تقرير: تسنيم ياسين
في الوقت الذي تتساقط فيه قامات وهمية أمام تحدي التمسك بكلمة الحق، وتتسارع لسن تمجد الحاكم وتبيح له ما لا يباح، تقف سبسطية شاهدة على الثمن الذي دفعه نبي الله يحيى عليه السلام لكلمته أمام الملك الروماني هيرودس.
تعود أصول الحكاية إلى لحظة رغب فيها الملك الزواج من زوجة أخيه هيروديا، الأمر الذي لم يوافق عليه نبي الله يحيى عليه السلام، ولأنه كان ذا كلمة مسموعة ومحترمة لدى الشعب الروماني، حبسه الملك في غرفة تحت الأرض ليجبره على إجازة الزواج، ولكن يحيى ظل على كلمته.
وفي يوم من الأيام أقام الملك احتفالاً في ساحة الاحتفالات التي تعرف باسم البازيليكا غرب القرية، وهي ساحة مبلطة تحتوي على ممرات مبلطة بالفسيفساء يتوسطها مسرح للاحتفالات والعروض، وكانت هيروديا راقصة محترفة فازداد الملك بها تعلقاً وشرب حتى ذهب عقله، وعرض عليها أن تطلب ما تشاء، فكان طلبها الأول رأس يحيى.
قُطع رأس يحيى في لحظة سكر الملك، ولكنه حينما صحا ندم وأخذ يشد لحيته، فخلدت ذكراه بتمثال يصور ندمه فوق غرفة حبس يحيى، الذي دفن رأسه في الجامع الأموي بدمشق وبقي جسده في سبسطية.
وفي الفترة البيزنطية بنى أتباع النبي يحيى كنيستين تكريماً له، الأولى مكان قطع الرأس والأخرى مكان دفن جسده بالقرب من غرفة حبسه.
وبحسب ما ينقله لفريق تجوال أصداء موظف الأوقاف العامل في المكان مدحت كايد، فإن زلزالاً أصاب المنطقة أدى إلى هدم الكنيستين، حتى جدد الصليبيون بناء كنيسة الجسد، فيما بقيت كنيسة قطع الرأس على حالها مهدمة.
وبعد معركة حطين أمر صلاح الدين ابن أخته حسام الدين أن يحرر الكنيسة فأتى ورممها وبنى مسجداً، بالتالي فإن الروايات تقول إن المسلم والمسيحي كانوا يصلون من مدخل واحد، حتى إن أحد الرحالة قال: زرت سبسطية فوجدت المسيحي والمسلم يصلون جنباً إلى جنب ومن مدخل واحد.
وفي زمن عبد الحميد الثاني في العهد العثماني، أمر ببناء المسجد بعد تهدمه بفعل الزمن الزلازل، وترميم الأبواب العثمانية والأسوار، ومن هنا نلفت إلى خطأ المقولة انه عبد الحميد حول الكنيسة لمسجد وهذا لم يحدث لأنه هو أحاط المنطقة بسور وأقواس وأبقى على الكنيسة ورممها ورمم المسجد، ولو كان معنياً بزوال الكنيسة لبنى المسجد وأهمل الكنيسة.
أينما تجولت في سبسطية التي تصل مساحتها إلى 5 آلاف دونم، تجد أثراً لعصر من العصور السابقة، وهو ما جعلها محط أنظار الاحتلال ومستوطنيه، الذي يقتحم القرية بين الحين والآخر لإجراء حفريات وأبحاث ومرافقة المجموعات السياحية الداخلة إلى سبسيطة وترويج رواياته لهم.
سكرتير بلدية سبسطية قدري غزال، يقول: "يخضع ما يصل إلى 50% من أراضي القرية لصنيف ج حسب اتفاقية أوسلو، تتركز معظمها في المناطق التي تتمتع بوفرة في الأماكن الأثرية، بالتالي الاحتلال يحاول أن يضع الطابع الإسرائيلي على المواقع الأثرية، وإلى الآن اليهود يقتحمون القرية يومياً بزيارات تعليمية لتعريف شعبهم بالآثار، وحاولت جامعة آرئيل إجراء دراسات وأبحاث بالمكان لتغيير طابعه ويصبح لهم".
ويتابع غزال: " بعد انتخابات الهيئة المحلية عام 2005، حاولت البلدية أن تربط بين المنطقة الأثرية والبلدة القديمة، لأن البلدة القديمة تحوي المقبرة الملكية ومقابر في الكنيسة والمسجد وأكثر من مكان أثري وهم مرتبطون ببعضهم، فنحن اهتممنا بالمواقع التراثية ورممنا البلدية وأكثر من موقع، وهيأنا بيوت ضيافة أثرية لاستقبال الزوار الذين يأتون بشكل فردي".
واستكمالاً لمحاولات الاحتلال فرض طابعه التاريخي على القرية، فإنه لا يكتفي بإجراء اقتحامات يومية برفقة السياح، ولكنه يمارس دعاية تخويف للسياح ضد الفلسطينيين، وكما يوضح غزال فإنهم يخيفونهم من الحمامات الشمسية فوق البيوت العربية من أنها تخفي إرهابيين خلفها.
ومنذ الانتفاضة الثانية أزيلت سبسطية من الخارطة السياحية الإسرائيلية وهو ما أدى إلى وقف المكاتب السياحية إجراء زيارات للقرية، وكل من يريد زيارتها تكون على مسؤوليته الشخصية، ويكون محلاً للإشاعات التي يروج لها الاحتلال عن استهداف الفلسطينيين للزوار الأجانب.
ورغم أن عدداً من المواقع الأثرية تم ترميمها من خلال مؤسستي رواق والـ UNDP, إلا أن عدداً منها مازال ضحية الإهمال والأوساخ المتروكة من الزائرين، الأمر الذي يستغله الاحتلال لإقناع المؤسسات بأنه أحرص على تراثه من الفلسطينيين المهملين.