كتبت: تسنيم ياسين
بعد استقرار إيمانها بمركزية دورها في الحياة، وتشبُّع عقلها بفكرة الجمع بين المعرفة والعمل، تحدت الشهيدة فاطمة أبو جيش إرادة الاحتلال بشل حركة سكان قريتها بيت دجن شرق نابلس، واستمرت في الذهاب إلى عملها بالمدينة رغم الحواجز والقيود.
أما الاحتلال المتربص فرفض أن يبقيها على عزمها وقتلها بينما كانت تحاول العبور إلى قريتها من خلال قرية سالم المجاورة بعد إغلاق مدخل القرية الرئيسي.
استشهدت فاطمة لتختزل بحكايتها معاناة قرية قرى فلسطينية يغلق الاحتلال بواباتها الرئيسية على أنفاس مواطنيها، فيمنعون من العمل والحركة والانتقال بحرية.
لطالما كان المدخل الرئيسي لقرية بيت دجن المعضلة الكبرى أمام السكان في مواجهة الاحتلال، فمنذ اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 أغلق الاحتلال المدخل متذرعاً بعمليات إطلاق الحجارة على مستوطني مستوطنة الحمرا المقامة على أراضي القرية.
وفي عام 2010 تم فتح الطريق لأهل القرية لكن أعيد إغلاقها بشكل كامل إثر عملية إيتمار عام 2015، لتعود المعاناة تتكرر من جديد.
وفي مقابلة مع فريق تجوال أصداء الذي زار القرية، يقول رئيس مجلس القرية منجد أبو جيش يقول: "أكبر صراع هو الطريق الرئيسي الذي يربط بيت دجن بنابلس الذي أغلق أكثر من مرة حتى هذه اللحظة هو مغلق ونحن نتوجه إلى المدينة عبر بيت فوريك وهذا يسبب معاناة كبيرة للجميع".
ويتابع: أهم الصعوبات أن أناساً كثيرين لا يعرفون الطريق البديلة فيسلكون الرئيسية المغلقة ويتعرضون للإهانة والاعتقال والضرب، حتى العلاقات الاجتماعي مع المحيط تأثرت وصارت أقل، أي أن المواطن صار يقلق خاصة فترة أن كان المدخلان يغلقان الساعة الخامسة مساء".
حتى أن معضلة الطريق أثرت على التنمية في القرية، فالمقاولون يرفضون الاستمرار بالمشاريع بسبب الإغلاق المتكرر للقرية.
وما زاد المعاناة هو خضوع جزء كبير من أراضي القرية لتصنيف سي حسب اتفاقية أوسلو، وهو ما يحرمها من مشاريع تحيي القرية، يوضح أبو جيش: "أغلب الأراضي سي، ونتعرض لمصادرة الآليات ورعاة الأغنام يتعرضون لاعتداءات من قبل المستوطنين".
ويضيف: "مستوطنة الحمرا أقيمت على أغنى أراضي القرية التي سميت بالحمرا بسبب خصوبة تربتها وكثرة إنتاجها الزراعي وهو ما أضعف زراعة القمح التي استمدت القرية اسمها منها بيت دجن".
ومع امتداد الصراع كانت القرية ولّادة لأبرز شهداء فلسطين وأسراها على امتداد تاريخ الثورات، منهم الشهيد سامح أبو حنيش والشهيد فادي حنيني والشهيد فادي حامد وقبلهم كثيرون رووا أرضهم بدمائهم.
ولكن على النقيض من المتوقع من قرية يحاصرها الإغلاق من كل الجهات، إلا أن القرية بأهلها البالغ عددهم ما يقارب الـ4 آلاف نسمة، استمرت بالنهوض والاهتمام بالعلم والعمل حتى صارت من القرى القليلة في الضفة التي تتمتع بخدمات عالية المستوى.
فالقرية تتمتع ثلاث مدارس واحدة للإناث ويجري العمل على الثانية، واثنتان للذكور، بفرعي التوجيهي العلمي والأدبي وهو ما يسد حاجة المواطنين ولا يضطرهم للخروج إلى القرى المجاورة.
وفيها شبكة صرف صحي لوجود محطة تنقية فيها، ويجري العمل على تطوير شبكة المياه بعد أزمة مرت بها القرية، من خلال مد شبكات مياه مع القرى المجاورة مثل روجيب وبيت فوريك.
أما طبيعة القرية، التي تزيد مساحة أراضيها على الـ44 ألف دونم، فتجمع بين الجبال والسهول، فليس على الزائر إلا أن يوجه نظره من شجرة الشيخ كامل أو نقطة مرتفعة كي يتمتع ببحار السهول الخضراء الممتدة أمام عينيه، من أراضي القرية وما يجاورها.