اعتبر “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، بمناسبة بدء ولاية رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المعيّن، أفيف كوخافي، اليوم الثلاثاء، أن هذه “فترة عاصفة وغير مستقرة” من الناحية الأمنية، لأن “البيئة الإستراتيجية التي يعمل فيها الجيش الإسرائيلي ما زالت تتميز بانعدام يقين بالغ”، وأن ثمة احتمالا لنشوب حرب خلال ولايته. وبحسب تحليلات أجراها المعهد، فإن هناك “عشرة تحديات مركزية يتعين أن يتعامل معها رئيس أركان الجيش المعيّن فور دخوله إلى منصبه”.
وأشارت ورقة موقف صادرة عن المعهد إلى أنه من الناحية القانونية، فإن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يخضع لإمرة الحكومة ولوزير الأمن بشكل مباشر. واعتبرت أن “هذا التعريف المقتضب والضبابي لا يعكس حجم المنصب الهائل وتعقيداته. فرئيس أركان الجيش الإسرائيلي هو شخصية وطنية ذات مهمة متميزة، وثمة شك في ما إذا كان هناك منصب مواز له في دول أخرى. ويتميز هذا المنصب بنظرة إستراتيجية واسعة، إقليمية وعالمية، لجبهة الحرب، وكذلك بنظرة عملية للأذرع العسكرية في الجبهات المختلفة…”.
وتطرق المعهد إلى دخول كوخافي لمنصبه فيما تتوجه إسرائيل إلى انتخابات عامة للكنيست، بعد ثلاثة أشهر. “الواقع السياسي لفترة انتخابات قد تمس بشكل أكبر بشرعية قرارات المستوى السياسي في المواضيع الأمنية لدى قسم من الجمهور، وأن تثقل على المستوى العسكري، وخاصة على رئيس أركان الجيش، مسؤولية زائدة من أجل القيام بتحليل موضوعي ومعني للوضع. ومن شأن التقاطب السياسي في إسرائيل أن يصعّد السجال العام حول السياسة التي ينبغي انتهاجها حيال التحديات الأمنية والتسبب بوضع شكوك إزاء الدوافع الكامنة في أساس القرارات السياسية – الأمنية”.
وقالت ورقة الموقف إن هناك عشرة “تحديات” ماثلة أمام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، زهي:
“التهديد الإيراني النووي والتقليدي”
تبلور في إسرائيل في السنوات الأخير المفهوم الذي بموجبه تشكل إيران “التهديد الأكبر على أمن إسرائيل. وحتى العام الأخير امتنعت إسرائيل عن العمل مباشرة ضد إيران، لكنها عملت ضدها بصورة سرية وأعدّت خيارا هجوميا ضد البرنامج النووي الإيراني”.
وأضافت الورقة أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، يمكن أن يقود إلى تغيير السياسة الإيرانية بكل مع يتعلق بالبرنامج النووي، وهذا الأمر “يستوجب (من إسرائيل) العودة إلى دراسة مبدئية لهدف الخيار العسكري والطريق الصحيحة لتطبيقه”.
“وفي السياق التقليدي، فإن ولاية رئيس أركان الجيش الجديد تبدأ فيما إسرائيل وإيؤران موجودتان، لأول مرة، في مواجهة مباشرة تشمل مصابين إيرانيين في سورية. وهذا الوضع يلزم ببلورة إستراتيجية عمل توضح خطوط إسرائيل الحمراء وتصر عليها من دون الوصول إلى مواجهة واسعة في الجبهة الشمالية، ما من شأنه أن يدفع إيران إلى ممارسة القوة من أراضيها ضد إسرائيل”.
وحذرت الدراسة من أنه “بين إسرائيل وإيران يوجد وضع غير تناسبي في القدرة على العمل. فقد بنت إيران قدرة صاروخية كبيرة تسمح لها بضرب إسرائيل، من محيطها القريب ومن الأراضي الإيرانية أيضا. بينما عملية هجومية إسرائيلية في إيران هي عملية معقدة ومليئة بالمخاطر”.
استمرار الغارات الإسرائيلية في سورية
يصف الجيش الإسرائيلي العمليات العسكرية السرية والغارات الجوية ضد أهداف إيران وحزب الله في سورية بأنها “الحرب التي بين الحروب”، بادعاء أن هدفها هو إبعاد أو إرجاء حرب بين الجانبين. واعتبرت الورقة أن هذه “الحرب التي بين الحروب” حققت “إنجازات واضحة، سواء بعرقلة التموضع الإيراني في سورية أو بتقليص نقل الأسلحة إلى حزب الله”. وكرر المعهد في هذه الورقة موقفه بأن هذه السياسة الإسرائيلية “قريبة من استنفاذ نفسها بتحقيق إنجازات من دون دفع ثمن أكبر” أي الدخول في حرب واسعة.
