بقلم د. مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مع أن مواجهة غزة العسكرية الأخيرة لم تدم إلا لثمان وأربعين ساعة، فإنها كانت حافلة بالمعاني، والدروس، والإستخلاصات الثمينة.
الإستخلاص الأول، يتمثل في الجمع الناتج الذي تحقق بين المقاومة الشعبية، التي تجلت في مسيرات العودة كوسيلة هجومية لتغيير ميزان القوى، وكسر الحصار، وبين المقاومة المسلحة كوسيلة دفاعية فعالة لا غنى عنها لردع القوة العسكرية الضخمة للاحتلال الإسرائيلي.
الإستخلاص الثاني، محدودية الخيارات العسكرية السياسية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة ، بفضل صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني وقدرة الردع القائمة لديه، وقد إمتلأت الصحف الإسرائيلية بالمقالات التي تشرح عدم جدوى القيام بحرب شاملة على قطاع غزة تنتهي بإعادة احتلاله، لأن ذلك سيكلف الجيش الإسرائيلي خسائر بالآلاف، لا تستطيع القيادة السياسية وقيادة الجيش إحتمالها، ولأن إعادة احتلال القطاع لن يخلق إلا مزيد من المقاومة، التي قد تكون أشرس، وسينتهي الأمر بالجيش الإسرائيلي إلى ترك القطاع.
الإستخلاص الثالث، أنه قد تأكد مرة أخرى أن أحد أهم نقاط ضعف المنظومة الإسرائيلية هي الحساسية الشديدة للخسائر البشرية، فهي مستعدة لأن توقع في صفوف الفلسطينيين آلاف القتلى دون أن يرمش لها جفن، ولكنها لا تحتمل أن تخسر ولو بضع عشرات في أي مواجهة.
وتضاف لذلك نقطة الضعف الثانية وهي الحساسية الشديدة للخسائر الإقتصادية ، وقد شعرت اسرائيل بتأثيرها في المواجهة الأخيرة اذ خسرت ملايين الدولارات بسبب هروب مجموعات هائلة من السياح، وإلغاء حجوزات سياحية، وتعطيل العمل في مواقع كثيرة، بالاضافة إلى تغيير مسار الطائرات في مطار اللد،ولم تكن صدفة أن استطلاعات الرأي كشفت أن غالبية الإسرائليين إعتبروا ان الفلسطينيين هم الذين فازوا في المواجهةالأخيرة.
الإستخلاص الرابع، أن مسيرة العودة وكسر الحصار والمواجهة الأخيرة، ومعركة الخان الأحمر ، وقبلها هبة القدس قد أكدت صحة الإستراتيجية البديلة للمفاوضات الفاشلة، والتي تركز على تغيير ميزان القوى مع إسرائيل والحركة الصهيونية، والتي تجدد التذكير بمقولة" أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" ، فما من شيء سيتغير إلا بتغيير ميزان القوى.
الإستخلاص الخامس، عدم جواز التخلي عن اليقظة للحظة واحدة، فما أثبتته الأحداث، أن حكام إسرائيل لا يقيمون وزنا لمعاهدات أو إتفاقيات أو تهدئة، وما كان غدرهم وخرقهم للتهدئة الأخيرة، إلا نموذج لما سيقومون به في المستقبل، وهم أيضا يعكفون الآن على إستخلاص العبر وإستنباط الدروس، ودراسة نقاط القوة والضعف، وإن كان هناك تهدئة فلن تكون سوى محطة عابرة في صراع مفتوح لن يُحَل إلا بإنهاء الاحتلال، وإسقاط منظومة التمييز والفصل العنصري الإسرائيلية.
الإستخلاص السادس، أن النضال والنجاح فيه يوحد الفلسطينيين، ويقوي معنوياتهم، ويمنحهم شعورا عظيما بالأمل والثقة بالنفس، على عكس ما يخلقه الصراع على السلطة من إنقسام وشعور بائس بالإحباط واليأس.
أما الإستنتاج السابع والأهم ، فهو أن قوتنا في وحدتنا وضعفنا في إنقسامنا، وأملنا أن يصل هذا الوعي إلى عقول الجميع، وأن يترجم إلى تطبيق فعلي وسريع.