تستمر التظاهرات الشعبية في السودان، في ظل حالة من "توازن الضعف" الذي يسود مشهد الحكومة والمعارضة في آن، حيث يلحظ المحللون فشل الحكومة حتى الآن في حلول عاجلة، في وقت تنقسم المعارضة بين اليمين الذي يتطلع لـ"هبوط ناعم" واليسار الداعم للحراك الجماهيري بهدف إسقاط النظام.
إسرائيل دخلت على الخط
وفي أول رد فعل للحكومة، قال مدير الأمن والمخابرات الوطني صلاح عبد الله الشهير بـ"قوش"، إن السلطات رصدت أشخاصا يتبعون لحركة متمردة في دارفور بقيادة عبد الواحد محمد نور استغلوا الاحتجاجات، للتخريب وأنهم قادمون للسودان من إسرائيل، وقال: "إن القوات الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على 7 منهم وعلى رأسهم رئيس الخلية".
لكن مغردين على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروا هذا التصريح، عجزا عن تبرير الاحتجاجات التي فاجأت الحكومة، ورد الفعل الذي أدى إلى سقوط قتلى، ونشر البعض صورا لأطفال شاركوا في التظاهرات وأشاروا بسخرية "هؤلاء هم عملاء الموساد".
اقرأ أيضا: حصيلة جديدة لضحايا احتجاجات السودان.. ووال جديد للقضارف
ووعد الفريق "قوش" خلال لقاء مع صحافيين ومراسلين أمس الأول، بأن أزمة الخبز والمحروقات في طريقها إلى الحل في الفترة المقبلة، وأكد على أن دعم الحكومة الدقيق والمحروقات لن يرفع.
كما أكد مساعد الرئيس السوداني، فيصل حسن إبراهيم، خلال اجتماع مع بعض القوى السياسية، "السبت" على أن "الحكومة تعمل من أجل توفير الخبز وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني في جميع الولايات مع أحزاب الحوار الوطني".
نشر البعض صورا لأطفال شاركوا في التظاهرات وأشاروا بسخرية "هؤلاء هم عملاء الموساد".
ويرى الكاتب الصحفي النور أحمد النور في حديث لـ"عربي21" أن الحكومة ليس لديها أية حلول سياسية أو اقتصادية للأزمة، وقال: "لا توجد لدى الحكومة حلول سريعة، ولا تفكر في تقديم تنازلات سياسية للمعارضة".
ويتوقع النور أن تتراجع وتيرة التظاهر، نسبة لعدم وجود تنظيم للتظاهرات وغياب القوى السياسية الداعمة للتظاهر عدا اليسار، ورجح أن تستمر المناوشات بين مجموعات محدودة لأيام.
ورأى أن النظام لم يكن يتوقع هذه "الهزة العنيفة"، موضحا أن الرسالة وصلته والآن كافة القوات النظامية في حالة استعدادات قصوى.
دعت إلى إسقاط النظام
وأعلنت أحزاب "الشيوعي" و"البعث" عبر بيانات مساندتها للحراك الشعبي، ودعت منسوبيها للمشاركة، وأكدت أن هدفها "اسقاط النظام".
لكن زعيم حزب الأمة القومي المعارض الصادق المهدي، قال في مؤتمر صحفي رصدته "عربي21" السبت: إن حزبه يدعم الاحتجاجات الشعبية في البلاد، لكنه أكد أن حزبه لن يشارك فيها.
وطرح المهدي سيناريو مغايرا للانتفاضة الشعبية لإسقاط النظام، ونادى بتشكيل حكومة وفاق جديدة يشارك فيها جميع الأطراف، عبر آلية التفاوض والحوار رغم أن الحكومة ترفض هذه الخطوة في الوقت الحالي.
ويعتقد العديد من المراقبين استطلعتهم "عربي21" أن الحكومة والمعارضة في مأزق سياسي وحالة من انسداد الأفق، ويشيرون في هذا الخصوص إلى أن الاحتجاج الشعبي ما يزال مستمرا دون أي قيادة سياسية، ولوحظ أن المحتجين لا يرفعون أي شعارات حزبية، ما يدلل على إحباط يسود المواطنين من سيناريوهات النخب السياسية، ما يجعل الوضع أكثر غموضا ويصعب التنبوء بمآلاته.
عجز حكومي
وعلى صعيد الحكومة التي تقوم الاحتجاجات في وجهها مباشرة، بات واضحا عدم قدرتها على إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها المواطنون، ويقول المحلل السياسي خالد التجاني: "إن الأجندة الداخلية حساباتها معقدة على وقع الأزمة السياسية الراهنة، ولا سيما تجلياتها الاقتصادية في ظل حالة تدهور متسارع للاقتصاد السوداني ينذر باحتقان اجتماعي متزايد، والبحث عن مخرج منها ما يزال مستمرا".