ودعت الورقة إلى إجراء “بحث مبدئي حول النجاعة الشاملة في مجهود منع، أو تقليص، خطوات تعاظم القوة التقليدية للعدو، مثل ’مشروع دقة الصواريخ” لدى حزب الله. ومن شأن نقل مركز الثقل لهذا المشروع من سورية إلى لبنان أن يبرز التحدي الماثل أمام إسرائيل وقد يقود إلى مواجهة بين إسرائيل وحزب الله، الذي أوضح أن سياسة رد فعله لهجمات في لبنان ستكون مختلفة قياسا بالماضي”.
“الاستعداد لحرب الشمال الأولى – حرب متعددة الجبهات”
قالت الورقة إنه يوجد ردع متبادل بين إسرائيل وحزب الله، منذ حرب لبنان الثانية. “رغم ذلك، تدل التجربة على أنه في وضع كهذا أيضا ثمة احتمال لحدوث تدهور قد يقود إلى ’حرب لبنان الثالثة’، التي ستكون أشد من السابقتين”.
وتوقعت الورقة أن نتائج الحرب الأهلية في سورية من شأنها أن تقود إلى مواجهة مختلفة بين إسرائيل وحزب الله، والمصطلح الإسرائيلي ’حرب الشمال الأولى” يصف سيناريو مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله في لبنان ويمكن أن يتسع “ليشمل سورية وحتى إيران والعراق، وبسيناريو متطرف يمكن أن يشمل الجبهة الفلسطينية أيضا”.
وفي هذه الحالة، وفقا للورقة، فإن وضعا كهذا لن يوزع موارد إسرائيل في عدة جبهات فقط، وإنما “سيؤدي إلى تقويض أساسي لمفهوم ممارسة القوة الإسرائيلي في الجبهة الشمالية. ويعني ذلك، أن الأشكال المألوفة لإنهاء حرب يمكن ألا تكون مشابهة للماضي، الأمر الذي يستوجب وضع مفهوم جديد لممارسة القوة العسكرية”.
بناء القوة العسكرية للاجتياح البري
يبحث الجيش الإسرائيلي، منذ عقود، في معنى “الحسم” و”الانتصار” واحتمالات تحقيقهما في الفترة الحالية بواسطة وضع رؤية معدّلة، تلائم نوع الحروب الحالية، التي لا تدور بين جيوش نظامية فقط. وبحسب الورقة، فإن “إستراتيجية الجيش الإسرائيلي، للعام 2018، تجيب على ذلك بالإيجاب. وهي تصف الرؤية المعدلة لاستخدام القوة كحرب تستند إلى ضربات متحددة الأبعاد وتدمج بالتزامن بين نيران دقيقة ضد آلاف الأهداف واجتياح بري سريع وفتاك وليّن. وتنظر هذه الرؤية إلى الاجتياح على أنه عنصر هام، من خلال التوغل إلى أراضي العدو والسيطرة عليها واعتبار ذلك قيمة هامة”.
وذلك خلافا للمفهوم الحالي، حيث يستند الجيش الإسرائيلي إلى “قوة نيران بواسطة سلاح الجو زالمدفعية، كانت مترددة وحذرة جدا في تفعيل القوات البرية. وعلى رئيس أركان الجيش التيقن من أنه توجد لدى الجيش قدرة فعلية على تنفيذ اجتياح بري بحجم واسع، ضد أعداء مثل حزب الله وحماس، وقادرة على مواجهة عملية طويلة السنين للتغلب على عقبات اجتماعية وسياسية لاستخدام القوة العسكرية”.
حماس في قطاع غزة
قالت الورقة إن حركة حماس في قطاع غزة ليست معنية بحرب مع إسرائيل، وأنه في الوقت نفسه “ضعفت جوانب معينة في الردع الإسرائيلي. فحماس، على سبيل المثل، مستعدة اليوم لاستخدام قوتها في ظروف ملائمة لها”.
وأضافت الورقة أن “الإستراتيجية الإسرائيلية مقابل قطاع غزة تعاني من ازدحام زائد لأهداف إثر مميزات أساسية في المنطقة، مثل احتكاك دائم بين الجيش الإسرائيلي ومتظاهرين غزيين على طول السياج، الوضع الاقتصادي السيء في المنطقة، الأسباب المنطقية العديدة الماثلة في أساس النشاط السكاني المدني في القطاع، حماس، وفصائل أخرى ناشطة، التي تزيد احتمالات التصعيد والوصول إلى مواجهة في نهاية الأمر. وهذا الوضع يلزم أن تكون بحوزة الجيش الإسرائيلي خطة عمل تبرر نجاعتها ثمنها، بحيث تؤدي، في حالة المواجهة، إلى ردع حماس من شن هجمات متواصلة وتوجيه ضربة للحركة، خاصة إلى ذراعها العسكرية”.
