الرئيسية / الأخبار / فلسطين
صخر أبو محسن: رصاصة واحدة تطيح بفتى المالح
تاريخ النشر: الأثنين 23/06/2014 22:50
صخر أبو محسن: رصاصة واحدة تطيح بفتى المالح
صخر أبو محسن: رصاصة واحدة تطيح بفتى المالح

 طوباس: رصدت الحلقة الثالثة عشرة من برنامج "أصوات من طوباس" لوزارة الإعلام حكاية الشهيد الفتى صخر برهان أبو محسن، ابن الثامنة عشر ربيعًا، الذي سقط برصاص الاحتلال السبت الماضي، ليحتجزه بدعوى التشريح ليومين، فيما شيع جثمانه الاثنين في موكب عسكري ومشاركة واسعة، بعد أن أعادة تشريحه بقرار من وكيل نيابة طوباس، لتبين أنه قضى بطلقة استقرت في صدره، وليس كما أدعى الاحتلال أن رصاصة انطلقت من نار أشعلها الشهيد في عز الصيف!

اللقاء الأخير

يقول والده بقلب حزين: خرج صخر في وقت مبكر من المنزل بمنطقة المالح صباح السبت، وتأخر في العودة إلى ما بعد الظهر، فقلقنا عليه وبدأنا نبحث عنه، إلى أن وصلنا منطقة المرحان الحمر في خلة البد، المقابلة لمعكسر الاحتلال، ووجدناه يسبح في دمه تحت الشمس، ثم استدعينا الإسعاف، لكن الاحتلال احتجز الجثة، وقال إنه سيحقق في الأمر، وأخذوه للتشريح، ولاحقاً أخبرونا أنه قتل برصاصة وضعها في نار أشعلها بنفسه.

يتابع: ترك ابني فراغًا كبيرًا ليس في العائلة، وإنما في منطقة المالح والأغوار وطوباس كلها، فكان هادئاً، وأحبه الجميع، وأحس بالمسؤولية في وقت مبكر، وساعدني منذ كان طفلاً، فكان يمضي وقتاً طويلاً في رعي الأغنام، لكنهم قتلوه، بدم بارد، وتركوه تحت الشمس.

وتحلق أبناء عائلة أبو محسن وأفراد من الأمن الوطني في غرفة صغيرة داخل مستشفى طوباس الحكومي، بعد ليلة طويلة من انتظار الصباح لدفنه، إذ سلم الاحتلال جثمانه مساء الأحد، ليعاد تشريحه مرة أخرى فلسطينياً في ليل طويل.

وحمل رجال الأمن الوطني صخراً على أكفهم، لينقل إلى سيارة عسكرية، توقفت في بيت عائلته بقرية تياسير، وفيه أعدت أمه وجدته وقريباته ونساء البلدة والمنطقة الفراش الأخير، وفي مشهد وداع اتشح بالسواد، بكت الحاضرات، فيما أصرت جدته وقريباته على اللحاق بالموكب عدة أمتار، وفقدت أخريات الوعي، وأطلقت أخريات أدعية وصرخات حزن.

 

جريمة وفتنة

يقول محافظ طوباس والأغوار الشمالية العميد ربيحي الخندقي: ارتكب الاحتلال جريمة جديدة مع سبق الاحتلال والترصد، ولم يكتف بتصفية صخر، وإنما قرر أن ينشر الحقد والفتنة، من خلال بث إشاعات وإثارة الشكوك حول مقتله، إلا أن الأدلة الدامغة بعد إعادة تشريحه أكدت انه قتل مع سبق الإصرار والترصد.

وأضاف في كلمة عقبت مواراة صخر الثرى: سنحاكم القتلة، ونرفع القضية إلى الهيئات القانونية ومحكمة الجنايات الدولية، لحماية أطفالنا من العدوان المتصاعد ضد شعبنا.

صعود إلى السماء!

تروي عمته مريان دراغمة: قبل يوم من استشهاده، صعد صخر إلى سطح بيته في المالح، وأخذ يخبرها بأنه سيصعد إلى الأعلى أكثر فأكثر، إلى أن يصل السماء العليا، فضحكت.

