن شبكات التواصل الاجتماعي. فسخروا من وصفه لـ حسابات تويتر بـ المواقع، وقالوا أيضًا كلامًا آخر أكثر حدة، لا يمكننا الاستشهاد بنصه هنا، لكنه يحمل نفس المعني: إن هذا الجيل الرقمي يرفض أن يتدخل جيل الكبار ( سنًا ) في شئون دولته ( الافتراضية) بأي شكل من الأشكال، وحتي لو كان رأيًا، ولا يتقبل أن يتكلم الكبار عن تكنولوجيا «تنتمي» بشكل أو بآخر لجيل الشباب، الذي يري أنها تتيح له فضاء هو إحدى القنوات القليلة التي يعبرون من خلالها عن أفكارهم وهمومهم وغضبهم، بعيدًا عن السيطرة المؤسسية والحكومية علي تيار المعرفة والمعلومات الذي يتفقد من خلال القنوات التقليدية: صحف ( ورقية) وإذاعة وتليفزيون.
وفي نفس هذا الوقت تقريبًا من 2009، كانت هناك أيضًا مواقف مشابهة وتعليقات «وحوارات» أكثر حدة بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مع صحفيين وكتاب محسوبين – سياسيًا وفكريًا- علي «دولة الكبار» كانوا قد بدأوا في استخدام هذه الشبكات في هذه الفترة. وظهر من هذه «الحوارات» أننا أمام بدايات صراع بين جيلين مختلفين، ليس فقط بحساب السنوات ولكن أيضًا بحساب نوع التكنولوجيا الذي أثرت في تشكيل الوعي العام لكل جيل.
الجيل الأول – جيل الكبار - تشكل الجزء الأساسي من وعيه بالتلقي والاستقبال في بيئة ساد فيها نوع من التكنولوجيا يتيح لقلة في قمة الهرم توجيه عقول الأغلبية في باقي الهرم من خلال السيطرة علي معظم بوابات المعرفة والمعلومات والأخبار، إن لم يكن كلها، متمثلة في وسائل الإعلام التقليدي من صحافة وإذاعة وتليفزيون وحتي شبكة الإنترنت في موجتها الأولي.
أما الجيل الآخر فقد ولد رقميًا، شكل وعيه بنفسه خارج القنوات والمسارات التقليدية عن طريق إعلام بديل يقوم علي التفاعل والمشاركة، إعلام يستطيع أن يناقش من خلاله كل ما يريد بما فيه كل القضايا السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية التى صنفها الجيل الآخر “مسكوتا عنها”. ويساعد هذا الجيل الرقمى فى كل ذلك تكنولوجيا أحد أهدافها الرئيسية هو إزاحة النخب التقليدية وتمكين الجماهير أحد أهدافها الرئيسية هو إزاحة النخب التقليدية وتمكين الجماهير، والتى تمثلت فى الموجة الثانية من شبكة الإنترنت من مدونات وقنوات لتبادل الصورة والفيديوهات ( يوتيوب وعيره) ثم أخيرًا شبكات التواصل الاجتماعى ( فيسبوك وتوتير وغيرهما).
لذلك لم يكن مفاجئًا ما جاء فى «التقرير الإستراتيجى للمحتوى الرقمى العربى على شبكة الإنترنت» من أن السياسة والدين والجنس كانت بين أكثر الموضوعات التى سيطرت على المدونات، ومواقع التواصل الاجتماعى فى العالم العربى، مع بداية ظهورها وانتشارها بين المستخدمين من الشباب العربى.
كان الصراع في حقيقته صراعًا بين وعي تقليدي ثبت جذوره في أرض الواقع، ووعي آخر بديل يتشكل في فضاء افتراضي: تكنولوجيا ضد تكنولوجيا وإعلام ضد إعلام وأفكار ضد أفكار ونخبة ضد نخبة.
هذا الصراع ظهرت بداياته في الدعوة لإضراب عام، والاضطرابات التي صاحبته في المحلة في 2008، واتسع نطاقه في 2010 بعد مقتل خالد سعيد، وما أفرزه من تداعيات، ثم وصل إلي ذروته في أحداث ثورة 25 يناير في 2011، بعد أيام قليلة من وصول صراع مشابه في تونس إلي ذروته.


 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017