منع تدهور في الضفة الغربية
اعتبرت الدراسة أن الوضع الأمني مستقر نسبيا في الضفة الغربية، “ولذلك يبرر مواصلة النشاط العسكري الحالي، من خلال بذل جهد للحفاظ على نسيج الحياة المدنية في هذه المنطقة”. لكن الورقة حذرت أنه “بغياب قرار سياسي (إسرائيلي) تجاه هذه المنطقة، يتعين على الجيش الاستعداد لإمكانية حدوث زعزعة وتفكك أمني نتيجة تطورات محتملة، يصعب تقدير حراكها والتحذير منها. وفي مركز تحول كهذا الرحيل المتوقع لأبو مازن عن المسرح السياسي، الذي قد يؤدي إلى صراع قوى، داخل فتح أو بين فتح وحماس، وحتى انهيار الإطار الأمني في المنطقة، وبضمن ذلك التنسيق الأمني و/أو اندلاع عنف واسع للجمهور الفلسطيني ضد إسرائيل والسلطة الفلسطينية نفسها”.
الحفاظ على “ثقة الجمهور بالجيش”
تدل كافة الاستطلاعات في إسرائيل على وجود مستوى ثقة مرتفع لدى الجمهور بالجيش الإسرائيلي. ولفتت الورقة إلى أنه “في مقابل هذه الثقة، فإن الصورة تصبح معقدة أكثر عندما يدور الحديث عن نظرة الجمهور إلى الجوانب الاجتماعية والأخلاقية التي يمسها الجيش الإسرائيلي. وفي هذا السياق، معروفة الاختلافات بالرأي لدى الجمهور حيال مواضيع مثل الحدمة العسكرية للنساء، قضايا الدين والجيش وحتى تعليما إطلاق النار. ويشكل هذا الوضع إشارة ضوئية تحذر من صعوبة متزايدة للتفريق بين قضايا مهنية – عملانية وبين قضايا أخلاقية وأيديولوجية وسياسية أيضا”.
وأشارت الورقة إلى مسألة ثقة الجمهور بالجيش قد تتأثر من نتائج حرب واسعة النطاق. “فصورة انتصار واشح في حرب خاطفة قصيرة تؤثر جدا على حكم الجمهور الإسرائيلي على الحروب ونتائجها. ولذلك، فإن التعقيدات والتحديات التي تميز المواجهات الحالية الذالع فيها الجيش الإسرائيلي تنضم إلى إحباط متواصل جراء الفجوة الواضحة بين صورة الوضع ونتائجه”.
علاقة رئيس أركان الجيش والحكومة
أشارت الورقة إلى علاقات متوترة بين رؤساء أركان للجيش مع رؤساء حكومات ووزراء أمن في الماضي، خاصة وأن العلاقة بين المستويين يتميز بالتعاون والتوتر في الآن نفسه. ورأت أن أحد التحديات الهامة أمام رئيس أركان الجيش هو “الحاجة إلى توضيح وتنظيم هذه العلاقات المعقدة”.
العلاقة مع قادة قيادات المناطق العسكرية
وفقا للورقة، فإنه “توجد مشكلة متكررة في تعامل رئيس أركان الجيش مع قادة المناطق (أو الجبهات). وتدل تجربة الماضي، اثناء حرب سيناء (العدوان الثلاثي على مصر) وحرب يوم الغفران (أكتوبر 1973) وحرب لبنان الثانية وغيرها، على وجود فجوات إدراكية بين رئيس أركان الجيش وقائد منطقة، سواء بعملية التخطيط أو خلال إدارة القتال. وتصل هذه الفجوات أحيانا إلى درجة المواجهة المباشرة بينهما، بصورة تمس بالقدرة على إدارة الحرب بنجاعة”.
ميزانية الجيش
اعتبرت الورقة أن “مهمة مركزية لرئيس أركان الجيش الجديد هي مواصلة بناء قوة الجيش في إطار خطة متعددة السنوات وممولة، تستبدل خطة ’غدعون’ ابتداء من العام 2020. ويتعين أن تصادق الحكومة على خطة كهذه وأن تشمل ميزانية متعددة السنوات. واستقرار الخطة مرهون باستقرار الميزانية، ويبدو أن الظروف ناضجة لاتخاذ قرار بشأن ميزانية أمن تكون نسبة من الناتج المحلي كي تشكل أساسا هاما وتمنع نقاشات حولها”.
المصدر: عرب 48.