فيما يبث رئيس مجلس المالح والمضارب البدوية عارف  دراغمة أحزانه، فيقول: كان صخر هادئاً، ومحبوباً، وساعد عائلته في سن مبكر، وكان يخترع ألعابه بنفسه، وأتخذ من شجرة كينا قرب بته أرجوحه له ولأشقائه وأطفال المنطقة، وفي الليل كانوا يتسامرون حول النار.

ويؤكد دراغمة أن أبو محسن هو الضحية الثالثة في الأغوار، بعد مهند دراغمة وعبد الناصر فقهاء، إضافة إلى 34 جريحاً أصيبوا بأشكال مختلفة، خلال الفترة الماضية.

يقول: لم نجد أي آثار لإشعال نيران كما يدعي الاحتلال في المنطقة التي سقط فيها، وشاهدنا الأغنام التي يرعاها بعيدة عنه بمفردها. ومنذ اكتشفنا الجثمان، صارت الأمهات يشعرن بقلق كبير على أولادهن، فيطلبن منهم قبل أن ينطلقوا إلى المراعي كل صباح، أن يبتعدوا عن المعسكرات، وأن يتجنبوا المرور أمام دوريات الاحتلال.

ويضيف دراغمة: في يوم استشهاده كنا ننظم نشاطاً للأطفال مع مؤسسات من الداخل، وعرف صخر بالأمر، وطلب مني أن أترك له حصته من الألعاب والقرطاسية، لحين العودة من العمل عند الظهر، ليستلمها بنفسه، لكنه لم يعد.

صخر وصقر

بدوره يقول منسق وزارة الإعلام في طوباس، عبد الباسط خلف: أقمنا في المالح بالأغوار خلال ربيع 2013 أياماً، وقتئذ كنا نصور فيلماً ينقل للعالم حكاية شعب وأرض وطفولة تواجه احتلالاً بأكفها وإرادتها. وتعرفت أنا وزميلي المصور أحمد لصخر، كان في بدايات العمر، مبتسمًا، وجواداً. في أول مناسبة، أعد لنا الشاي على الحطب، ثم راح يجمع لنا البازيلاء من الحقول التي تصير في العادة أرضاً محروقة ومعسكرات لإنتاج الموت والإرهاب.

يتابع: كان صخر يرعى الغنم في النهار، وخلال اشتداد الحر يبحث عن شجرة سدر للاحتماء من الشمس، وترافقه عده الشاي: سكر، وإبريق، وولاعة، وعبوة ماء. ومع الغروب يعود لبيت عائلته، الذي كان ذات يوم فندقاً. وخلال استراحة من التصوير، قلت لصخر: ألا تخشي من الجنود الذين يتدربون في جهات بيتكم الأربع؟ ضحك وقال: "مطرح ما تأمن خاف..."
وقد ظهر صخر في فيلم 14970 الذي أنتجته وزارة الإعلام، ولا زال صوته حاضراً حين أدار وبطل الفيلم جبريل الحوار في المشهد الأخير: ويومها أشعلا ناراً، وراحا يتذكران كيف اقتحم الجنود سهرتهما، وطلبا منهما - بعد وجبة ضرب- إخماد النار، وعدم إشعالها مرة أخرى.
يزيد: ذات نهار ربيعي حار، قلت لصخر: أنت صخر وصقر، فابتسم. وسألته عن أحلامه. فرد عليّ: أن أعيش دون أن أرى أو أسمع أي شيء يذكرني باليهود، وأتجول في جبالنا بحرية، وأجمع العكوب، وأغني، وأنام تحت شجرة..

ينهي خلف: رحل حارس المالح، والمبتسم غالباً، والشقي أحياناً، وراعي القطيع، وصاحب المزاج في إعداد الشاي، والخجول أيضاً، ولم تتحقق أمنياته، وترك في قلوب من عرفه حسرة تشتعل لغيابه.

 

 

 

تابعونا على فيسبوك
تصميم وتطوير: ماسترويب 2017