في الوقت الذي إنكشفت فيه ألاعيب الصهيونية وخداع رأس الأفعى الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الرغبة الحقيقية في السلام المزعوم, ومسألة حل الصراع العربي الصهيوني وفق مبادئ الشرعية الأممية وروح القانون الدولي الذي يكفل حق تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة المستقلة على كامل الأراضي المحتلة في العام 1967م , بل وراحت تلك القوى عوضاً عن الإنصياع لمحددات السلام العادل والشامل الى تصعيد وتيرة الإستيطان والتهويد وتسعير أعمال القتل وجرائم الإبادة والتطهير العرقي والحبس والنفي والتقطيع والتطويق والحصار الخانق والقاتل وفرض حقائق التهويد والقضم على الأراضي المفترضة للدولة الفلسطينية, مما أسفر عن القضاء تماماً على خيار حل الدولتين الذي ينسجم مع روح السلام الحقيقي المنشود.
وأمام هذه العربدة الصهيونية التي ضربت عرض الحائط كل محددات السلام العادل والشامل ,وكذلك تماهي الولايات المتحدة الأمريكية تماماً مع الصلف والعربدة الصهيونية تلك..في هذا الوقت تُقدم بعض الحكومات العربية الرجعية على فعلتها المشينة المتمثلة بمد جسور العلاقة المشبوهة والتطبيع المجاني مع عدو الأمة والإنسانية الذي لم يتوانى ولو لحظة واحدة عن جرائمه المسعورة التي وصلت حتى إحراق أطفالنا وهم أحياء أو نيام ,ويعمل ليل نهار على تهويد قبلة المسلمين الأولى وسن المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية الفاشية التي تستهدف الوجود العربي الفلسطيني وإقتلاعه من أرضه ووطنه التاريخي ,إضافة للحملة الصهيونية المجنونة الخاصة بهدم البيوت والقرى العربية لصالح التمدد اليهودي السرطاني في الأراضي العربية المحتلة ,وكذلك الزج بعشرات الاّلاف من مناضلينا ومناضلاتنا بل وحتى أشبالنا وزهراتنا في غياهب وباستيلات النازيون الجدد المسماة سجون الاحتلال وخير دليل على ذلك حبس الطفلة الفلسطينية عهد التميمي .
إن تسارع عمليات التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني البغيض بوتيرة تصاعدية إنما يؤشر بشكل جلي وواضح على مدى تردي ونكوص الحالة العربية برمتها ,وهي دليل اّخر على تراجع المد الثوري النهضوي العربي , وأفول نجم الأحزاب التقدمية وكافة القوى الوطنية والقومية والإسلامية التي باتت تراوح مكانها وتشهد عملية تراجع لا مثيل لها , مما ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه بل ومشرعاً أمام تمدد وتوغل القوى الرجعية والطائفية تمارس غيها وبغيها وخزيها وفسادها كيفما تشاء , وتمعن تمزيقاً وتخريباً في الجسد العربي دون حسيب أو رقيب.
إزاء ما تقدم فقد بات جلياً أن جريرة أنظمة التطبيع المجاني لن يكبح جماح تهافتها المخزي على كسب ود الصهيونية ورضاها عنهم سوى تصعيد الفعل البطولي الفلسطيني ضد الإحتلال, وتسعير نار المقاومة والإنتفاضة الشعبية الفلسطينية التي تستقطب الضمير العربي ويجتمع العرب حولها ,وبالتالي تنكشف تماماً عورات الإنظمة الرجعية والإستبدادية التي ما عادت تمثل شعوبها المقهورة ,وتضعها في خانة الخزي والعار أمام مشاهد البطولة الفلسطينية وتميزها في مواجهة جنود الإحتلال الذين يفرون كالذباب من وجه أشبالنا وسواعد أبطالنا مفجري الإنتفاضة والمقاومة الباسلة بكل أشكالها وألوانها على طريق دحر الإحتلال وكنس مستوطنيه وإستعادة كامل الحقوق العربية في فلسطين التاريخية.
ونحن إزاء هذه الحالة وفي ظل قتامة المشهد العربي والفلسطيني فقد بات لزاماً على كل المناضلين والاحرار في فلسطين وأرجاء الوطن العربي الممتد من المحيط الى الخليج, مغادرة قمقم التردد والضعف والإنتكاس واللامبالاة والنهوض سريعاً نحو وضع البرامج والإستراتيجيات النضالية الكفيلة بردع العدوان والإنتصار لشعب فلسطين الذي يرزح تحت نير الأحتلال ويتعرض للإبادة الجماعية , وكذلك القفز على كل الحواجز والمعيقات وكل الخلافات في سبيل النهوض بواقع أمتنا في ظل ما يعتريها من ضعف وهوان وإنكسار وفراغ أتاح الفرصة كلياً أمام القوى الرجعية لتبديد طاقات وإمكانات الأمة وثرواتها وجعلها مستباحة لإطماع الصهيونية والإمبريالية وكل الأمم الطامعة بالجسد العربي.
إننا مطالبون اليوم كفلسطينيين تصعيد كل أشكال المقاومة في وجه الإحتلال الصهيوني.. وكعرب العمل بشكل جاد وحثيث على إحياء فكرة تشكيل الجبهة العربية التي تضم كافة القوى الوطنية والقومية والإسلامية بهدف إسناد ودعم نضال شعبنا في مواجهة مشاريع التهويد والإستيطان والإستعمار والإحتلال وخصوصاً ونحن نمر بأخطر المراحل التي تستهدف شطب قضيتنا وذبح أمتنا من الوريد الى الوريد.
بقلم : ثائر محمد حنني الشولي
بيت فوريك- فلسطين المحتلة
كانون أول - 2018-