إلى متى يُخيم الجهل على عقل المواطن العربي؟؟

تقرير مادلين فقها/

 أسئلة كثيرة تدور في مخيلة الكثير من أفراد المجتمع، فما الذي يدفع المواطن العربي إلى إتباع طريق الجهل والذهاب إلى العرافة والمشعوذين، الذين يدخلونه في دوامةٍ من الخداع والفتن العقلية، فالمستقبل قد يتجاوز أمور اكبر من الكهنة ومن كونها مجردِ خداع عقلي.

كباقي أفراد المجتمع تعترض طريقنا أشواك ومشاكل كثيرة، بعضنا من يبحث عن حل بنفسه، ويتمسك بمبادئه ولا يتخلى عنها مهما كان المأزق الذي يحل به، وآخرون يلجاؤون إلى إخوانهم وأصدقائهم لحل مشاكلهم، والبعض الآخر يفقد السيطرة على نفسه نتيجة التأثير السلبي والضغط النفسي الذي سببته تلك المشاكل.

ولكن هل يؤدي الغرق بمشاكلنا إلى التشبث بالكهنة والعرافين وكأنهم "قشة النجاة" ؟ وهل لا يزال هناك أشخاص يؤمنون بان ذلك الشخص له القدرة الخارقة على حل المشاكل؟ والأغرب من ذلك أنهم يتواجدون بمكاتب في شوارع عامة بلافتة تحمل أسمائهم!

عندما تتجول في مدينة نابلس وبالتحديد في شارع المأمون لا تستغرب بأنك تجد عدة مكاتب تحمل أسماء لكهنة من الطائفة السامرية، ففي بداية رحلتنا لم نجرؤ على الدخول لأحدها، وتوجهنا إلى احد البيوت المجاورة وطرقنا الباب، فتحته لنا سيدة تدعى أم خالد وبعد أن تعرفت إلينا، أدخلتنا إلى غرفة الاستقبال، فهي تسكن في عمارة ملاصقة لمكتب احد الكهنة السامريين، وعند سؤالنا لها عن مكتبه المجاور لبيتها أجابت أن المنزل مكون من ثلاثة طوابق وتستقل أم خالد الطابق الأرضي وان هذه العمارة يعود ملكها للكاهن السامري.

وبكونها تسكن جواره فهي تعرف عنه الكثير، وأخبرتنا أن أسرة الكاهن مكونة من شخصين هو وزوجته فقط ولا يوجد لديهم أبناء لأنه عقيم، وبتعليقها الساخر قالت وهي تضحك: "يأتون إليه الناس من اجل الحمل والولادة وهم من غير دراية لا يعلمون انه عقيم"، كلماتٌ تثيرُ استغرابنا! ثم تردف أم خالد قائلة :" لديه أموال كثيرة وأملاكا طائلة ويجني آلاف الشواقل من الناس الذين يأتون إليه لحل مشاكلهم المختلفة، فمن كل حدب وصوب ومن بقاعِ الضفة الغربية والداخل المحتل ينالون نصيبهم في حل مشاكلهم عند هذا الكاهن كونه خبير في فك السحر".

سيناريوهات محتملة وسوابقٌ يمكن تكرارها

بعد شكرنا لأم خالد ومغادرتنا منزلها وجدنا سيارة بيضاء تحمل "نمرة صفراء" تقف على باب المكتب، وشاب يقف بجانبها وفي الداخل امرأة خمسينية ترتدي الحجاب ونظارات شمسية سوداء تغطي عيناها، سألناها عن وجود الكاهن في الداخل وأننا نريد حل مشكلة ما تعترض طريقنا، فأجابت:" نعم هو في الداخل ومعه زوجة ابني ليعالجها ولن تستطيعوا الدخول إليه حتى ينادي علينا بأنه أنهى الجلسة، وطلب منا أنا وابني أن نغادر وننتظرها حتى تخرج فكما تعلمون لا يجوز لأي منا أن يكون في الداخل حتى لا يفسد العلاج"، وكما يبدو على ملامح هذه السيدة أنها سئمت الانتظار في أشعة الشمس الحارقة بالخارج، فسألناها وما هي مشكلة زوجة ابنك؟ فأجابت:" ابني تزوج بها منذ ثلاث سنوات والى الآن لم ينجبا أطفالا وتوجهنا إلى الكثير من الأطباء فقالوا انه ليس لديهم أيُ مشاكل، وهذه المرة الثانية نتوجه بها إلى هذا الكاهن ".

وقبل أن تكمل كلامها  يخرج رجلا في الخمسين من عمره أو يزيد، أشيب الشعر، وذو عينان زرقاوتان، ينادي على الشب وأمه لكي يدخلوا إلى الداخل وينتبه لوجودنا فنخبره أننا جئنا لمقابلته لأن لدينا مشكلة، فأشار إلينا بالدخول.

غرفة رائحتها كريهة، وعلى بابها الزجاجي ستارة زرقاء يرفعها فندخل المنزل، براويز برزت من حائط الغرفة نفسه منقوش عليها عبارات باللغة العبرية، وهناك بوسط الغرفة مكتب وبجانبه مقعد خشبي بني اللون، ومقاعد أخرى، نظرنا إلى المرأة فوجدناها تشرب الماء ووجهها محمر وبالكاد تلتقط أنفاسها حيث لازمتها القحة، يسألوه عنها فيخبرهم أن حالتها صعبة وبحاجة إلى عدة جلسات حتى تشفى، يدفعوا له رزمة من المال ويبدو أنها تفوق الألف شيقل، ثم يغادروا المكان بعد أن ارتدت الزوجة الشال الذي كان على كتفها ولفته على رأسها وكأنها تريد التخفي به! ثم جاء دورنا فأخبرناه أننا قدمنا إليه للتأكد من المكان، ونريد إحضار صديقتنا وأهلها فهي تعاني من مشاكل في دراستها، رحب بنا وعرض علينا أن يقرا كفوفنا لأنه يعلم مستقبل كل واحدة منا على حد تعبيره، لكننا رفضنا متحججين أننا تأخرنا وسنعود إليه في وقتٍ لاحق.