ويرى التجاني في حديث لـ "عربي21"، أن "الرئيس عمر البشير يواجه بعزوف خليجي عن دعمه في وقت شدة غير مسبوقة، فضلاً عن تضاؤل احتمالات حدوث تقدم منظور في العلاقات مع الولايات المتحدة، وبالتالي خروجه من لائحة الدول الراعية للإرهاب وإنهاء حصاره الاقتصادي"، وفق تعبيره.
أما الباحث الاقتصادي الدكتور عمر محجوب الحسين فقد قال لـ"عربي21": إن "حل المشكلة الاقتصادية ممكن لكن بكلفة عالية على المواطن"، مشيرا إلى خطوات وإرهاصات رفع الدعم عن الخبز جزئيا والمحروقات؛ و"اكتوى بها المواطن الذي خرج متظاهراً".
ويعدد محجوب الكثير من نقاط الإخفاق والسياسات الخاطئة في الشأن الاقتصادي التي دفعت بالوضع إلى هذا المستوى من السوء، لكنه يقترح ضرورة وضع خطة قصيرة وطويلة المدى لتوفير المتطلبات الأساسية للمواطنين على الأقل لمدة (7) سنوات من خلال مقرضين حلفاء لحل مشكلة المحروقات والخبز؛ والعمل بصورة جادة لجذب مدخرات وتحويلات المغتربين بحوافز حقيقة، والنظر إلى أسباب مشكلة السيولة النقدية.
بينما يقترح المحلل الاقتصادي الدكتور هيثم فتحي في حديث لـ"عربي21" تبني مشروعات إنتاجية ذات عائد سريع يخفف من العجز التجاري وينعش العملة الوطنية، التي أسهم تدهورها في تفاقم معيشة المواطنين.
ورأى توجيه الإنفاق الحكومي للأسبقيات المحددة في الموازنة التي تغطي مجالات تدعم الصادرات من أجل زيادتها وبذل جهود اكبر لمكافحة تهريب الذهب والسلع الأساسية لزيادة احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
ودعا فتحي إلى اتباع سياسات نشطة لضخ المزيد من السيولة في السوق من خلال الأدوات غير المباشرة التي يمتلكها البنك المركزي مثل تنشيط الدورة الاقتصادية والأسواق من زيادة الصادر وفتح الأسواق، إضافة إلى جذب المستثمرين وتشجيع المستثمر السوداني بالاستثمار داخل بلده.
يذكر أنه في نهار 19 كانون الأول (ديسمبر) الجاري تفاقمت أزمة الخبز المدعوم التي بدأت منذ أشهر وعبرت عن نفسها بصفوف طويلة بانتظار استلامها، علماً أنه لا يوجد تحديد للكميات المشتراة، حيث اختفى الرغيف قبل يوم من الأحداث في عطبرة ثم ارتفع سعره من جنيه إلى ثلاثة جنيهات مرة واحدة، وحدث هذا في مدينة بورسودان ، وزاد أكثر في دنقلا ومدن أخرى، وكان يترافق معها أزمة وقود حادة بقيت على حالها في الديزل بينما انفرجت في البنزين، وأزمة حادة في الحصول على العملة المحلية "الكاش" وأزمة قديمة في الحصول على النقد الأجنبي وندرته.
وكان واضحا أن التوجه الرسمي للحكومة كان السماح للناس بالتعبير عن استيائها وعدم التعرض للمحتجين في البداية، ولكن دخول بعض التيارات المؤدلجة على الخط، وفق مصادر خاصة، أدى إلى تطور الأوضاع.
هذا وقال مساعد الرئيس السوداني فيصل حسن إبراهيم، السبت، إن الرئيس عمر البشير عقد الجمعة اجتماعا مع نائبيه، ومدير جهاز الأمن، ووزير شؤون الرئاسة، ووزيري الدفاع والداخلية، ورئيس البرلمان، لبحث أزمة الاحتجاجات في البلاد.
وأضاف إبراهيم في تصريحات له اليوم: "تقرر خلال الاجتماع حراسة المنشآت الحيوية بواسطة الجيش السوداني، وتعليق الدراسة في كل مستوياتها، لأن الذين بدأوا التخطيط للاحتجاجات يستهدفون إحداث خسائر كبيرة وسط الطلاب وصغار السن".
الخرطوم ـ عربي21 ـ من خالد سعد