تقرير: لينا لهلبت
زقاق رفيع طويل يمر بين بيوت مظلمة قديمة ومتراصة، غرف لا تدخلها الشمس وشبابيكها أرضية مفتوحة مسدلة عليها ستائر تخفي خصوصية أهلها عن عيون المارّة، تجد في كل زاوية من زقاق المخيم ألف حكاية ألم ومعاناة تتصاعد يوماً بعد الآخر.
في تجاعيد كبار السن ترى الحسرة على سنوات مضت إثر تهجيرهم من أراضيهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي حتى وجدوا أنفسهم في هذا المكان الضيق الذي حكم عليهم العيش فيه والتأقلم عليه؛ فالصغير منهم اليوم تجاوز عمره السبعين عاماً، وهم الصورة المشرفة من حكاية 6000 شخص هجروا من موطنهم الأصلي ليكونوا لاجئين في هذا المخيم، وكلما تقدمت خطوة تجد صوراً على الجدران تحتضن التاريخ النضالي للشهداء والأسرى، عدا عن الرسومات الكتابية التي تعبر عن حبهم للوطن إضافة إلى عبارات تهنئة الأسرى بخروجهم من السجن.
انه مخيم بلاطة الذي يقع في خاصرة مدينة نابلس من الجهة الشرقية، والذي يحتضن عدداً كبيراً من اللاجئين فهو أكبر مخيم ضم لاجئين فلسطينيين في الضفة الغربية جاءوا من أكثر من 25 قرية فلسطينية أهمها قرى يافا واللّد، حاملين معهم الهموم والمعاناة منذ عام 1950.
يعاني هذا المخيم اليوم من كثافة سكانية عالية بسبب ضيق المساحة الجغرافية التي يقام عليها فهو يقوم على مساحة 252 دونم بالإضافة إلى ازدياد عدد السكان بشكل كبير فقد وصل عددهم اليوم إلى 41672 لاجئ، ولكن اللاجئ في هذا المخيم صابرٌ ظروف المخيم ومتمسك به لأنه هو الشاهد الوحيد على النكبة ومتمسك بالانروا لأنها هي ممثلتهم أمام العالم على قضيتهم ونكبتهم.
يتبع مخيم بلاطة كغيره من مخيمات اللجوء إلى الأنروا التي بدأت تقيم خيماً قريبة من المدن ليلجأ الناس المجهرين إليها.
استمر وجود الخيام لأكثر من 5 سنوات، وعاش السكان على الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية التي قدمتها الأونروا، وبعد مرور الأيام قررت الأونروا إقامة بيوت ليسكن بها اللاجئون ولكن رفض الكثير من الفلسطينيين تحويل الخيام التي يسكنوها إلى أبنية لأنهم آملون بالعودة إلى أراضيهم.
ولكن بعد فقدان الأمل بدأت الوكالة بإقامة وحدات سكنية جديدة بنظام غرفتين ومطبخ وحمام لكل عائلة في نهاية الخمسينيات ولم تسمح لهم ببناء أكثر من طابقين، واضطر أهل المخيم إلى التوسع ومخالفة القرارات التي وضعتها لهم الوكالة قبل قدوم السلطة، حتى وصل ارتفاع بعض المباني إلى ستّ طبقات وأكثر ملتصقة ببعضها البعض، وحرمت المنازل من النور وأشعة الشمس إضافة إلى غرق البيوت في الشتاء نتيجة تشكل السيول من مياه الأمطار.
ترجع تسمية المخيم إلى عدة روايات فهناك روايات تقول انه سمي باسم بلاطة نسبة إلى الأرض التي أقيم عليها وهي قرية وسهل بلاطة المجاورة، وهناك رواية ثانية تقول انه سمي باسم بَلاطة بالفتح وهي مفرد بلاط وقد ذكر سكان هذا البلد أن الماء يخرج من بلاطة من الصخور الموجودة تحت مستوى سطح الأرض، وأما الرواية الثالثة تقول انه سكن هذا البلد قبل السكان الحاليين سكان يدعون البلالطة وسميت بلاطة نسبة إليهم.
ويقول تيسير نصر الله رئيس مركز يافا الثقافي ان قليلاً من الناس يأتون إلى المخيم وهذه مشكلة حقيقية ويحبذ أن يأتوا إلى هذا المخيم ليشاهدوا المشاكل والمعاناة التي يواجهها الناس بالمخيمات، فبعد ما حدثت النكبة ازداد عدد الناس وكانوا المهاجرين يعيشون إما في المدارس أو الخيام أو أشخاص احتضنوهم قبل أن تستقر الأوضاع.
وأضاف نصر الله :"كانوا الناس يعتقدون أن العودة إلى بيوتهم قريبة فتركوا الأثاث والعفش قبل أن يهاجروا، ولكن بعد ذلك تيقنوا أن هذا ليس موضوع يوم أو يومين لأنه تبين لهم أنها قضية سياسية طويلة، وهذه المؤامرة تمت حياكتها بتيقن من قبل الاستعمار البريطاني الذي هيأ الأجواء إلى الصهيونيين للاستيلاء على أرضنا وشعبنا وبيوتنا، وبعد فترة الخمسينات تأقلم الناس مع الواقع وتغيرت أحلامهم وطموحاتهم وتطور المخيم، فعوضا من أن يكونوا مصطفين طوابير لاستلام حبة الأسبرين أو علبة سردين أو شوال طحين -هذا المشهد الذي كان عالق بأذهان العالم- أصبحوا طوابير للالتحاق بقواعد الثورة، وتغيرت نظرة الناس لهم هذا وبالإضافة إلى أن نسبة البطالة في المخيم اليوم 25% وهي تتأثر بسبب عدم إمكانية الوصول إلى سوق العمالة الإسرائيلي.".
ويقول شاهر البدوي منسق وحدة الإعلام في مركز يافا أن مخيم بلاطة هو بيئة لطيفة وبيئة آمنة وهناك الكثير من الناس لحد الآن لم يدخلوا مخيم بلاطة ولم يتعرفوا عليه، ويوضح أن هناك بصمات واضحة في النضال الوطني حتى انه في فترة من الفترات وصل عدد أسرى مخيم بلاطة 1000 أسير من بين 5000، عدا عن انه هناك ما يقارب 500 شهيد ممن صنعوا من الحالة الوطنية ما نعتز به، وفي مخيم بلاطة ما يقارب 113 شخص يحمل شهادة الدكتوراه بالإضافة إلى وجود الشعراء والمبدعين لكن الناس دائما يركزون على الجانب السيئ في المخيم.
ويقول الدكتور أمين أبو وردة مدير مكتب أصداء:" أن المخيم جزء من الضفة ومن الواجب على الفلسطينيين أن يزوروه ليتعرفوا عليه ليس من جانب إنساني فقط فمن جانب مهني أيضا و كصحفيين يجب أن يتعرفوا على هذا المخيم، وعندما نتحدث عن دور المخيم المهني والسياسي هناك العديد من القصص والمواقف وآخر موقف هو قصة الأسير كامل الخطيب التي أصبحت أيقونة عالمية لأنها جسدت معاناة أسير يخرج من السجن وبعد عودته باثنتي عشر ساعة تتوفى والدته، فبالتالي المخيم مليء بالقصص يمكن للصحفي أن يبدع في الكتابة عنها".