سطورٌ بين الدين والشعوذة

استهل الدكتور محمد الصليبي كلامه معنا بحديثٍ نبويٍ شريف بشأن الشعوذة والمشعوذين، حيث قال :" من أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فان الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين ابعد، ومن باب الشريعة الإسلامية فان هناك محاولات استغلال الدين بصورة خاطئة، ودون أي سند من القران والسنة، والذي يلجأ إلى العرافة والشعوذة يقع في الخديعة، وكأن الزمن لا يتحرك والعمر لا يمر، فالدين مادتهم التي يقومون باستخدامها وفق ما يرون وكيفما يناسبهم".

ويضيف:" هناك أشخاص يصدقون أعمال الكهنة والسحرة، ولكن بالمقابل يوجد القرآن الكريم الذي يحوي الرقية الشرعية واجزم انه لا علاج شاف من السحر والمس غير القرآن، فقد أمرنا به سبحانه وتعالى باعتبار القرآن دستور نهتدي به، ونتوجه إليه في أحلك الظروف ودون الاستعانة بأحد لا من المشعوذين ولا أعوانهم، وما يزيد الطين بلة أنهم يخربون البيوت  وهنا يجب الانتباه إلى قضية مهمة أن من لا يثق بالله هو الشخص الذي يزور الكهنة، فحبة مسك من كتاب الله تشفي ما على الأرض من كائنات، فقد يكون المشعوذ من يفعل السحر والله تعالى أعلى واعلم".

في علم النفس الصيغةُ الأفضل لحفظ نعمة "الإنسان"

المرشدة الاجتماعية رنا فقها عبرت عن الشعوذة بقولها : " من يتوجه إلى السحرة غالبا ما يكون لديهم آلام جسدية بالإضافة إلى أمراض العقم، فبعد إجراء المريض لفحوصات الطبية ويتبين انه لا يوجد لديه أي شيء، هنا ينسب المريض أن ما يحصل معه سببه السحر والمس أو ما شابه ذلك".

وتضيف فقها :" الجهلُ يلعب دورآ في عدم توجه هؤلاء الناس إلى مختصين واستشارة علماء النفس، وذلك خوفآ من الوصمة الاجتماعية أو أن يقال عنهم مختلين عقليآ، وفي بعض الأحيان يمكن للمعالج النفسي أن يعالج حالات الاضطرابات النفسية المعقدة، فالصيغة الأفضل لهؤلاء الناس التوجه للرقية الشرعية وخبراء النفس ولا يجوز بأي شكل من الأشكال اللجوء إلى الكهنة الذين لا حول لهم ولا قوة، فيدُ الله على الجماعة والشيطان مع من يخالف الجماعة".

"لو كان السحر صدقآ يفيد لاستخدموه في قصف إسرائيل أو إسقاط طائرة من طائراتها" هذا ما بدأ به الدكتور المحامي محمد شراقة بأسلوب استهزاءٍ وسخرية، وذلك عند سؤالنا له عن ما يسمى بعلم ما وراء الغيبيات والروحانيات والذي يتعامل به الكهنة.

وأسهب قائلآ:" هذا يرتبط بشكل رئيسي بالوعي لدى الإنسان وتصديقه لأقوال المشعوذين، ولا يجوز بتاتآ أن يعتمد الإنسان على غيره في حل مشاكله مهما تعقدت الأمور، لان الواثق بالله تعالى لا ينقصه اللجوء إلى عالم آخر أو ما يطلق عليهم "رجال الدين"، واستهل شراقة كلامه بمثالا انه عندما كان في بلاد المغرب العربي جلس في احد الأيام مع ثلة من أصدقائه وصديقاته، فاحد أصدقاءه وهو من أصل فلسطيني أعطته فتاة كأس من الماء فشربه من يدها وكان القصد منه أن يتزوجها ويتعلق بها، وعند العودة إلى البيت نام هذا الشاب ولم يكن به شيء، ولما استيقظ في الصباح لم يجد شعرا على وجهه ولا رأسه، فالكأس الذي شربه في تلك الليلة أدى إلى تساقط جميع الشعر من جسده".

ويضيف شراقة:" المرأة تسامح الرجل في كل شيء إلا الخيانة الزوجية لذلك غالبا ما نجد أن من يذهب إلى الكهنة هم من فئة النساء وذوي الحاجة فالمرأة تريد في هذه الحالة أن تدافع عن نفسها فتلجا إلى المشعوذين، وعلى حد قوله تبين أن 99% هم من رجال السوء لأنهم يستغلون المرأة للممارسة الجنسية وأحيانا تحمل منه، ففي هذه الحالة يمكن أن ترفع عليه قضية لأنها ذهبت إليه بقصد العلاج وليس التخدير وممارسة الجنس وما إلى ذلك، فهي استأمنته على جسدها وبالمقابل اغتصب إرادتها".

الحكم على الساحر يتم حسب نوع الإيذاء، ونأسف أنها ظاهرة منتشرة كثيرا في الآونة الأخيرة، ولم نجد إلى حد اللحظة أي محاسبة قانونية لهؤلاء المشعوذين، فالعلاقة طردية كلما زاد التخلف تزداد أعمال الشعوذة.

مسلسل العرافة والكهنة قلق يسيطر على المجتمع العربي والإسلامي، فالرقية الشرعية خير طريقٍ نسلكه، علها تشفي المريض من مرضه